أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان اليوم تقريراً بعنوان “انتخابات الإدارة المحلية التي أجراها النظام السوري عديمة الشرعية ولا تمثل إرادة وحقوق الشعب السوري”، أكدت فيه عدم شرعية وقانونية انتخابات مجالس الإدارة المحلية التي أجراها النظام السوري في المناطق الخاضعة لسيطرته يوم الأحد 18/ أيلول/ 2022.
اعتمد التقرير على منهجية جمعت بين تحليل دستور النظام السوري لعام 2012، وفق مقتضيات القانون الدستوري والمعاهدات والمواثيق الدولية والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، وذلك من أجل تلمسِ مدى دستورية القوانين السورية، وكذلك مدى مطابقة الدستور والقوانين السورية بالمبادئ الأساسية لأية عملية انتخابية حرة وديمقراطية، كما قام بدراسة القوانين الناظمة للمحكمة الدستورية العليا باعتبارها جهاز رقابة قضائي يمارسُ الرقابة القبلية والبعدية على القوانين، وهو ما مهد لدراسة القوانين الانتخابية في سوريا مثل قانون الانتخابات العامة رقم /5/ لعام 2014، باعتباره القانون المؤطر لكل العمليات الانتخابية.
يقول فضل عبد الغني مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
“انتخابات الإدارة المحلية التي أجراها النظام السوري تنتهك أبسط مبادئ حقوق الإنسان في الترشح والاختيار الحر، فهي معدومة الاستقلالية، وتفرض قوائم المرشحين بقوة الأجهزة الأمنية، والغالبية العظمى منهم من أعضاء حزب البعث، الحزب الذي حكم سوريا على مدى أكثر من خمسين عاماً لصالح حكم استبدادي، إنها انتخابات عديمة الشرعية على غرار الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، لا تمثل إرادة وحقوق الشعب السوري”.
قال التقرير إن النظام السوري يولي أهمية لهذه الانتخابات في محاولته تأكيد فكرة استمرارية وجوده بممارسة المهام الدستورية وإجراء الانتخابات بمواعيدها، محاولاً تكريس مفاهيم انتصاراته أمام أنصاره، كما أن النظام السوري أحدث 26 وحدة إدارية جديدة ستدخل إداراتها في الانتخابات، مما يتيح له تقديم مزيد من المناصب للموالين له دون أن يكون لهذه الوحدات الإدارية الجديدة أية فائدة للمواطنين. وأضاف أن النظام السوري يستخدم الأعضاء المنتخبين في الإدارة المحلية في إدارة مشاريع التطوير المحلية ومشاريع إعادة الإعمار، حيث ستكون الصلاحيات التي منحتها لهم القوانين مثل مرسوم الإدارة المحلية رقم 107 لعام 2011 والقانون 10 لعام 2018 كبيرة للحد الذي يسمحُ لهم بصياغة مشاريع إعادة الإعمار التي ينوي النظام السوري القيام بها وسيكون لهؤلاء الأعضاء سلطات في هذه العملية لأن كلاً من المرسوم 66 لعام 2012 والقانون 10 لعام 2018 يعطيان أعضاء الإدارة المحلية سلطات كثيرة عند تطبيقهما كتحديد مالكي العقارات الذين ستنزع ملكيتهم، ودراسة الاعتراضات واستلام وثائق تثبيت الملكية من أصحاب المساكن والعقارات، كما أنهم يشكلون اللجان التي تحدد قيمة الأراضي وتحدد منح السكن البديل.
