طالما كان المسجد الأقصى المعلم الديني التاريخي الوطني الأهم في فلسطين بالنسبة لأهلها وقد تسبب المساس في حرمته لمجابهات دموية مع الصهيونية والاستعمار البريطاني من أبرز محطاتها هبة البراق عام 1929 وهبة القدس والأقصى عام 2000 وهبة الكرامة في مايو/أيار 2021. وفي ظل تردي السياسة وتراجع الفصائل والأحزاب الفلسطينية ما زال الحرم القدسي الشريف يجمع الفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر ويحفظ جذوة نضالهم من أجل الانعتاق والاستقلال والانتهاكات الجديدة التي يتعرض لها باتت تهدد مستقبل حكومة الاحتلال بعد تحذير القائمة العربية الموحدة بسحب دعمها ومشاركتها في الائتلاف الحاكم علما أن الباب مفتوح للمزيد من التصعيد الأمني والسياسي نتيجة أحداث محتملة في الأيام المقبلة.
وعلى خلفية حالة الغضب الشديد السائدة في أراضي 48 أيضا نتيجة استمرار انتهاكات الاحتلال للأقصى تفاقمت الضغوط الشعبية والحزبية داخل أراضي 48 على القائمة العربية الموحدة برئاسة منصور عباس ودعوته للانسحاب من الائتلاف وإسقاط الحكومة. ففي بيان صدر عن اجتماع مجلس الشورى الذي عقد ليلة الأحد، قالت القائمة الموحدة، إنه “على ضوء مواصلة الاحتلال عدوانه على القدس والأقصى المبارك، ولأن السيل قد بلغ الزبى، وبعد تداول جميع الأحداث في مجلس الشورى القطري للحركة الإسلامية (الجناح الجنوبي)، ومناقشة المعطيات في ميزان مصلحة مجتمعنا العربي قاطبة ارتأت الحركة الإسلامية والقائمة العربية الموحدة أن المسار السياسي الحالي لا يمكن أن يستمر كما هو”.
يشار الى أن القائمة العربية الموحدة هي الذراع السياسي للحركة الإسلامية الشق الجنوبي وهو الشق المشارك في الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية منذ انتخابات 1996 يوم انقسمت الحركة الإسلامية بين شق جنوبي يؤيد المشاركة في اللعبة السياسية الإسرائيلية وبين شق شمالي برئاسة الشيخ رائد صلاح حظرته إسرائيل وأخرجته خارج القانون في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وهو معارض لهذه المشاركة ويعتبرها تدجينا وأسرلة تتعارض مع العقيدة الإسلامية.
محاولة امتصاص غضب
وأضافت الموحدة في بيانها أن”هدف دخولها من الائتلاف الحكومي كان تحقيق مصالح المجتمع العربي والبحث عن حلول لقضاياه، وتعزيز قوة وشرعية التمثيل العربي في الساحة السياسية في البلاد، ورغم الإنجازات الواضحة في هذه القضايا إلا أنها لا تستطيع السكوت عن ممارسات الاحتلال ومواصلة الاعتداء على أقدس مقدساتنا ومسرى نبينا الكريم المسجد الأقصى المبارك”. وتابعت أنه “ومنذ هذه اللحظة يعلق نواب القائمة العربية الموحدة عضويتهم ليس فقط في الائتلاف الحكومي وإنما أيضا عضويتهم في الكنيست، وهم مطالبون بعدم الحضور إلى الكنيست”.
