أبلغت السعودية إيران، عبر “قنوات خاصة” بتوقف الجلسات المباشرة للحوار بينهما، وهي الجلسات التي كانت تتم برعاية العراق، إبان تولي “مصطفى الكاظمي” رئاسة الوزراء في بغداد.
ونقل موقع “أمواج ميديا”، الذي يتخذ من بريطانيا مقرا له، عن مصادر قولها، إن قرار الرياض بوقف جلسات المفاوضات المباشرة مع طهران، جاءت بعد تعيين “محمد شياع السوداني” رئيسا جديدا للوزراء في بغداد خلفا لـ”الكاظمي”، وهو الأمر الذي لم تقرأه السعودية بعين الارتياح، نظرا لانتماء “السوداني” إلى تيار الصقور الموالي تماما لإيران داخل العراق، علاوة على اعتبارات إقليمية ودولية.
وكان الرئيس العراقي الجديد “عبداللطيف رشيد” قد أكد في بداية توليه منصبه، استمرار جهود العراق لاستضافة المباحثات السعودية الإيرانية، غير أن التقرير أكد أن هذه التصربحات كانت “للاستهلاك الإعلامي” فقط، ولا تعكس الواقع.
شخصية “الكاظمي” وجهوده
وبحسب مصادر، كان رئيس الوزراء العراقي السابق “مصطفى الكاظمي” وعدد محدود من أعضاء فريقه كانوا يقودون جهود الوساطة بين السعودية وإيران، ولم تكن مؤسسات الدولة العراقية مشاركة في هذا الزخم، وبالتالي شكل رحيل “الكاظمي” ضربة لهذه الجهود، قياسا إلى علاقاته القوية التي نسجها مع المسؤولين السعوديين والإيرانيين وتحركاته الفعالة في هذا الإطار بشكل دقيق ويوليه عناية استثنائية.
ويقول التقرير إن شخصية “الكاظمي” شكلت عاملاً مطمئنًا لإيران والسعودية، خاصة وأن الجانبين يعرفانه قبل أن يصبح رئيسًا للوزراء في مايو/أيار 2020.
وفي الأشهر التي سبقت الدورة الأولى في ربيع 2021، عمل “الكاظمي”، بحسب التقرير، على تهيئة المناخ المناسب للحوار بعيدًا عن البروتوكولات، وكان يغوص في الأسباب الجذرية للنزاع ويعمل على إزالتها وحلها ويمهد الطريق لفصل جديد في تاريخ العلاقات الإيرانية السعودية.
ويضيف أنه عندما واجهت المحادثات ضغوطًا وتوترات كادت أن تنهي جولة أو تهدد المسعى بأكمله، كان “الكاظمي” قادرًا على احتواء غضب ضيوفه وإعادة توجيه المناقشات إلى القواسم المشتركة والحلول الممكنة.
وعندما تلاشى الحماس للحوار، عمل “الكاظمي” على استعادته من خلال مناورات، مثل زيارة جدة ثم طهران أواخر شهر يوليو/تموز الماضي، ما أدى إلى اقتناع مشترك في إيران والسعودية بضرورة عقد الجولة السادسة من المحادثات على مستوى وزراء الخارجية، على أن يرافق تلك الجولة الإعلان عن خارطة طريق لتطبيع العلاقات الثنائية برعاية عراقية.
ولم يتوقف “الكاظمي” عند هذا الحد، إنما أرسل وزير خارجيته “فؤاد حسين” ومسؤولين آخرين إلى طهران للغرض نفسه في 29 أغسطس/آب الماضي، وقد رحبت القيادات الإيرانية والسعودية بهذه التحركات.
حوار عربي-إيراني
وبالتوازي مع ذلك، قاد “الكاظمي” أيضا عملية حوار عربي-إيراني، وتضمن مشاركة مصر والأردن فيه، ما زاد من زخم فرضية التقارب السعودي الإيراني.
وفقا للتقرير، لعب العراق في عهد “الكاظمي” دورا فاعلا في الوساطة بين كل من الإمارات ومصر، من ناحية، وقطر إبان الأزمة الخليجية، وكذلك تقريب وجهات النظر بين الإمارات وتركيا، لدرجة أن الرئيس الإماراتي “محمد بن زايد” والتركي “رجب طيب أردوغان” أجريا مكالمات هاتفية مع “الكاظمي” لشكره بشكل خاص على هذا الدور.
اعتبارات إقليمية ودولية
وقال الموقع إن اعتبارات إقليمية كانت أيضا تفرض على إيران والسعودية البحث عن تقارب، وهي معطيات تغيرت بشكل كبير الآن، وهي:
أولا: حال الاستنزاف والإنهاك من الحربين السورية واليمنية وانعكاساتهما المباشرة على طهران والرياض.
ثانيا: الفراغ الناتج عن اغتيال الولايات المتحدة القائد السابق لـ”فيلق القدس” بالحرس الثوري الإيراني “قاسم سليماني”، في يناير/كانون الثاني 2020، والذي كان من الصقور المتشددين حيال السعودية.
ثالثا: السياق الدولي الذي دفع الولايات المتحدة إلى الابتعاد عن الشرق الأوسط قليلا، والتقارب بين واشنطن وطهران حول إعادة إحياء الاتفاق النووي، كلها كانت عوامل دافعة للسعودية وإيران نحو محاولة صنع تقارب بينهما وتعزيز علاقاتهما الإقليمية.
ما سبق يعني بوضوح، أن رئيس الوزراء العراقي الحالي “السوداني” لا يملك أدوات “الكاظمي” السابقة في إدارة الوساطة، وهناك أيضا متغيرات إقليمية ودولية جعلت من استمرار الحوار السعودي الإيراني أمرا مستبعدا.
على رأس تلك المتغيرات، الاحتجاجات الداخلية التي تعصف بإيران، وهي الاحتجاجات التي أحدثت توترا بين طهران والرياض، بعد أن اتهمت الأولى الثانية بمحاولة إذكائها، ثم أخبرت الرياض واشنطن بأنها تخشى هجوما إيرانيا عليها.
وبالإضافة إلى ذلك، تراجع الحماس في واشنطن وطهران بشأن استنئاف جهود إحياء الاتفاق النووي، وهناك توتر كبير ناتج عن الاتهامات لإيران بتزويد روسيا بطائرات مسيرة في حربها على أوكرانيا.
ويهدد كل ما سبق الثمار التي أفرزتها جولات الحوار السعودي الإيراني بوساطة عراقية، مثل التقارب الذي حدث في وجهات نظرهما حيال القضية الفلسطينية، وتسهيل أمور الحجاج الإيرانيين في السعودية خلال موسم الحج، وتهيئة المناخ الدبلوماس لإعادة تبادل افتتاح السفارات والقنصليات، وهو مسار كان سيتم تفعيله خلال جولة الحوار السادسة المفترضة، والتي يبدو أنها لن تتم الآن.
المصدر | ترجمة: الخليج الجديد