اهتمام اللبنانيين بصندوق المساعدات الإنسانية السعودية- الفرنسية، والتي تبلغ قيمتها أقل من 40 مليون دولار، صدىً لتعلّقهم بأي أمل ولو كان ضئيلًا. فهو يشير إلى حضورهم على سكّة المشاغل الدولية والإقليمية، ولو من باب “المساعدات الإنسانية”. المبلغ ضئيل مقارنة مثلاً بـ11 مليار دولار كانت مخصصة للبنان بموجب مؤتمر سيدر، وحين كان المطلوب إصلاحات أقل.
النقد الدولي وحزب الله
لم ينجح اللبنانيون في تبني الإصلاحات وإقرارها. وبات المطلوب اليوم أصعب بكثير، ولا نية للتوافق مع صندوق النقد. وهناك قناعة لبنانية تفيد أن لحظة توقيع الاتفاق مع الصندوق، تجعل لبنان خاضعًا لشروطه وتجعله المتحكم بالحياة الاقتصادية والمالية، والسياسية أيضًا، بفرض شروطه على الحكومات وكيفية تشكيلها وتعيين الوزراء. وهذا أمر يستحيل أن يوافق عليه حزب الله.
وحزب الله يخوض معركة انتخابية وجودية، فيما لا يرتقي بعض خصومه بأساليبهم إلى مستوى هذه المعركة، التي لا يمكن التغاضي عن مقعد نيابي واحد يمكن الاستحواذ عليه. فهي معركة حجز مقاعد في المجلس النيابي.
صحيح أن اللعبة السياسية في لبنان محكومة بتوازنات إقليمية ودولية. ولكن لدى الذهاب إلى أي مفاوضات إقليمية ودولية، لا بد أن يخضع مسارها لموازين القوى الداخلية، القابلة للتغير انتخابيًا. ويعود ذلك إلى آلية إدارة المعركة السياسية والانتخابية.
استياء من السعودية وفرنسا
المعركة الانتخابية تتوقف على الصوت السنّي القادر على التأثير والتغيير في دوائر عدة. هذا معروف لبنانيًا، ويعرفه ديبلوماسيون في سفارات وسواها من مراكز الدراسات. فقدرة تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري في العام 2009، هي التي نجحت في قلب مسار المعركة كليًا. وجاءت النتيجة مفاجئة آنذاك: انتصار قوى 14 آذار انتخابيًا، على خلاف تقديرات حزب الله واستطلاعاته.
حاليًا هناك فرصة لتكرار سيناريو العام 2009. لا يخفى انشغال حزب الله بعودة السفير السعودي. وهناك مصادر تقول إنه مرّر للفرنسيين رسائل مستاءة من سعيهم الحثيث لإعادة السفراء الخليجيين، وعودة السفير وليد البخاري لينشط بقوة على الساحة اللبنانية.
حزب الله يعتبر أن البخاري لو عاد قبل تشكيل اللوائح وساهم في تشكيلها متراصة من حلفاء السعودية، لكانت نتائج الانتخابات ستتغير بالتأكيد. ورغم عودته المتأخرة، هناك خشية واضحة من أن تقود حركة البخاري إلى قلب الموازين وتغيير النتائج. وهذا أمر أصبح من السهل رصده في دوائر القرار في البلاد، ولدى جهات ديبلوماسية عدة.
دور الحريري والسُّنّة
يقف السنّة في لبنان أمام لحظة تاريخية ومفصلية انتخابيًا. ورفع نسبة تصويتهم وحدها كفيلة بتغيير موازين القوى ونتائج الانتخابات. لذا يراهن الجميع على الصوت السنّي. وحزب الله يراهن على عدم حماسة الكتلة السنية وانخفاض مستوى تصويتها. أما خصوم الحزب عينه فيراهنون على رفع نسبة التصويت لتسديد الضربة القوية.
لا يزال سعد الحريري الممثل الأول للسنّة وهو زعيمهم. صحيح أن الظروف حالت دون ترشحه وخوضه الانتخابات. لكنه قادر على لعب دور أساسي في تغيير موازين القوى، وإثبات مدى تأثيره الإيجابي. فرفع نسبة التصويت السنّي تؤدي إلى تغيير الوقائع. وهذا ينعكس إيجابًا على الحريري، فيثبت قدرته على التأثير وتغيير المزاج، وفرض وقائع جديدة. وبذلك يتحول إلى الرقم الصعب، بدلًا من أن يؤثر موقفه وموقف جمهوره وبيئته وكوادر تياره، سلبًا نتيجة المقاطعة.
تشير استطلاعات الرأي والتقديرات إلى أن الأمر يتوقف على الأيام القليلة ما قبل الانتخابات، وعلى كيفية إدارة المعركة وإظهار المواقف. فرغم القانون النسبي الحالي، يتوزع السنّة على الجغرافيا اللبنانية كلها. وأصواتهم مؤثرة في المعركة. وفرصة تكرار نتائج العام 2009 واردة وبقوة هذه المرّة. لكنها رهن إقبال السنّة على المشاركة في العملية الانتخابية. وما يعزز ذلك هو تبني تيار المستقبل توجهًا سياسيًا يرتبط بالمواجهة لاستعادة التركيز على الثوابت. وهذا تدل عليه الأرقام: في بيروت العام 2009 مثلًا تخطى عدد أصوات تيار المستقبل 80 ألف صوت، فيما تراجع إلى أقل من 60 ألف في انتخابات العام 2018، بفعل التسوية الرئاسية. وفي صيدا وصل التصويت السني إلى 25 ألف صوت في العام 2009، وتراجع إلى حوالى 14 ألف صوت في العام 2018. وهذا ينسحب على المناطق السنية كافة.
المصدر: المدن