يشار الى أن الكنيست الإسرائيلي موجود في عطلة حتى العاشر من مايو/أيار المقبل مما دفع أوساط واسعة للتشكيك في قرارات الموحدة واعتبارها بهلوانية ومحاولة امتصاص غضب فقط وأنها لا تنوي فعلا مغادرة الائتلاف الحاكم. في المقابل قالت الموحدة إنها ترى أن “ملف القدس والأقصى يجب أن يكون خارج نطاق المكاسب السياسية، حيث أنه راسخ ومنغرس في قلب انتماء كل عربي ومسلم في هذه البلاد”. وقالت الموحدة إنها تنادي نواب القائمة المشتركة أن يحذوا حذو الموحدة في مثل هذه القرارات، بحيث تجمد الأحزاب عمل نوابها. وأضافت مهددة أنه “في حال استمرت الحكومة بخطواتها التعسفية بحق القدس وأهلها، والأقصى ومصليه ومعتكفيه في هذا الشهر الفضيل، فإننا سنقدم استقالة جماعية، ونطالب الأحزاب جميعها بالتعاون مع هذا القرار ودعمه”. كما أشارت إلى أن “هذه القرارات تأتي بعد خيبة الأمل من تعامل الحكومة مع ملف القدس والأقصى والمقدسات الإسلامية، وهذا ما تؤكده المشاهد المتكررة في القدس والأقصى، والتي فيها اعتداء صارخ على القرارات الدولية، والأعراف المعمول بها”.
المشتركة: نرفض مسرحيات منصور
وسارعت القائمة المشتركة للطعن في قرار الموحدة والتشكيك به واعتبرته أمرا مبكيا مضحكا بل مخجلا وعللت ذلك بالقول: “يعلقون عضويتهم في عطلة الربيع التي ستستمر ثلاثة أسابيع من اليوم، وبعد انتهاء العطلة يضعون التعليق جانبا كي يواصلوا دعم الحكومة الملطخة أيديها بدماء الشباب الفلسطيني واقتحامات المسجد الاقصى وسن القوانين ضد شعبنا”. وتابعت المشتركة في نقدها للموحدة: “هم عمليا وفعليا وواقعيا داعمون لهذه الحكومة، وهم آخر من يعظ المشتركة التي ستبقى شوكة في حلق كل الحكومات اليمينية والعنصرية وعلى رأسها حكومة بينيت، شاكيد وقطاريزهما من مركبات الحكومة. الحالة مأساوية ولا تحتمل مسرحيات بهلوانية بائسة لمنصور وجماعته”.
وكانت الحركة الإسلامية الجناح الجنوبي أكدت في بيان أن اقتحام المسجد الأقصى المبارك والاعتداء على المصلين فيه بهذه الهمجية هو جريمة نكراء على المقدسات وعلى جميع المسلمين في العالم، ومن شأنها أن تدخل المنطقة في دوامة من العنف تتحمل مسؤوليتها وتبعاتها قوات الاحتلال. وطالب البيان “حكومة إسرائيل بلجم الجماعات المتطرفة اليهودية التي تحاول إشعال المنطقة لمآرب سياسية ودينية، وبوقف الاعتداءات على المصلين”. وذكر أن “مجلس الشورى والمكتب السياسي للحركة في حالة انعقاد دائم لمواكبة التطورات في المسجد الأقصى والقدس واتخاذ القرارات والخطوات المناسبة للدفاع عن أقصانا ومسرى نبينا صلى الله عليه وسلم”.
وكان عدد من قادة الحركة الإسلامية خاصة ممن أشغلوا مهام مركزية في الماضي داخل الحركة وفي الكنيست قد دعوا لإسقاط الحكومة منهم إبراهيم صرصور وهو رئيس ونائب سابق عن الحركة الإسلامية.
وقال الرئيس السابق للحركة والنائب السابق عنها إبراهيم العبد الله في تلميح لمؤسس الحركة الإسلامية في البلاد الراحل الشيخ عبد الله نمر درويش: “لو كان بيننا من تتلذمنا على يديه وشاهد ما يجري في الأقصى مع بقاء الموحدة في الائتلاف الحاكم لتمنى أن يعود إلى قبره”. وكذلك النائب السابق عنها مسعود غنايم الذي دعا للخروج من الائتلاف الحاكم وقال في منشور على صفحته “فلتذهب هذه الحكومة للجحيم”.
