لاحظ وتابع أغلبنا موضوع البترول كمسببات لحروب مازالت قائمة والمياه كمسببات مستقبلية ولكن لم نعط لليوم أهمية للدراسات التي تظهر توزع المواد الغذائية بالعالم والصراع الذي تشنه الدول للهيمنة على سوق الغذاء وبشكل خاص البورصة العالمية للغذاء المدعومة بمصارف مختصة بالمضاربة والاحتكار، ليتزايد الوضع اليوم بأزمة صحية وبائية أدت الى توقف العربة الاقتصادية والانتاجية بشكل شبه كامل لتصطدم الدول العظمى بمنظوماتها الاقتصادية الحالية وحيث إعادة إقلاعها لا يتم بكبسة زر بل يحتاج إلى إعادة النظر بأمور عديدة منها المفاهيم بالعلاقات الدولية والمنظومات القانونية التي تديرها، إضافة الى الحد من البلهلوانيات بعمليات قرصنة للحصول على مستلزمات تهدد صحة مواطنيها مما يجعلنا لا نستبعد مطلقا أنه في حالة تراجع الأمن الغذائي لبعض الدول أن تقوم تلك الدولة بفتح حدود الدول الأخرى بالقوة العسكرية للحصول على الغذاء.
822 مليون شخص يعانون من المجاعة وارتفاع عدد الأشخاص الذين يعانون من المجاعة في السنوات الثلاث الأخيرة يعود لعاملين اثنين ، أولهما يتمثل في تأثير تغير المناخ وهو ناتج تصرفات الانسان غير المبالي بالطبيعة واحتياجاتها لتستمر بالعطاء فارتفاع تركيز ثاني أوكسيد الكربون في الجو، يؤدي إلى تناقص المغذيات الدقيقة في النباتات المفيدة وإلى نقص في البروتين والزنك أو الحديد، وانخفاض القيمة الغذائية يطال بالأساس مواد غذائية أساسية مثل القمح والأرز والذرة والصويا، والثاني يتمثل في تنامي النزاعات المسلحة على مستوى العالم، وأكبر مثال تراجع المحاصيل الزراعية في سورية بسبب المعارك الطاحنة بين النظام المجرم ومعارضيه وإهمال الأرض والابتعاد عنها، رغم أنه لدينا المعرفة والإمكانيات الفنية والمادية للقضاء على الجوع في العالم ولكن اعتبرت بعض الدول أن السلعة الغذائية هي وسيلة ضغط للحصول على امتيازات خاصة من بعض الدول الناشئة أو التي تفتقر لقرارات سيادية بثرواتها الوطنية .
تتنبأ المنظمات الدولية بأن أسعار الغذاء بتزايد خلال السنوات العشر المقبلة بما يعادل 30 في المئة لذا يتوقع المحللون أن المرحلة المقبلة عالمياً ستكون مشحونة بالاضطراب والحروب، لأن خريطة الجوع في العالم نتيجة أزمة الغذاء تتسع اليوم لأكثر من 36 دولة، معظمها في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وأن خفض عدد الجياع لن يكون مهمّة سهلة، إذا ما أخذ بعين الاعتبار ازدياد الأزمة سوءاً بالنسبة للدول الفقيرة بسبب ترجيحات منظمة الفاو بتراجع مخزون العالم من الحبوب إلى أدنى مستوى له منذ 25 عاماً.
المجاعات التي عرفها العالم تتمثل في نقص الغذاء، إما بسبب الحروب أو الكوارث الطبيعية، لكن خصوصية الأزمة التي تعاني منها بعض البلدان اليوم، خصوصاً العربية، ممثلة في توفر الغذاء ولكن بأسعار لا يقدر على دفعها عدد كبير من الناس.
مشكلة زيادة الأسعار، التي تغذيها المضاربة وآلية التوزيع الاقتصادي، تعمل على تعميق الفجوة بين الفقراء والأغنياء، تكمن في السياسات الاقتصادية التي تؤثر مباشرة، كون هذه السياسات تؤثر في الإنتاج الزراعي في البلدان النامية، لأنها تعمل على حماية المزارعين في البلدان المتقدمة.
لا شك أن الأزمة الناجمة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية، التي قادت إلى اندلاع انتفاضات الجوع في الكثير من الدول العربية والعالمية، بدأت تثير القلق فأزمة الغذاء الراهنة لم تكن بالأمر اليسير، فقد خرجت الكثير من الشعوب منددة بارتفاع الأسعار ولم تطالب إلا بأبسط حقوقها وهو الغذاء، وللمرة الثانية نعيد تكرير الفكرة أن الحروب لن تتوقف على البترول والمياه بل الغذاء بشتى أنواعه.
تقرير صادر عن الأمم المتحدة يتوقع أن الأسوأ لم يأتِ بعد، وأن هذا مجرد منبه وإنذار دقه الجائعون لتنبيه حكوماتهم، فالمطروح من الغذاء قليل إضافة إلى ارتفاع ثمنه. علماً بأنه يموت 1000 إنسان من الجوع في كل ساعة، وقرع الأجراس لم يتوقف منذ زمن طويل، كي يتنبه العالم إلى هذه الكارثة وما ينجم عنها من أعاصير قد تعصف باستقراره المزعوم!
المعطيات تقول إنه يقدّر عدد الأشخاص في العالم العربي الذين يعيشون بأقلّ من دولار واحد في اليوم بـثمانية ملايين شخص، وإجمالي الذين يعانون سوء التغذية بـ”43″مليون شخص، كما أن الأطفال “دون الخامسة” الذين يموتون سنوياً من سوء التغذية مليون طفل، والمحرومون من فرص الحصول على مصادر مياه صحّيّة 42 مليوناً، والمحرومون من خدمات صرف صحّي 52 مليوناً.
ولا ننسى أن معادلة الغذاء المقبلة تقوم على تناقص في الغذاء المعروض بسبب المضاربة والسياسات الاقتصادية للبلدان الكبرى، وارتفاع الطلب عليها بسبب تزايد عدد السكان، وهي معادلة تؤدي مع بقاء مشكلة التوزيع الاقتصادي على حالها إلى مشكلات اجتماعية وسياسية ضخمة في مختلف بلدان العالم، ولن تتوقف نتائجها عند حدود، فالعالم الذي أزال الحدود أمام التدفقات المالية والتجارية والبشرية لا يستطيع أن يرفعها في وجه التأثيرات السلبية للسياسات التي تقوم عليها هذه السياسات.
برنامج الغذاء العالمي يعتبر أن الهمّ الأكبر لديه هو أولئك الأشخاص الذين يعيشون على مصروف يومي يبلغ 50 سنتاً فقط، ولا مصدر آخر لديهم يسدون به رمقهم، لذا فإن أول من سيعاني من هذه الأزمة، هم أشد الناس فقراً على وجه المعمورة، هم أولئك الذين يعيش معظمهم في البلدان النامية “العالم الثالث”، فماذا أعددنا؟ وهل نسيانا برنامج الغذاء مقابل البترول الذي فرض على العراق وما نتج عنه، مما يجعلنا نفكر ملياً أن الحروب القادمة هي حروب مياه وكلأ بعد حروب الطاقة التي نعيشها حالياً.