ترجم السوريون في ريف حلب الشمالي رفضهم لأي وجود لـ”هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً)، سواء كان عسكرياً أو أمنياً أو خدمياً، بالاحتجاج في مدن وبلدات هذا الريف، الذي تبدلت فيه خريطة السيطرة خلال أيام بسبب اقتتال داخلي بين فصائل المعارضة، التي لجأ بعضها إلى “تحرير الشام” لتعديل الكفة لصالحه.
وعمّ إضراب شبه كامل أمس الإثنين مدينة إعزاز، كبرى مدن ريف حلب الشمالي، احتجاجاً على أي وجود لـ”هيئة تحرير الشام” في المدينة، التي تعد العنوان البارز للحراك السلمي في الشمال السوري، فضلاً عن كونها تضم مؤسسات قوى الثورة والمعارضة السورية.
ودعا “الحراك الثوري” في المدينة إلى استمرار التظاهرات لـ”التعبير عن رفض الاتفاق الذي ينص على دخول هيئة الجولاني (زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني) إلى مناطقنا، وللتأكيد على رفض صبغ المنطقة بالسواد”، وفق بيان صدر الاثنين.
وكانت “تحرير الشام” قد استولت على منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي قبل أيام، بدعوة من فصيلي “الحمزة” و “سليمان شاه”، بسبب الاقتتال مع “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني” على خلفية مقتل ناشط إعلامي دلت التحقيقات أن قياديين في فصيل “الحمزة” كانوا وراء اغتياله بسبب انتقاده المستمر لتجاوزات هذا الفصيل بحق المدنيين.
وتوصلت الهيئة و”الفيلق” إلى اتفاق لاقى رفضاً شعبياً، نصّ على إدارة عسكرية موحدة بإشراف “هيئة تحرير الشام” لمناطق سيطرة فصائل المعارضة، وحصول الهيئة على عائدات مالية من جميع المعابر الموجودة في ريف حلب الشمالي.
منع مرور رتل من “تحرير الشام”
وكان من المقرر عبور رتل من “تحرير الشام” من عفرين باتجاه مدينة إعزاز وفق ما نصّ عليه الاتفاق، إلا أن الأهالي قطعوا الطريق بالإطارات المشتعلة، لمنع مرور أي قوات تابعة للهيئة إلى عمق ريف حلب الشمالي.
وحالت الاحتجاجات التي عمّت مدن وبلدات في ريف حلب الشمالي الأحد والإثنين، والرافضة لأي تغيير في الواقع الميداني لصالح “تحرير الشام”، دون ذلك.
ويبدو أن الاتفاق الذي عُقد بين الهيئة و”الفيلق الثالث”، ويتيح للهيئة المشاركة في إدارة الشمال السوري، في طريقه للانهيار بسبب الرفض الشعبي، إذ تجددت الاشتباكات أمس الإثنين في محور كفرجنة وجبل ترندة بين عفرين وإعزاز بين مجموعات من “الفيلق الثالث” و”هيئة تحرير الشام”.
رفض الهيئة إخلاء المقرات في عفرين
وقالت مصادر من “الجيش الوطني”، لـ”العربي الجديد”، إن الاشتباكات جاءت بعد ورود أنباء عن إلغاء “هيئة تحرير الشام” للاتفاق الأخير، ورفضها إخلاء المقرات التي سيطرت عليها في عفرين، في تجاوز واضح للاتفاق المبرم والذي وقّع عليه قائد الهيئة أبو محمد الجولاني.
من جهته، قال حسين أبو الوليد الذي يشارك في الاحتجاجات المستمرة في مدينة إعزاز (50 كيلومترا شمال مدينة حلب): “إذا كانت الفصائل غير قادرة على الوقوف بوجه هيئة تحرير الشام، فنحن قادرون على إفشال كل خططها في الشمال”.
وأضاف، في حديث مع “العربي الجديد”: “هذا حراك مدني سلمي لا علاقة لأي جهة عسكرية أو سياسية به، غايته إيقاف تمدد هيئة تحرير الشام”.
