عندما يستغلّ مرشد إيران الأعلى علي خامنئي ذكرى ولادة الإمام الحسن بن علي، ويتعمّد اقتطاف جزء من خطاب قديم ينشره في تغريدة على موقع تويتر في التاسع من الشهر الحالي يقول فيها “أعتقد أن الإمام الحسن هو أشجع شخصية في تاريخ الإسلام، حيث قام بالتضحية بنفسه وباسمه بين أصحابه المقربين منه، في سبيل المصلحة الحقيقية، فخضع للصلح، حتى يتمكّن من صون الإسلام وحماية القرآن وتوجيه الأجيال القادمة”.
إنّ هذه التغريدة تكشف عن انكسار إيراني جديد يزيد تصدّعات جدرانها السياسية الآيلة إلى السقوط، والتراجع الملحوظ في هيمنة وهيبة “الولي الفقيه” في الداخل والخارج. وإذا تعمّد خامنئي استغلال مناسبة تخصّ آل بيت النبوة، فذلك متوقّع جراء تستّر النظام الإيراني بالإسلام وتوظيف الدين لأهداف سياسية، ولقد أثبتت العقود الأربعة الماضية حقيقة زيفهم ودجلهم المضاد للعرب خصوصاً، وللإسلام عموماً وللإنسانية إجمالاً.
كما لا أودّ التطرق إلى المفردات التي دسّها خامنئي عنوةً في أسباب خضوع الحسن إلى الصلح مع معاوية، فالأمر برمّته لا يعدو عن كونه صراعاً سياسياً يتعلق بقيادة دولة المسلمين، لا نزاع ديني فيه حول “صون الإسلام وحماية القرآن”، فهذا تستّر صار مكشوفاً وبالياً يتحجّج فيه ويتعكّز عليه النظام السياسي، الذي بسبب إرهابه ودعمه الإرهابيين والمتطرفين، غدت إيران معزولة ومنبوذة إقليمياً ودولياً.
استجداء الصلح
إنّ هدف خامنئي من التغريدة هو استجداء الصلح من الولايات المتحدة بعد العقوبات الأميركية الصارمة، التي خنقت شرايين النظام الإيراني وأوصلت اقتصاده إلى حافة الهاوية، وخطورة تبعات ذلك على الشعوب والقوميات داخل جغرافية البلاد، جراء مشكلات النظام نفسه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً. كما أن استعادة خطاب خامنئي الذي يعود إلى عام 2013، وكرّره عام 2015 عندما توصّل إلى الاتفاق النووي، الذي وصفه بـ”المرونة البطولية”، يعني عدم وجود أي جديد في جعبة الولي الفقيه، واعترافاً ضمنياً بانتهاج سياسة خاطئة وفاشلة. أليس خامنئي ذاته مَن قرّر أن “إيران لن تفاوض واشنطن قبل انتهاء ولاية ترمب”؟ ويؤكد ذلك انكساراً آخر يلحق بالنظام الديني الحاكم.
أما محاولة وكالة “تسنيم للأنباء” التابعة إلى “الحرس الثوري الإيراني” بتبرير التغريدة بأنها “لا تدلّ على رغبته في عقد اتفاق سلام مع الولايات المتحدة”، وأن خامنئي لا يغرّد بنفسه بل عبر أحد مساعديه الإعلاميين، وتتّهم بالخيانة كل مَن يسيء تفسير كلماته، وتهاجم بعض وسائل الإعلام والمحللين السياسيين الذين فسّروا الخطاب “بطريقة خاطئة”، كل ذلك لا يغطّي حقيقة استجداء خامنئي الصلح من الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
تراجع الهيمنة
ولعلّ تباشير تراجع هيمنة إيران داخل العراق، أصبحت واضحة في تثبيت مصطفى الكاظمي رئيساً للحكومة، بعد سلسلة إسقاطات حاولت طهران من خلالها فرض موالين لها في هذا المنصب الحساس الذي يتحكّم في هيكل الدولة. وفي هذا الخصوص، ربما الرسالة غير الرسمية التي وجّهها السفير الأميركي لدى بغداد ماثيو تولر إلى نوري المالكي، كانت حاسمة في ترجيح كفّة الميزان لصالح الجانب الأميركي على الطرف الإيراني.
وأهم نقطتين نستطيع أن نستشفّهما من تلك الرسالة وردّ الفعل عليها، أن لغة التهديد كانت مبطّنة ومقصودة، إذ جاء فيها “نشعر بقلق بالغ من العواقب على العراق كدولة وعلى الشعب العراقي، إذ ستكون مدمّرة في حال لم تتمّ الموافقة على حكومة السيد مصطفى الكاظمي”.
