واجهت عناصر “الشبيبة الثورية” (من القوى التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي في شمال شرق سورية) وقوى الأمن الداخلي “الأسايش” التابعة للإدارة الذاتية الكردية لشمال وشرق سورية، احتجاجاً لمئات التلاميذ وذويهم في مدينة القامشلي بريف محافظة الحسكة شمال شرق سورية ، بالقوة، واعتقلت عدداً من المحتجين، من بينهم إعلاميون.
واعتصم التلاميذ وذووهم أمام ممثلية منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في مناطق الإدارة الذاتية، بدعوة من منظمات المجتمع المدني الفاعلة في المنطقة وأولياء أمور التلاميذ ودعم من “المجلس الوطني الكردي”، للاحتجاج على قرار صادر عن هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية بإغلاق المعاهد والمدارس الخاصة هناك والمطالبة بحرية التعليم.
والهدف من تسجيل الأهالي أبناءهم في المعاهد والمدارس الخاصة هو أنها ما زالت تتبع حكومة النظام السوري. ويعزو هؤلاء عدم إرسال أبنائهم إلى المدارس التابعة للإدارة الذاتية لكون الشهادات الصادرة عن هيئات الإدارة التعليمية غير معترف بها ولا تؤهل التلميذ الالتحاق بالكليات أو أي مرحلة تعليمية في جهة أخرى، غير تلك التابعة لهيئة التعليم في الإدارة الذاتية.
ورصدت “العربي الجديد” مجابهة “الأسايش” المحتجين بالقوة المفرطة، ولا سيما الصحافيين والمصورين، الذين أخذت منهم المعدات والهواتف النقالة، والاعتداء بالضرب وتوقيف عدد منهم، من بينهم تورفان طوبال مصور قناة “الغد”، وهيبار عثمان مراسل قناة الحرة الأميركية، وإيفان حسيب مراسل وكالة “رابتلي”. ونشر الأخير صورة تظهر آثار تعرضه للضرب، قائلاً إن “حرية التعبير حقّ أساسي من حقوق الإنسان تنصّ عليه المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”. يضيف: “تعرضت للضرب والاعتداء من قبل عشرة أشخاص على الأقل من تنظيم الشبيبة الثورية أمام أنظار عناصر الأسايش أثناء وجودي بصفتي الصحافية في الوقفة الاحتجاجية الرافضة لقرار إلغاء تدريس المناهج الحكومية في المدارس والمعاهد الخاصة أمام مقر الأمم المتحدة بالقامشلي. وجّه شخص يرتدي زياً مدنياً عناصر الشبيبة للاعتداء عليّ بالرغم من عدم تصويري الحدث، بسبب منع قوات الأسايش الصحافيين من تغطية الاعتصام السلمي”. كما يؤكد تعرّض “الطلاب من شبان وفتيات قصر وذويهم للاعتداء والاعتقال وفض الاعتصام بالقوة”.
ويقول عبد الله المحلمي الذي نجا من الاعتقال لـ “العربي الجديد”: “شاركت في الاعتصام على الرغم من بعض المخاوف. لكن لم أتوقع أن يعاملونا بهذا الأسلوب وهذه القسوة والعنف لمجرد أننا نطالب بمدارس وتعليم لأبنائنا”. ويسأل: “هل هؤلاء أبناء هذا البلد ويهمهم البلد؟ جئنا لكي نجد حلولاً لأبنائنا وتأمين تعليمهم، وليس لمطالبتهم بالسلطة أو أي شيء آخر. أدفع كل فصل دراسي نحو 300 ألف ليرة سورية (الدولار يساوي 4000 ليرة سورية) لكل واحد من أبنائي، عدا عن المصاريف الأخرى، الأمر الذي يشكل عبئاً مادياً كبيراً عليّ. لكن لا يمكنني تقبل حرمانهم من التعليم. يجب أن يتدخل كل إنسان معني بهذا البلد والمنظمات الدولية كالأمم المتحدة”.
أما زاريا محمد، وهي أم لثلاثة تلاميذ، فتقول لـ “العربي الجديد”: “لا يمكنهم إدخال مستقبل أبنائنا التعليمي في بازاراتهم بحجة تدريس اللغة الكردية أو بحجة أنها مناهج النظام. يتوجب إيجاد حلول تربوية وتعليمية وتحييد التعليم تماماً، فحرية التعليم لا يمكن المساومة عليها. إنهم أبناؤنا وكل عائلة تدفع الكثير في سبيل تأمين مستقبل أفضل لأبنائها وأطفالها ولا يمكن أن يكون هناك مستقبل لهم من دون تعليم. فنحن نعيش في 2022 ولسنا في القرون الوسطى”.
