تعمل دول آسيا الوسطى على تعزيز قدراتها في مجال الطائرات من دون طيار. وبشكل عام، اعتمدت هذه الدول على طائرات من دون طيار مصممة في الخارج. لكن ذلك قد يكون على وشك أن يتغير الآن، لأن كازاخستان وأوزبكستان، ويقال قيرغيزستان أيضًا، في طريقها إلى تطوير طائراتها الخاصة من دون طيار المصممة والمصنعة وطنيًا. وتقود كازاخستان وأوزبكستان الطريق.
* *
زادت جمهوريات آسيا الوسطى في السنوات الأخيرة مخزوناتها من المركبات الجوية من دون طيار، التي تسمى أيضاً “المسيّرات”. وسواء كان ذلك ناجمًا عن تغييرات شاملة في الحرب، أو عن أحداث محددة مثل استيلاء طالبان على أفغانستان، أو الصراع بين قيرغيزستان وطاجيكستان، فإن المنطقة تسلح نفسها بشكل متزايد بالطائرات من دون طيار.
ومع ذلك، لا تتطلع جميع البلدان إلى تعزيز قدراتها الخاصة بالمسيّرات بالطريقة نفسها. ثمة عوامل، مثل استراتيجياتها الدفاعية المحددة، ووضع ميزانياتها، وطريقة اختيارها الشركاء الأجانب، هي التي تتحكم في نوع الطائرات من دون طيار التي تشتريها ومن أي مزودين.
سباق مسيّرات قرغيزي-طاجيكيي
في أيلول (سبتمبر) الماضي، شاركت طائرات عسكرية من دون طيار في هجمات للمرة الأولى في آسيا الوسطى. وحدث ذلك خلال الاشتباكات المسلحة التي جرت بين قيرغيزستان وطاجيكستان. وفي ذلك الحين، اتهمت السلطات الطاجيكية قيرغيزستان باستخدام طائراتها من دون طيار من طراز “بيرقدار تي. بي. 2” تركية الصنع لقصف الأراضي الطاجيكية، وظهرت لقطات على وسائل التواصل الاجتماعي من الهجوم المزعوم بطائرة قرغيزية من دون طيار. وأفيد بأن المسيَّرة القيرغيزية من طراز “بيرقدار” مسؤولة عن تدمير معدات عسكرية طاجيكية، بما في ذلك دبابتان، وقاذفة صواريخ متعددة، وشاحنة ذخيرة. وفي وقت سابق من الأسبوع نفسه الذي اندلعت فيه الأعمال العدائية بين البلدين، كان الرئيس القرغيزي، سادير جاباروف، قد افتتح قاعدة جديدة للمسيرات من طراز “بيرقدار” في البلاد.
وكانت قرغيزستان قد اشترت طائرات بيرقدار من دون طيار وسط ضجة كبيرة في أواخر العام 2021. وفي الوقت نفسه تقريبًا، أعلنت بيشكيك أيضًا عن حصولها على طائرات استطلاع روسية من دون طيار من طراز “أورلان 10-ي” Orlan-10E. وقبل ذلك، تلقت القوات المسلحة القرغيزية طائرات استطلاع صينية من دون طيار من طراز “دبليو جيه -100” WJ-100. وجاءت هذه التحركات في أعقاب اشتداد الصراع الحدودي مع طاجيكستان المجاورة في ربيع العام 2021، حيث كانت للجيش الطاجيكي اليد العليا.
في أعقاب الطائرات من دون طيار من طراز “بيرقدار تي. بي. 2” ستأتي قريبًا طائرة “بيرقدار أكينشي” Bayraktar Akıncı، من الشركة المصنعة نفسها، وكذلك مسيّرة “أكسونغور” Aksungur. والأولى مركبة جوية قتالية ذات قوة نيران ومدى أكبر من “تي. بي. 2″، في حين أن الأخيرة طائرة من دون طيار متعددة المهام، قادرة على تنفيذ مهمات المراقبة الطويلة، وكذلك توجيه الضربات. وتعطي هذه التشكيلة الثلاثية من الطائرات من دون طيار تركية الصنع قيرغيزستان ميزة على جارتها في الجنوب من حيث قدرات المسيّرات.