وتابع: “وجودها (الهيئة) ينهي أي حراك ثوري في شمال سورية، ويفتح الباب أمام كل الاحتمالات بما فيها القصف من الطيران الروسي على ريف حلب المكتظ بالنازحين من كل مناطق سورية”.
رفع راية الثورة
وأشار أبو الوليد إلى أن “كل المدن والبلدات في ريف حلب الشمالي رفعت اليوم (أمس الإثنين) راية الثورة السورية، في إشارة واضحة إلى التمسك بمبادئ الثورة، والتي ترفض كل فكر متشدد ومتطرف عابر للحدود”.
وأضاف: “يجب أن يعرف الجولاني ومن معه أنهم غير مرحب بهم في مناطقنا. هذه المناطق لن تقبل مرة أخرى الاستبداد تحت أي مسمّى أو ذريعة”.
وفي السياق، رأى الناشط السياسي في الشمال السوري محمد الشامي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “الواقع المرير في الشمال أنتجته التجربة الفصائلية”، واصفاً معظم قادة الفصائل بـ”تجار المعابر”، وفق قوله.
ويزدحم الشمال السوري بعشرات الفصائل المتنافسة على النفوذ في هذا الشمال المثقل بالأزمات الاقتصادية والمعيشية، وفوضى السلاح، وهو ما تحاول “هيئة تحرير الشام” استغلاله لتحييد كل الفصائل المخالفة لمشروعها، وفرض السيطرة من خلال فصائل ومجموعات “سيئة السمعة” تدور في فلكها.
رفض شعبي للاتفاق
ووفق مصادر مطلعة في الشمال السوري، فإن الاتفاق المبرم بين الهيئة، و”الفيلق الثالث”، الذي تعد “الجبهة الشامية” نواته الصلبة، “ربما لن يصمد طويلاً بسبب الرفض الشعبي له والذي عُبّر عنه في التظاهرات الحاشدة والاحتجاجات المستمرة”.
وأضافت: “الشمال السوري مقبل على تطورات ميدانية خطيرة للغاية في حال لم تُجبر الهيئة على التراجع عن خططها الهادفة إلى وضع يدها على كل المناطق الواقعة تحت سيطرة الفصائل في غرب نهر الفرات”.
وأشارت إلى أن “فصائل الجيش الوطني لن تقبل أن تتقلص مساحة سيطرتها إلى الشريط الحدودي الموجود في شرقي الفرات”، في إشارة إلى منطقتي رأس العين وتل أبيض شمال شرقي سورية.
من جهته، توقع المحلل السياسي المواكب للمشهد الفصائلي في الشمال السوري وائل علوان، في تغريدة له على “تويتر”، انهيار اتفاق الهيئة والفيلق “بعد فترة”، مشيراً إلى أن “هيئة تحرير الشام تستعرض انتصارها في مناطق الجيش الوطني”، مضيفاً: ستتعمد تنفيذ الاتفاق بشكل مستفز لـ”الفيلق الثالث” بحيث يزيد الخلافات داخله.
إلى ذلك، رأى النقيب المنشق عن قوات النظام، الباحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام”، رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “القوى المتنفذة في الشمال السوري ستعمل على تحويل الحراك الثوري السلمي الحالي وامتصاصه في البداية ومن ثم القفز عليه”، مضيفاً: “القفز سيكون من خلال تحقيق جزء مما يطالب به المتظاهرون في مدن وبلدات ريف حلب الشمالي”.
كما توقع أن “تناور هيئة تحرير الشام وفق تطورات الموقف لكنها لن تعود إلى ما كانت عليه قبل دخولها مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري”، مضيفاً: هذا المكسب لن تتنازل عنه بشكل نهائي، إنما ربما تتنازل بطريقة جزئية تمكّنها مستقبلاً من البناء عليه وتحقيق مكاسب جديدة.
المصدر: العربي الجديد