ونهاية الشهر الماضي، أصدرت هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية تعميماً بحدوث تغير شروط ترخيص المعاهد التي حصلت سابقاً على تصاريح للعمل من قبلها، وطالبت مسؤولي ومالكي المعاهد بمراجعتها، إلا أن الهيئة لم تمنح أو تجدد أياً من التراخيص، ما اعتبر قراراً ضمنياً بالمنع والإغلاق.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري، تقول نائبة الرئاسة المشتركة لهيئة التربية والتعليم في إقليم الجزيرة التابع للإدارة الذاتية فيفان بحو أوسي، إن قرار إغلاق المدراس والروضات التعليمية الخاصة جاء كونها لا توفر مجانية التعليم، في حين توفر هيئة التربية والتعليم في الإدارة الذاتية هذا الأمر. وتوضح لـ “العربي الجديد” أنه “بالنسبة لمعاهد اللغات الأجنبية، فإنه وفقاً لقرار 21 هيئة التربية، وبموافقة المجلس التنفيذي، أغلقت جميع المعاهد غير المرخصة من قبل هيئة التربية والتعليم في إقليم الجزيرة، كون ليس لها الحق في فتح المراكز والمعاهد من دون ترخيص. كما أغلقت المعاهد المرخصة التي لم تراجع الهيئة لتجديد الرخص الممنوحة سابقاً نظراً لعدم التزامها. أما بخصوص منح تراخيص المعاهد الخاصة باللغات والحاسوب والحساب الذهني، فقد أعطى النظام الداخلي والمرسوم 17 لعام 2016 الحق لهيئة التربية بإغلاق كافة المعاهد والمراكز الخاصة التي لم تحصل على الترخيص الرسمي من الهيئة، وتم التنسيق مع الهيئة الداخلية وعقدنا جلسة مع هيئة العدالة والأسايش لتنفيذ القرار، ونسعى من خلال الحملة إلى تنبيه أصحاب المعاهد والمراكز الخاصة ومعاهد اللغات المرخصة وغير المرخصة بمراجعة الهيئة للحصول على الترخيص الرسمي وتسوية أوضاعها ودفع الغرامات المترتبة كرسوم سنوية على هذه المعاهد”.
تضيف أوسي: “أغلقنا عدداً من المعاهد في ديرك وقامشلي بالتعاون مع الأسايش وقد حضر أصحاب هذه المراكز والمعاهد إلى الهيئة لاستكمال أوراقهم ومناقشة هذا القرار بخصوص إغلاق المعاهد الخاصة، ويبلغ عددها حوالي 17 معهداً، فتحت منذ قرابة الثلاث سنوات كان عليهم دعاوى وقرار قضائي قطعي بحقهم بإغلاق مراكزهم”.
من جهته، يقول الأكاديمي الكردي فريد السعدون إن “الخلاف الرئيسي في هذه المشكلة هو ما بين مناهج الإدارة الذاتية ومناهج الدولة (النظام)”، مضيفاً في حديثه لـ “العربي الجديد” أن “الإدارة الذاتية تحاول فرض مناهجها”. ويشير إلى أن التلاميذ “الذين درسوا في مرحلة الابتدائي والأساسي في مدارس النظام لا يمكن نقلهم إلى المدارس التي تدرس مناهج الإدارة الذاتية. وإرغامهم على ذلك يعني القضاء على مستقبلهم”.
ويشير السعدون إلى أن “إغلاق مدراس الدولة في مناطق الإدارة الذاتية أدى إلى فتح مدارس ومعاهد خاصة واضطر الأهالي لإرسال أبنائهم إليها على الرغم من كونها غير مجانية. المشكلة الأساس تتحملها الإدارة بالأساس بإغلاق مدارس الدولة مما يعني تقويض مجانية التعليم، وقرار إغلاق المدارس الخاصة اليوم يفاقم المشكلة”. ويندد بالتعامل غير الحضاري مع احتجاج الأهالي اليوم على القرار، قائلاً إن “الاعتداء على تلاميذ قصر مع أهالهم بالإضافة إلى الصحافيين أمر غير حضاري مع إدارة تتدعي أنها ديمقراطية وقائمة على احترام حقوق الإنسان والمرأة”.
المصدر: العربي الجديد