لسنوات طويلة كان “عدم الثقة” الملمح الرئيس للعلاقات الروسية – الإيرانية. وحتى وقت قريب، كانت إيران تشكّك في نيات موسكو، وتشكو سلوكها اتجاهها. وكانت روسيا استخدمت إيران وقتاً طويلاً ورقة مساومة في علاقتها بالغرب، وأيدت جميع قرارات مجلس الأمن المتصلة ببرنامج إيران النووي، بما فيها القرار رقم 1929 لعام 2010، والذي فرض عقوباتٍ شديدة على إيران. وامتنعت روسيا عن بيع إيران أسلحة متقدّمة حتى عام 2016 (ما بعد الاتفاق النووي)، علما أن إيران سددت ثمن بعضها، واضطرّت حتى إلى رفع دعوى ضد موسكو أمام محكمة في باريس طالبت فيها بردّ ثمن الأسلحة ودفع الفوائد. وعندما تدخّلت روسيا في سورية بتشجيعٍ من إيران، صارت إيران تشكو من وجود تنسيق روسي – إسرائيلي ضدّها، تسمح روسيا بموجبه لإسرائيل باستهداف الوجود العسكري الإيراني في سورية. وآخر مناسبة تظهر فيها إيران استياءها من سياسات روسيا نحوها برزت عندما حاولت روسيا ربط موافقتها على إحياء اتفاق إيران النووي في مارس/ آذار الماضي، بإعفاء تجارتها مع إيران من العقوبات الغربية عليها، وقد سبق لوزير خارجية إيران السابق، جواد ظريف، أن اتهم في مقابلته المسرّبة الشهيرة نظيره الروسي، سيرغي لافروف، بمحاولة تعطيل التوصل إلى اتفاق عام 2015 النووي.
وعندما غزت روسيا أوكرانيا في 24 فبراير/ شباط الماضي، نأت إيران بنفسها عن الخطوة الروسية، وامتنعت مرتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة عن التصويت إلى جانب روسيا (صوّتت إلى جانبها أربع دول فقط، هي وسورية وبيلاروسيا وإرتيريا وكوريا الشمالية)، لكن هذا كله تغير في شهر يوليو/ تموز الماضي، عندما بدأت الاستخبارات الأميركية تتحدّث عن شحن إيران أعدادا كبيرة من الطائرات المسيّرة إلى روسيا، قبل أن يتطوّر التعاون بينهما، ليشمل إرسال صواريخ بالستية متفاوتة المديات، ولتصبح إيران بذلك مصدر إمدادٍ رئيس للسلاح لروسيا، فضلا عن إرسال مستشارين إيرانيين إلى القرم للمساعدة في التدريب على استخدام طائرات الكاميكازي. وقد اعتبر الاتحاد الأوروبي أن إيران تحوّلت نتيجة ذلك إلى شريك فعلي في حرب روسيا على أوكرانيا (واستطرادا على أوروبا) ويتجه بناء عليه إلى فرض عقوباتٍ قاسية عليها.
السؤال الذي يثير حيرة في عواصم الغرب هو لماذا قرّرت إيران أن تدعم موسكو في حربها على أوكرانيا، وما الذي تجنيه من التحالف مع حليفٍ دأب على بيعها عند كل منعطف، ويتّجه فوق ذلك إلى خسارة الحرب، ولماذا تخاطر إيران بمعاداة أوروبا ودفعها إلى التماهي مع الموقفين، الأميركي والإسرائيلي، منها؟ لا توجد إجابات قاطعة عن هذه الأسئلة، لكن الأرجح أن إيران قرّرت دعم روسيا، بعد أن فقدت كل أمل بإمكان الاستفادة من موقفها الأولي في حرب أوكرانيا، عندما ظنّت أن حاجة الغرب إلى الطاقة ستدفعه إلى رفع العقوبات عنها. وحصل التغير في الموقف الإيراني على الأرجح بسبب زيارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، الرياض منتصف يوليو/ تموز الماضي، حيث استنتجت طهران أن واشنطن قرّرت اختيار تحالفاتها التقليدية بدلا من الانفتاح عليها. وجاء التعبير عن ذلك في أثناء زيارة الرئيس الروسي بوتين طهران، بعد يومين فقط من قمة الرياض الأميركية – العربية، لحضور قمّة مسار أستانة، وفيها قرّرت إيران تغيير موقفها من حرب أوكرانيا.
قامت الحسابات الإيرانية على الأرجح حول أن خسارة روسيا الحرب سوف يؤثر سلبا عليها، ويسمح بالاستفراد بها لاحقا، في ضوء فشل محاولة حل أزمتها مع الغرب، ومن المحتمل أيضًا أن إيران طلبت، في مقابل دعمها موسكو في أوكرانيا، الحصول على دعم روسي مماثل في سورية يلغي التفاهمات مع إسرائيل، ويؤمن حماية للوجود العسكري الإيراني فيها. وربما تأمل طهران أيضا في الحصول على تعاون روسي أكبر في تطوير صناعاتها الدفاعية، كما تشير إلى ذلك تقارير المخابرات الغربية. وربما لعب اعتقاد طهران أن الغرب، بتأييده الاحتجاجات، ربما يسعى إلى إطاحة نظامها، دورا أيضا في حسم القرار لصالح تحالفها مع موسكو. … مهما تكن أسبابها، الواضح أن طهران وضعت كل بيضها في السلة الروسية وهو أمرٌ لم يسبق أن فعلته، وقد ينطوي على مخاطرة كبرى، تتضح أبعادها خلال الشهور القليلة المقبلة.
المصدر: العربي الجديد