في ظل انشغال روسيا في غزوها لأوكرانيا، اختار رئيس النظام السوري بشار الأسد، زيارة العاصمة الإيرانية طهران، للمرة الثانية علناً منذ بدء الثورة السورية في ربيع عام 2011، في خطوة تؤكد أن إيران ما تزال الحليف الإقليمي الأقرب للأسد.
وتبدو هذه الزيارة كرسالة لدول عربية تحاول إعادة تعويم نظام الأسد وتسليمه مقعد سورية في جامعة الدول العربية، مبررة ذلك بإبعاد الأسد عن إيران، ليؤكد الأخير عدم تراجعه عن تحالفه مع طهران.
لقاءات الأسد في طهران
وذكرت وسائل إعلام إيرانية وأخرى تابعة للنظام السوري، أن الأسد التقى في طهران، أمس الأول الأحد، المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي، في اجتماعين أحدهما مغلق، كما التقى الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي خلال زيارته غير المعلن عنها سلفاً.
ونقلت وكالة “تسنيم” الإيرانية (شبه رسمية) عن الرئيس الإيراني قوله، خلال لقائه الأسد، إن أولوية حكومته هي تعزيز العلاقات الإستراتيجية مع سورية.
كما نقل التلفزيون الرسمي الإيراني عن الأسد قوله إن “العلاقات الاستراتيجية بين إيران وسورية حالت دون سيطرة الكيان الصهيوني على المنطقة”، مؤكداً ضرورة استمرار هذه العلاقة الاستراتيجية بقوة.
من جهته، أكد خامنئي “التصميم الراسخ لدى الحكومة الإيرانية لتوسيع التعاون مع سورية، وضرورة بذل مزيد من الجهود المشتركة لتطوير العلاقات بين البلدين”.
وهذه الزيارة هي الثانية المعلنة للأسد إلى طهران بعد الثورة، إذ سبق له زيارتها في فبراير/شباط 2019. وجاءت زيارة الأسد إلى طهران في ظل انشغال روسيا وهي الحليف الدولي لنظامه، في غزوها لأوكرانيا، وهو ما يعزز الاعتقاد أن الجانب الإيراني يستغل هذا الانشغال لتوسيع نفوذه أكثر في سورية.
كما تأتي الزيارة بعد عدة خطوات من دول عربية باتجاه نظام الأسد تكللت بزيارة الأخير إلى الإمارات في مارس/آذار الماضي. وتخالف زيارة الأسد إلى طهران ولقاؤه خامنئي، الرغبة العربية في الحد من النفوذ الإيراني في سورية، مقابل إعادة تعويمه مرة أخرى من خلال إعادته إلى جامعة الدول العربية.
ويبدو أن الأسد أراد من الزيارة التأكيد مرة أخرى أنه لن يتراجع عن حلفه مع الجانب الإيراني وهو الداعم الإقليمي الأبرز له في صراعه من أجل البقاء في السلطة.
وكان الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني قد انخرطا مع الشهور الأولى للثورة في الصراع إلى جانب النظام، وتنتشر اليوم عشرات المليشيات في عموم المناطق التي تقع تحت سيطرة هذا النظام.
وتفرض إيران سيطرة شبه مطلقة على جانب كبير من محافظة دير الزور في شرقي سورية، وعلى تدمر في قلب البادية السورية وعلى محيط دمشق. وتحافظ على حضور نشط لها في دمشق وحمص وحلب وحماة، وفي درعا جنوب سورية.
ويتعرض الوجود العسكري الإيراني في سورية لهجمات متكررة من الطيران الإسرائيلي ومن طيران التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، إلا أن طهران لم تتراجع عن خططها في ترسيخ هذا الوجود وخلق وقائع على الأرض لا يمكن تجاوزها في أي حلول مستقبلية للقضية السورية.
ورأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” للدراسات، الباحث محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تغيرات كبيرة طرأت على المشهد بعد التورط الروسي، والذي يبدو أنه سيكون طويل الأمد في أوكرانيا، ما يعني تراجع دور موسكو في سورية”.
وأضاف: “يمكن لإيران الاستفادة من المستجدات لزيادة نفوذها في سورية، وخصوصاً مع تراجع العقوبات عليها وارتفاع أسعار النفط”. وأشار إلى أن “هذه القضايا ومسائل أخرى مثل عودة اللاجئين السوريين والتطبيع العربي مع الأسد، كلها تحتاج لترتيب بين الأسد والجانب الإيراني، لذا جاءت هذه الزيارة”.
ويبدو أن تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا على الملف السوري تدفع الأسد إلى تعزيز تحالفه مع الجانب الإيراني، إذ تراجع اهتمام موسكو، بالملف السوري الذي لا يمكن عزله عن تغيرات كبيرة فرضها الغزو الروسي لأوكرانيا.
رسائل إيرانية
ووضع الباحث في “المؤسسة السورية للدراسات وأبحاث الرأي العام” رشيد حوراني، في حديث مع “العربي الجديد”، زيارة الأسد إلى طهران في سياق الرسائل الإيرانية المتكررة التي تؤكد “أن إيران ماضية في مشروعها وتمددها في سورية، وهي نقطة ارتكاز بالنسبة لها”.
وأعرب عن اعتقاده بأن الجانب الإيراني “يتخذ من سورية ورقة تفاوض يحقق من خلالها بعض المطالب”، مشيراً إلى أن الزيارة “تدشن مرحلة جديدة بين الطرفين (النظام وإيران) في ظل انشغال روسيا بأوكرانيا، عنوانها التصعيد”.
ولفت إلى أن الزيارة “تزامنت مع العديد من المضايقات التي يقوم بها عناصر النظام بالتعاون مع المليشيات المدعومة إيرانياً، ضد القوات الأميركية في منطقة شرق الفرات”.
ولم يستبعد حوراني أن تكون الزيارة “دعائية استعراضية في ضوء ما يعانيه الطرفان من ضغوطات إقليمية تتمثل بانفتاح تركي على دول الإقليم، ودولية بهدف تقليص نفوذ إيران في سورية”، وفق حوراني.
من جهته، قال المحلل السياسي رضوان زيادة، لـ”العربي الجديد”، إن الزيارة “تعزيز لتحالف الشر بين الأسد ونظام طهران”، مضيفا: “تُظهر في الوقت نفسه حجم التغلغل والسيطرة الإيرانية في الوضع السوري. الأسد بيدق بيد موسكو وطهران”.
وحول تبعات الزيارة على التطبيع العربي مع الأسد، أعرب زيادة عن اعتقاده “أن حجة التطبيع العربي لإبعاد الأسد عن إيران غير جدية، فالأسد لن يتنازل عن طهران مقابل وهم التطبيع العربي”. وأشار زيادة إلى أن الأسد “ربما يشعر أن موسكو لن تساعده الآن فهي في مأزق””. وبرأيه فإن الأسد يحتاج إلى مساعدات عاجلة من طهران.
المصدر: العربي الجديد