تساءل الباحث جاكوب ليس ويس في تحليل نشر في موقع مؤسسة “جايمس تاون للأبحاث” عما اعتبره انعطافاً أو انقلاباً بموقف الأردن تجاه إيران ومعضلة مخدرات الكابتاغون (الأمفيتامين) المهربة من سوريا.
وكتب أنه 10 يوليو/تموز الماضي، أطلق رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة تصريحا لافتا بخصوص علاقات بلاده مع طهران، قائلا إن “الأردن لم تعامل إيران قط على أنها تهديد للأمن القومي”، بالرغم من أن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني حذر قبل شهرين من التهديد الذي تشكله إيران ووكلاؤها على الحدود الشمالية للأردن إذا انسحبت روسيا من سوريا.
واتهم مسؤولون أمنيون أردنيون خلال الفترة نفسها الميليشيات الإيرانية بتقويض الأمن القومي الأردني من خلال تهريب مادة الكبتاغون من سوريا إلى الأردن. ويتساءل الكاتب: إذن، بالنظر إلى خطورة التهديد الإيراني على الحدود الأردنية، لماذا حدث تحول في البيانات الرسمية من قبل الجانب الأردني؟
تجارة الكبتاغون في سوريا وتهريبه للأردن
يؤكد الكاتب أن النظام السوري يشترك مع إيران في عمليات تهريب المخدرات على نطاق واسع في سوريا. وتتركز مواقع إنتاج الكبتاغون في المراكز الحضرية السورية الرئيسية، مثل دمشق واللاذقية وحلب، وكذلك في درعا بالقرب من الحدود الأردنية، ووادي البقاع في لبنان.
ويمتلك رجال الأعمال المرتبطون بالنظام السوري و”حزب الله” اللبناني المدعوم من إيران مواقع إنتاج خاصة بهم وينسقون طرق التهريب. في غضون ذلك، تقوم الميليشيات السورية المدعومة من إيران والفرقة الرابعة في الجيش السوري بتوفير الأمن لمواقع إنتاج الكبتاغون وطرق التهريب.
وتعتبر تجارة الكبتاغون مصدراً رئيسياً للدخل بالنسبة للنظام السوري، الذي يخضع لعقوبات دولية. وفي عام 2021 وحده، حقق نظام الأسد أرباحًا لا تقل عن 5.7 مليار دولار من هذه التجارة. ويعتبر الأردن بلد عبور رئيسي لطرق الكبتاغون من سوريا إلى الخليج العربي وما وراءه.
ويشير الباحث إلى أنه في حين أن تجارة الكبتاغون في سوريا كانت موجودة قبل الحرب الأهلية السورية، فقد ازداد التهريب عبر الحدود (برعاية النظام) إلى الأردن منذ عام 2018. ومع تحول الحرب الأهلية لصالح “بشار الأسد”، دعمت الأردن الجماعات المتمردة في جنوب سوريا، وتمسكت باتفاق 2017 الذي يشمل ضمانات روسية من شأنها تقويض أي وجود إيراني في جنوب سوريا بعد استعادة النظام السوري لمحافظتي درعا والسويداء في الجنوب الغربي.
واستعاد نظام الأسد السيطرة شبه الكاملة على هذه المحافظات بعد هجومين عسكريين في 2018 و2021 على التوالي، ما سمح للفرقة الرابعة في الجيش السوري بتوسيع وجودها على طول الحدود الجنوبية الغربية مع الأردن. وتزايدت عمليات تهريب الكبتاغون بشكل مطرد منذ ذلك الحين.
ومنذ مايو/أيار 2022 فقط، صادرت السلطات الأردنية 20 مليون قرص كبتاغون مقابل 14 مليون قرص في عام 2021 بالكامل. وبحسب مسؤولين أردنيين، فإن عمليات تهريب الكبتاغون إلى الأردن تحدث يومياً.