وكان جواب المالكي “عنترياً” فارغاً، إذ قال “وصلتني رسالة تدّعي أنها محسوبة على السفير الأميركي، فإن كانت مزوّرة فأعتبرها مهملة، وإن كانت صحيحة، فالعراق له رجال يقدّرون مصلحته ومصلحة شعبه، ولا نقبل بالتدخّل في شؤوننا الداخلية، وليس هذا من مهمات السفير الدبلوماسية”.
انكسار صحي
ومن الحقل السياسي إلى الواقع الصحي، وعلى المستويين الداخلي والخارجي، إذ جاءت النتائج الإجمالية لتؤكد أن انكساراً آخر لحق بالنظام الإيراني، الذي انتهج سياسة التراخي في مكافحة جائحة كورونا، وذلك بسبب تفضيل مصالحه الخاصة على العامة، وتعمّده المقصود بتفشّي الفيروس في البلدان العربية، إذ أبقى رحلاته الجوية عبر “طيران ماهان” حتى نهاية شهر مارس (آذار) الماضي، مع الإمارات والعراق ولبنان وغيرها. وكانت “ماهان” تواصل رحلاتها من وإلى مدينة ووهان الصينية حتى أواخر يناير (كانون الثاني)، وكذلك بعدم ختم جوازات الزائرين إلى العتبات المقدسة، لا سيما السعوديين والبحرينيين، الذين نقلوا الفيروس إلى بلادهم ومن دون قصد، فضلاً عن تدفّق الزوار الإيرانيين إلى العتبات المقدسة في العراق، من دون فحص طبي ولا تدقيق صحي.
بلا ريب، أن النظام الإيراني عبر هذه الأفعال المشينة غير الإنسانية واللاأخلاقية، إنّما يؤكد أنه يستخدم الإرهاب الصحي في المنطقة، كما كان ولا يزال يستخدم الإرهاب السياسي والمسلح. بمعنى أن العقلية الحاكمة في إيران هي مريضة الفكر والعقيدة، إذ تبيح لنفسها إبادة الآخرين.
تراجعات عسكرية
ومن هذه الجوانب إلى الجهة العسكرية، فعندما تُخلي إيران بعض المواقع المهمة التابعة لـ”الحرس الثوري” في سوريا، وهو التراجع الأول لها منذ وجودها هناك عام 2011، جراء الضربات الإسرائيلية الفتّاكة، لحسابات تخصّ الكيان الصهيوني، فذلك يؤكد أيضاً انكساراً يُضاف إلى انكسارات طهران المتصاعدة.
صفوة القول إنّ سياسة النظام الإيراني تعاني من انكفاء آخذ بالتزايد تدريجاً، وبدا ذلك جلياً عندما رفضت طهران المساعدة الأميركية لمكافحة كورونا، بذريعة أن واشنطن تقف وراء هذه الجائحة، لكنها طلبت قرضاً من “صندوق النقد الدولي” الذي يخضع لنفوذ الولايات المتحدة، والمحاولة الفاشلة باستخدام تفشّي كورونا لرفع العقوبات الأميركية أو حتى تخفيفها، وتراجع ما يسمّونه “أصدقاء إيران”، الكتلة الموالية لطهران في العراق، والضربات الأميركية الموجعة للفصائل الموالية للإيرانيين وعلى رأسها “حزب الله العراقي” وإدراج “حزب الله” اللبناني كمنظمة إرهابية في ألمانيا، وعدم تجرّؤ إيران على الردّ على القصف الجوي والصاروخي الإسرائيلي المدمّر لمقراتها ومستودعاتها في سوريا، وردّها الهزيل والمسرحي على القوات الأميركية في العراق إثر اغتيال الإرهابي قاسم سليماني، وتآكل مشروعها الطائفي في البلدان العربية، فالثورة الشعبية المتواصلة منذ أشهر في المناطق ذات الغالبية الشيعية في العراق ضد إيران وأذرعها، واستمرار الموقف الشعبي العام في لبنان الرافض لها والمرتبطين بها، وانحسار الحوثيين في اليمن على الرغم من الدعم الإيراني لهم، وإصرار السعودية على مجابهة سياسة إيران العدوانية في المنطقة، هذه وغيرها تعني انكسارات سياسية وعسكرية ونفسية داخل النظام، كما أن تصاعد وتيرتها سيؤدي حتماً إلى تدهور النظام وزواله.
المصدر: اندبندنت عربية