كانت جهود دوشانبي للحاق ببيشكيك أكثر تواضعًا. ومع ذلك، في وقت مبكر من هذا العام، دوت، قُرعت أجراس التحذير في قيرغيزستان عندما زار وزير الدفاع الطاجيكي مصنع “بيرقدار” في تركيا، وظهرت شائعات حول خطط طاجيكستان لشراء مسيرات “تي. بي. 2” هي الأخرى. وكان من شأن ذلك أن يحيد الميزة التي حصلت عليها قيرغيزستان مؤخرًا على طاجيكستان. حتى أن وزير الخارجية القرغيزي المستقبلي اعترف في البرلمان بأن الاتفاق كان حقيقة واقعة. ومع ذلك، لم ينته الأمر بطاجيكستان إلى شراء مسيّرة “بيرقدار”.
بدلاً من الحصول على مسيرات “تي. بي. 2” التركية، حولت طاجيكستان أنظارها إلى إيران. وفي الشهر التالي، في أيار (مايو) 2022، افتتحت إيران في طاجيكستان مصنعًا للطائرات من دون طيار من طراز “أبابيل-2″، وهي طائرات أقدم وأكثر محدودية بالمقارنة مع المسيّرات التركية التي تمتلكها قيرغيزستان. وإضافة إلى المسيّرات إيرانية الصنع، سواء نماذج المراقبة أو الانتحارية، سيضيف الطاجيك أيضًا إلى مخزونهم طائرات من طراز “بوما” الأميركية من دون طيار. وهي طائرات من دون طيار للمراقبة تطلق يدويًا قدمتها الولايات المتحدة كجزء من حزمة مساعدات أمنية أوسع بقيمة 60 مليون دولار مع أخذ وضع أفغانستان وطالبان في الاعتبار.
وقد أثار العامل الإيراني جدلاً أبعد من ذلك. في أواخر تشرين الأول (أكتوبر)، اتهم صحفي أوكراني أوزبكستان بتجميع طائرات إيرانية من دون طيار، والتي استخدمتها روسيا لمهاجمة المراكز السكانية في أوكرانيا. ونفت أوزبكستان هذه المزاعم، ثم اعترف الصحفي بأنه كان يقصد طاجيكستان. لكن السلطات الطاجيكية نفت أيضًا أي دور لها في إنتاج وتصدير الطائرات من دون طيار إلى روسيا.
قوة مفاجئة للطائرات من دون طيار
في الوقت نفسه، بدأت كازاخستان في بناء مخزونها من الطائرات من دون طيار في العام 2016 بشراء مسيرات “وينغ لوونغ-1” Wing Loong I صينية الصنع. ولكن، بدلاً من الاستمرار في تحسين قدرات المسيرات لديها بشراء الجيل التالي من الطائرات الصينية، “وينغ لوونغ 2″، تحولت السلطات الكازاخستانية إلى تركيا. وبدلاً من التركيز على “بيرقدار تي. بي. 2″، كما فعلت قيرغيزستان، اختارت أستانا طائرات “تي. إيه. آي. أنكا” TAI Anka. وتم توقيع الصفقة التي تسمح بإنتاج المسيّرات التركية في كازاخستان بموجب ترخيص، خلال زيارة الرئيس، قاسم جومارت توكاييف، إلى تركيا في أيار (مايو) 2022. ولأغراض المراقبة، تعتمد كازاخستان على مسيرات “أورلان- 10 ي” Orlan-10E الروسية، ونوعين من الطائرات الإسرائيلية من دون طيار، و-وفقا للسفارة الأميركية في كازاخستان- مسيرات “آر. كيو. 11 رافينز” RQ-11 Ravens الصغيرة التي يتم إطلاقها يدويًا.