استعرض التقرير ستة عوامل رئيسة تجعل من انتخابات الإدارة المحلية في مناطق النظام السوري غير شرعية، أولها أن هذه الانتخابات تستند إلى دستور وضع بطريقة غير شرعية حيث وضع النظام السوري دستور عام 2012 على غرار كافة الأنظمة الدكتاتورية بطريقة صورية لا تمت إلى مبادئ القانون الدستوري بصلة. وثانيها تحكم النظام السوري التام بالمحكمة الدستورية العليا وبالتالي غياب الرقابة القبلية والبعدية للمحكمة الدستورية العليا على انتخابات الإدارة المحلية، أما ثالثها فكان استحالة استقلالية أو موضوعية اللجنة العليا للانتخابات – المشرف الأول على كل أنواع الانتخابات في سوريا – لأنها تابعة للسلطة التنفيذية نظراً للآلية المتبعة في تعيينها، فرأسُ النظام السوري يهيمنُ عليها من خلال التحكم في تعيين أعضائها؛ فالمرسوم رقم 131، الصادر عن رأس النظام السوري بتاريخ 22/ أيار/ 2022 والمشكل للجنة القضائية العليا للانتخابات المكونة من سبعة قضاة أصليين وسبعة قضاة احتياطيين، يظهرُ عدم استقلاليتها، لأن تعيين أعضائها وتحديد مكافأتهم وترقياتهم أو عزلهم أو تحريك الدعوى العامة ضدهم هو من صلاحيات رئيس السلطة التنفيذية، ووزير العدل بصفته نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى، وبالتالي لا يمكنُ أن تقوم بدور الإشراف على الانتخابات سواء كانت رئاسية أو كانت مرتبطة بانتخابات الإدارة المحلية.
وذكر التقرير أن السبب الرابع هو تلاعب النظام السوري بعدد السكان، فبحسب بيانات الشبكة السورية لحقوق الإنسان فقد قتل النظام السوري منذ آذار/2011 وحتى الآن ما لا يقل عن 200478 مدنياً، كما أن هناك ما لا يقل عن 96000 مواطن سوري مختفٍ قسرياً، ولا يقوم النظام السوري بتحديث بيانات الذين قتلهم أو أخفاهم قسرياً ضمن دوائر السجل المدني، وبالتالي فهم غير موجودين في السجل الانتخابي، كما أن النظام السوري لا يشير إلى ملايين النازحين واللاجئين، ويخترع أرقاماً لعدد سكان سوريا، وكذلك لأعداد الموجودين في السجل الانتخابي. أما على صعيد المرشحين، فهم في غالبيتهم العظمى من أعضاء حزب البعث الحاكم، وتتحكم الأجهزة الأمنية بقوائم المرشحين، والتي تعتبر بمثابة تعويض من قبل النظام للموالين له. والسبب الخامس أن سطوة الأجهزة الأمنية تحول دون أية ممارسة انتخابية حرة، فجوهر العملية الانتخابية قائم على حرية الاختيار، وهذا شبه معدوم مع وجود أجهزة أمنية اشتهرت بممارساتها البربرية بحق المواطنين السوريين من عمليات خطف وتعذيب حتى الموت، وإخفاء قسري لسنوات طويلة، وبعض هذه الانتهاكات بلغت مستوى الجرائم ضد الإنسانية بحسب لجنة التحقيق الدولية المستقلة عن سوريا.
أما السبب الأخير لعدم شرعية انتخابات الإدارة المحلية فهو عدم استقلالية ولامركزية الإدارات المحلية التي يغلب عليها الطابع المركزي الذي يعبرُ عن مركزية السلطة في النظام السوري، وهو ما يعيق أي ممارسة سليمة داخل وحدات الإدارة المحلية في سوريا، وحتى تقوم الإدارة المحلية بأدوارها فإنها بحاجة إلى أمرين على الأقل: هما الاستقلالية واللامركزية.
أوصى التقرير مجلس الأمن الدولي باتخاذ خطوات جدية لتطبيق قرار مجلس الأمن 2245 القاضي بإنشاء هيئة حكم انتقالي، وتحقيق انتقال سياسي يضمن إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية ومحلية حرة وديمقراطية. كما أوصى المجتمع الدولي برفض هذه الانتخابات واعتبارها غير شرعية وبذل جهود حقيقية لتحقيق عملية الانتقال السياسي الديمقراطي.
إلى غير ذلك من توصيات إضافية…
المصدر: الشبكة السورية لحقوق الانسان