أهداف إيران في جنوب سوريا
بالرغم من الضمانات الروسية، ازداد النشاط الإيراني في جنوب غرب سوريا بشكل ملحوظ. وقامت الميليشيات المدعومة من إيران بتوسيع نطاق سيطرتها العسكرية لتشمل ما يصل إلى 150 موقعًا عسكريًا في جنوب سوريا خلال العامين الماضيين. وأفادت مصادر سورية في مايو/أيار 2022 أن إيران نقلت مزيداً من التعزيزات للميليشيات في درعا وحوران.
ولدى إيران هدفان في جنوب سوريا: تسهيل تجارة الكبتاغون واستخدام الميليشيات لتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط ليشمل الأردن الذي يعد حليفا رئيسيا للولايات المتحدة منذ فترة طويلة. وبالنسبة لإيران، تعتبر تجارة الكبتاغون أمرًا حيويًا حيث يمكن استخدام حصتها من الإيرادات لتمويل الميليشيات التابعة لها، بينما تساعد عائدات شركائها السوريين في دعم النظام ماليًا.
ويعد الوجود الإيراني القوي على الحدود الأردنية أيضًا وسيلة لممارسة النفوذ على الأردن والمنطقة ككل، فالأردن مفترق طرق مهم بين بلاد الشام والعراق والخليج، وبالتالي فإن استقرار البلاد أمر حيوي بالنسبة للمنطقة.
وقد يتزايد النفوذ الإيراني على حدود الأردن لاحقًا عبر نقل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الإيرانية إلى الميليشيات المتحالفة مع طهران، وذلك لتهديد الوجود العسكري الأمريكي المتزايد في الأردن.
ويتمثل الهدف الأبعد لإيران في جنوب غرب سوريا في تكرار مشروعها في شرق سوريا، عبر إنشاء مؤسسات ثقافية ودينية وتجنيد عدد من السكان المحليين في الميليشيات الإيرانية.
دور روسيا والرهانات الإقليمية
ويؤكد الباحث أنه من غير الواقعي تكرار استراتيجية الأردن فيما قبل 2018 والتي تمثلت في دعم سيطرة جماعات المعارضة السورية على الحدود السورية الأردنية. فبينما يحافظ الأردن على اتصال بميليشيات المعارضة المتمركزة في جنوب شرق سوريا، مثل “جيش مغاوير الثورة” الذي يحمي قاعدة التنف العسكرية الأمريكية، فإن الفرقة الرابعة لجيش النظام السوري وشبكة الميليشيات الإيرانية تفوق هذه الميليشيات بعدد كبير.
بالإضافة إلى ذلك، سيتعين على الأردن السعي للحصول على دعم روسي للضغط على سوريا وإيران للموافقة على فقدان السيطرة الإقليمية على طول الحدود، لكن روسيا ليست مهتمة بوقف تجارة مخدرات الكبتاغون ولا التوسع الإيراني في جنوب سوريا، طالما أنها تستفيد منهما.
وتستفيد روسيا من تجارة الكبتاغون ونشاط الميليشيات الإيرانية، حيث تمول الأولى النظام السوري فيما تساعد الأخيرة في ممارسة ضغوط على حلفاء الولايات المتحدة، مثل الأردن وإسرائيل والسعودية.
لا يكشف التحول في التصريحات الأردنية بشأن الوجود الإيراني في جنوب غرب سوريا عن تقبل أردني مفاجئ للوضع على حدودها، لكن يبدو أن الأردن يسعى إلى اختبار المسار الدبلوماسي مع إيران.
وفي أعقاب إظهار الملك عبدالله الثاني القلق بشأن النشاط الإيراني، أجرت إيران والأردن مفاوضات مباشرة في بغداد في يونيو/حزيران الماضي. ويشير تغيير اللهجة في التصريحات الأردنية بشأن إيران منذ بدء المفاوضات إلى إحراز بعض التقدم الإيجابي على الأقل.
ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان يمكن التوصل إلى تفاهم طويل الأمد بين الأردن وإيران. وفي حين أن الأردن يمكنها أن تقبل نفوذ إيران على الأرض، تمامًا كما اعترفت في النهاية بسيطرة الحكومة السورية على المحافظات الجنوبية، فإن هذا سيتطلب ضمانات لتقليل تهريب المخدرات وفرض قيود على إمدادات الأسلحة لوكلاء إيران.
المصدر:“القدس العربي”