وكانت الصين أيضًا مصدر أول طائرة من دون طيار في أوزبكستان، عندما أفادت التقارير بأنها سلمت طائرة واحدة على الأقل من طراز “وينغ لوونغ 2” للأوزبكيين كجزء من صفقة لدفع ثمن الغاز الأوزبكي. ومن المعروف أن أوزبكستان لم تقم بشراء أي طائرات أخرى من دون طيار، مما يعني، إذا كان هذا صحيحًا، أن طشقند متخلفة عن بعض جيرانها في آسيا الوسطى في هذا المضمار. وفي مجال طائرات المراقبة من دون طيار، تمتلك أوزبكستان طائرة “زالا 421- 16 ي” ZALA 421-16E روسية الصنع، و”كيو. آر-11 رافينز” الأميركية. وفي وقت سابق من هذا العام، أفيد بأن أوزبكستان ستشتري طائرات من دون طيار من نوع “بوما”، كما فعلت طاجيكستان، كجزء من برنامج المبيعات العسكرية الخارجية الأميركية. ومع ذلك، نفت وزارة الدفاع الأوزبكية في وقت لاحق هذا الادعاء.
ولا تمتلك تركمانستان قوة أوزبكستان العسكرية نفسها؛ حيث تحتل المرتبة 83 في مؤشر قوة النيران العالمية للعام 2022 خلف أوزبكستان (المرتبة 55)، وكازاخستان (المرتبة 64)، لكنها الدولة في آسيا الوسطى التي لديها أقوى قوة من الطائرات من دون طيار. ولدى عشق أباد مجموعة واسعة من أنواع المسيّرات، بما في ذلك مسيّرات المراقبة، والمسيّرات الانتحارية (المعروفة أيضًا باسم “الذخائر المتسكعة”). وقد احتلت العديد من هذه الطائرات مركز الصدارة في المناورات العسكرية التي جرت في تركمانستان الغربية في تشرين الثاني (نوفمبر). ومن أجل تكوين ترسانتها المتنوعة من الطائرات من دون طيار، قامت السلطات التركمانية بتنويع مورديها إلى حد كبير.
كانت تركمانستان أول دولة في آسيا الوسطى تحصل على مسيّرات “بيرقدار تي. بي. 2” التركية، التي كان وجودها في تشكيلات القوات المسلحة التركمانية واضحًا خلال العرض العسكري للعام 2021، الذي صادف الذكرى الثلاثين لاستقلال البلاد. وقبل ذلك، كانت تركمانستان قد لجأت بالفعل إلى الصين في العام 2016 للحصول على مسيراتها، وحصلت على كل من مسيّرات “سي. إتس-3أ” CH-3A، و”دبليو. جيه-600 أ/د” WJ-600 A/D.
إلى جانب المسيرات التركية والصينية، تنتج تركمانستان أيضا محليًا مسيرات “بوسيل أم. بي 2” Busel MB2 البيلاروسية، إضافة إلى طائرات من دون طيار للمراقبة، وربما انتحارية أيضًا من الشركة المصنِّعة نفسها. كما تبرز إسرائيل بشكل واضح في ترسانة الطائرات من دون طيار التركمانية، مع وجود نوعين من طائرات المراقبة من دون طيار والمسيرات الانتحارية من طراز “سكاي سترايكر” SkyStriker. كما زودت إيطاليا والولايات المتحدة وروسيا تركمانستان بطائرات استطلاع من دون طيار.
في حين أن مجموعة تركمانستان الواسعة من الطائرات من دون طيار قد تبدو مفاجئة، إلا أنها تتبع سياسة البلاد المتمثلة في شراء أسلحة أجنبية الصنع من مجموعة متنوعة من المزودين، مثل طائرات التدريب النفاثة أو العمودية إيطالية الصنع، أو السفن التركية، أو أنظمة الدفاع الجوي الصينية.
مسيرات من صنع آسيا الوسطى
بشكل عام، اعتمدت دول آسيا الوسطى على طائرات من دون طيار مصممة في الخارج. وقد يكون ذلك على وشك أن يتغير الآن، لأن كازاخستان وأوزبكستان، ويقال قيرغيزستان أيضًا، في طريقها إلى تطوير طائراتها الخاصة من دون طيار المصممة والمصنّعة وطنيًا.
وكازاخستان وأوزبكستان تقودان الطريق. في حالة كازاخستان، أكملت مسيَّرة المراقبة “النورس” Shagala أول طيران تجريبي لها في أوائل العام 2021. وبعد أشهر دخلت مراحل اختبارها النهائية. وفي الوقت نفسه، أطلقت أوزبكستان في شباط (فبراير) 2022 إنتاج سلسلة من الطائرات من دون طيار باسم “العقاب” Lochin، والتي يبدو أنها مخصصة لمهام الاستطلاع، على الرغم من أن السلطات الأوزبكية تذكر أن لديها أيضا قدرات ضاربة.
