شهد الاجتماع الأخير للهيئة السياسية للإئتلاف السوري المعارض، سجالاً حاداً بين بعض الأعضاء بسبب الموقف من الاقتتال الأخير بين فصائل المعارضة المسلحة في الشمال.
الاجتماع الذي عقد يوم الخميس تخلله تراشق حاد بين ممثلي عدد من الفصائل العسكرية في الائتلاف، ليتطور مع حصول كل منهم على دعم أعضاء من كتل أخرى، الأمر الذي يطرح سؤالاً كبيراً حول تأثير ما حصل في الشمال أخيراً على قوى المعارضة السياسية، ويهدد بانقسامات في الجسم السياسي للمعارضة.
موقف ضعيف ومريب!
ويوم الأربعاء الماضي أصدر الائتلاف بياناً حدد فيه موقفه من الاقتتال الذي اندلع قبل ذلك بيومين، بين “الفيلق الثالث” (الجبهة الشامية) من جهة، و”هيئة تحرير الشام” و”فرقة الحمزة” و”فرقة السلطان سليمان شاه” من جهة أخرى.
البيان الذي استنكر اللجوء للسلاح من أجل حلّ الخلافات بين الفصائل، طالب “أن يكون القضاء هو السبيل لمعالجة أي خلافات أو مشكلات”، كما حثّ على “تحكيم أهل الرأي والحكمة في القضايا الكبرى وعدم اللجوء للاقتتال”.
وأثار البيان حفيظة الكثيرين ممن رأوا فيه “صمتاً مريباً” من جانب الائتلاف تجاه الهجوم الذي قادته “هيئة تحرير الشام” على فصيل في الجيش الوطني التابع للائتلاف رسمياً، بالتحالف مع فصائل أخرى تابعة للجيش أو ممثلة في الائتلاف.
وبينما لا تخفي فرقتا “الحمزة” و”السلطان سليمان شاه” تعاونهما مع “تحرير الشام” في المعركة التي حسمت يوم الجمعة لصالح هذا التحالف الثلاثي، يُتهم “فيلق الشام” بالتآمر معهم من خلال تسهيل الهجوم على “الفيلق الثالث” عبر مناطق سيطرته.
ودفع هذا الامر ممثل “الفيلق الثالث” في الائتلاف، بهجت الأتاسي، لانتقاد بيان الائتلاف والتهجم على زميله ممثل “فيلق الشام” منذر سراس، الأمر الذي أدى الى سجال حاد وتوتر خلال الاجتماع، خاصة وأن الانقسام في الموقف يشمل الهيئة العامة التي ستنعقد يوم الاثنين، مع وجود داعمين كثر فيها لـ”الفيلق الثالث” في هذه القضية، وفي مقدمهم ممثلو “المجلس الاسلامي السوري” بالإضافة إلى “المجلس الوطني الكردي” الذي رفض وبشكل قاطع سيطرة “تحرير الشام” على عفرين، المدينة ذات الغالبية الكردية.
تأثير محدود
لكن ذلك لا يعني توفر أغلبية لصالح هذا الموقف، بالنظر إلى العلاقة السلبية بين “الفيلق الثالث” والحكومة السورية المؤقتة التابعة للإئتلاف من جهة، والتزام بقية الكتل بتوجيهات تركيا بهذا الخصوص، وعلى رأسها الكتلة التركمانية.
ويقلل هذا الواقع من احتمال تفاقم الخلاف داخل المؤسسة، حسب تقدير مدير “مركز إدراك للدراسات” باسل حفار، الذي يرى أن طبيعة القوى السياسية المعارضة لا تحتمل القول إنها مؤثرة في صراعات القوى العسكرية أو متأثرة بها بشكل جدي.
ويقول في تصريح لـ”المدن”: “هذه القوى السياسية تنقسم الى قسمين، الاول وهو الأكبر، موجود في الخارج وأغلبه ممثل في الائتلاف، وهذا لا يمكن أن تتأثر كتله بشكل جدي بما يحدث على الأرض، لأنها غير مرتبطة عضوياً بالقوى العسكرية هناك، ونادراً ما ينعكس الذي يجري في الميدان عليها أو على علاقاتها ببعضها البعض، وأكثر ما يمكن أن تخلفها المشاكل بين الفصائل هي حساسيات وتعقيدات في العلاقة بينها لا أكثر”.
ويضيف: “أما القسم الثاني فهي الفصائل العاملة في مناطق سيطرة المعارضة، وتمثلها كيانات سياسية وليدة أو تجمعات نقابية ومهنية، مثل اتحادات الاعلاميين ونقابة المحاميين الأحرار وغيرها، ويمكن القول إن ما يجري من احتراب أو اقتتال يؤثر على سير عملها وعلى مستقبل وجودها أكثر مما يؤثر على علاقاتها البينية، لأن المشهد السياسي في الداخل ما زال ناشئاً ولم يكتمل”.
صراع على النفوذ والسيطرة
لكن هذا التقدير يختلف معه كثيرون ممن يعتقدون أن ما يضبط الخلافات بين قوى المعارضة الممثلة في الائتلاف هو الكونترول التركي، أما في حال غيابه فسيظهر بشكل صارخ عمق هذه الخلافات وتأثيرها.
ويرى هؤلاء أنه بالرغم من ممارسة هذا الانضباط، إلا أن تباين الموقف ظهر للعلن، حيث انتقد نائب رئيس الائتلاف عبد الحكيم بشار، العضو في “المجلس الوطني الكردي” بقوة، التراخي تجاه هجوم “هيئة تحرير الشام” على عفرين، عكس الموقف العام للائتلاف الذي تجنب ذلك، كما تجاهل الأمر بشكل رسمي.
وبينما يسود اعتقاد بأن هذا الموقف يعبر عن سيطرة القوى السياسية التركمانية على مؤسسة الائتلاف، مستفيدة من الدعم التركي، ينفي وائل علوان، الباحث في مركز “جسور” للدراسات ذلك، مستبعداً وجود ما يمكن ان يطلق عليه “التركمانية السياسية” بالفعل.
ويقول في حديث مع “المدن”: “صحيح أن لدينا كتلاً على أساس اثني، مثل المجلس التركماني والمجلس الكردي وغيرهما، لكن التمثيل ليس صلباً من هذه الناحية، فحتى ممثلي التركمان منقسمون جداً حيال الكثير من الملفات، بما في ذلك الموقف من الفصائل العسكرية التركمانية أو تلك التي يقودها تركمان”.
ويضيف: “أخيراً، بات السياسيون التركمانيون منقسمين بين من يدعم “فرقة السلطان مراد” التي يقودها فهيم عيسى، وبين من يقف بصف “فرقة الحمزة” التي يقودها سيف بولاد، وكلاهما من المكون التركماني، وهذا الخلاف يتحكم به توجه كل فرقة وتحالفاتها والمشاريع السياسية التي تتبناها أو تدعمها”. ويتابع: “لذلك أؤكد أن ما لدينا هو صراع مشاريع سياسية في الواقع وليس صراع قوى عسكرية أو سياسية، وهو صراع على النفوذ والسيطرة وليس على اساس فكري او قومي أو إيديولوجي”.
وأحدث إقتحام “هيئة تحرير الشام” لعفرين، انقساماً حاداً داخل قوى المعارضة السياسية لا يمكن إنكاره، لكن الخلاف يبقى هو تقدير تأثيراته وتبعاته على هذه القوى، سواء تلك الممثلة في مؤسسات المعارضة الرسمية أو خارجها.
المصدر: المدن