وستكون قرغيزستان ثالث دولة في آسيا الوسطى تطور مسيّراتها الخاصة. وظهرت تقارير تتحدث عن طائرة من دون طيار من طراز “سارا-02” SAARA-02 قرغيزية الصنع على الإنترنت، وإن لم تكن من مصادر رسمية. وعندما سئل وزير الدفاع القرغيزي عن ذلك، لم ينف أو يؤكد هذه التقارير.
استخدام الطائرات
من دون طيار في المنطقة
بعد بداية بطيئة، تنظر دول آسيا الوسطى إلى الطائرات من دون طيار كمكمل لقواتها المسلحة، إن لم يكن جزءًا رئيسياً. وقد أصبحت القضية التي تدعم امتلاك الطائرات من دون طيار في المنطقة قوية، سواء كموارد متخصصة أو كبدائل منخفضة التكلفة لتعزيز قدرات الهجوم جو-أرض.
ويعد استخدام طائرات المراقبة من دون طيار أداة مفيدة للبلدان الثلاثة المتاخمة لأفغانستان: طاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان. وليس من قبيل المصادفة أن تكون الولايات المتحدة قد زودت كلا من الجيشين؛ الطاجيكي والأوزبكي، بمثل هذه المركبات التي يفترض أنها ستستخدم لمراقبة جارتهما في الجنوب.
وفي الوقت نفسه، أظهر الاستخدام الناجح لطائرات قرغيزية من دون طيار في الاشتباك الأخير بين قيرغيزستان وطاجيكستان الدور الذي يمكن أن تلعبه هذه القدرات كقوة هجومية. ويمكن أن تكون الطائرات من دون طيار بديلاً رخيصًا بالنسبة للبلدان ذات الميزانيات الدفاعية المحدودة والقوات الجوية المتواضعة. وهذا هو واقع الحال بالنسبة لكل من قيرغيزستان وطاجيكستان، مع تخصيصهما نفقات دفاعية تبلغ حوالي 123 مليون دولار و80 مليون دولار، على التوالي، وقدرات هجومية تعتمد في الغالب على الطائرات العمودية المتبقية من الحقبة السوفياتية.
تدرك كل دولة في آسيا الوسطى الأهمية المتزايدة للطائرات من دون طيار في الحرب، وتتكيف مع هذا الواقع الجديد. وتعمل قيرغيزستان بسرعة على توسيع قدراتها في مجال الطائرات من دون طيار باستخدام مسيّرات تركية بعد الاشتباكات الحدودية مع طاجيكستان المجاورة. وبعد اهتمامها الأولي بالطائرات التركية من دون طيار، تتطلع دوشانبي إلى إيران، على الرغم من أن الشراكة مع طهران تسببت بالفعل في إثارة جدل على الساحة الدولية. وفي الوقت نفسه، تعمل كازاخستان وأوزبكستان على تحسين قدراتهما بشكل مطرد، والتي تشمل تطوير مسيّرات مصممة ومنتجة محليًا. وفي الوقت نفسه، أصبحت تركمانستان قوة إقليمية غير متوقعة للطائرات من دون طيار، حيث تستورد أنواعا مختلفة من هذه الطائرات من مجموعة واسعة من الموردين.
سوف تشهد ترسانة الجمهوريات الخمس في آسيا الوسطى زيادة في مخزوناتها من الطائرات من دون طيار في المستقبل القريب. أما ما إذا كان سيتم استخدامها أم لا، وكيف، فأسئلة منفصلة ستجيب عنها الأيام.
*فرانسيسكو أولموس Francisco Olmos: هو باحث مقيم في لندن متخصص في شؤون آسيا الوسطى. وهو الباحث الرئيسي في مركز الفكر “جيوبول 21” الذي يغطي الفضاء ما بعد السوفياتي، وزميل باحث في “مركز السياسة الخارجية”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Dawn of the Drone Age in Central Asia
المصدر: الغد الأردنية/(دبلومات)