حركة بهلوانية
في تعقيبه على قرار الموحدة غرد رئيس القائمة المشتركة، النائب أيمن عودة، على “تويتر” بالقول: “عدم الحضور إلى الكنيست خلال أيام العطلة قرار دراماتيكي”. وسخر زميله النائب اليهودي في القائمة المشتركة عوفر كاسيف الذي حمل على حكومة الاحتلال وحملها مسؤولية الانتهاكات والتوترات في القدس وسائر البلاد وحمل أيضا على الموحدة وقال: “قرارها بتجميد عضويتها في الكنيست مثله مثل صائم يعلن عن برنامج حمية والكف عن تناول الطعام وهو يمسك أصلا عن الطعام”. واعتبرت مصادر في المشتركة أن قرارات الموحدة بتعليق عضويتها في الكنيست والائتلاف خلال عطلة الربيع “مدعاة للسخرية والخجل”، مشددين على أنهم (نواب الموحدة) “عمليا وفعليا وواقعيا داعمون لهذه الحكومة”، مشيرين إلى أنه “بعد انتهاء العطلة يضعون (نواب الموحدة) التعليق جانبا كي يواصلوا دعم الحكومة”، كما وصفوا خطوات منصور عباس بـ”البهلوانية”.
كما انتقد الحزب الشيوعي الإسرائيلي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة القائمة العربية الموحدة بزعامة منصور عباس وطالبا بالانسحاب الفوري من الحكومة، في أعقاب تصعيدها للجرائم والانتهاكات في الأراضي المحتلة والقدس العربية، والمسجد الأقصى تحديدا، والتي أدت إلى استشهاد العشرات واعتقال المئات والتنكيل بالآلاف. وقال بيان مشترك للحزب الشيوعي والجبهة إن “تجميد العضوية”، وبالتنسيق مسبقا مع بينيت ولبيد، هو فذلكة لا معنى لها سوى الاستهتار بعقول الناس، وأولها عقول جمهور “الموحدة” وقياداتها التي تدرك اليوم أن الدخول إلى هكذا حكومة هو ليس فقط خطأ سياسيا بل طعنة نجلاء في ظهر الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وفي ظهر مقدساته وفي المقدمة منها المسجد الأقصى المبارك الذي يتعرض يوميا لأبشع الانتهاكات المدعومة من هذه الحكومة التي يدعمها عباس وأعوانه. وتابع البيان المشترك” إننا إذ نحيي الأصوات الحرة من قيادات الحركة الإسلامية الجنوبية التي لم تعد تطيق هذا الذل وهذا التواطؤ، نستهجن استمرار زعامة “الموحدة” في منح حكومة الاستيطان “شبكة أمان”. كما ندين تصريحات منصور عباس التي حملت أهالي القدس – وليس الاحتلال وانتهاكاته واستفزازاته – مسؤولية التصعيد الأخير. إن مطلب الساعة هو إسقاط هذه الحكومة، التي لم تحمل أي بشرى لا على المستوى السياسي ولا على مستوى مساواة الجماهير العربية ولا على مستوى أزمة المعيشة وغلاء الأسعار. وعلى “الموحدة” ان تنسحب فورا من الحكومة، دون فذلكات، لأنها آيلة للانهيار. أنقذوا ما تبقى من ماء وجهكم”.
الحقوق المدنية
من جهته أوضح منصور عباس ومؤيدوه في تصريحات إعلامية إن فكرة الدخول في الائتلاف جاءت لخدمة قضايا مدنية مثل مكافحة الجريمة والعنف وحل مشاكل السكن ووقف التمييز العنصري في توزيع الموارد والميزانيات للحكم المحلي. وأشاروا الى أنهم يرفضون الزعم بأنهم أهملوا القضايا الوطنية وينوهون إلى أن توفير أماكن سكن وتحقيق الحق بالمأوى والدفع للاعتراف بقرى عربية في النقب وتثبيتها هو عمل وطني رغم أنهم يدعون جانبا القضية الفلسطينية. وفي محاولة لإقناع جمهور الهدف بصواب مشاركته في الائتلاف الحاكم يكرر منصور عباس تساؤله عن البديل ويتوجه للمشتركة بالسؤال سبق وأسقطنا نتنياهو والآن تريدونني إسقاط نفتالي بينيت فهل نعيد نتنياهو إذن لسدة الحكم؟ ويتهم منصور القائمة المشتركة بالأداء المسرحي وعدم الاهتمام بالمصالح الحقيقية للفلسطينيين في الداخل وبالعبثية وإسقاط كل كنيست وكل حكومة دون جدوى ودون هدف حقيقي. وحتى الآن لم تختلف حكومات الاحتلال المتعاقبة عن بعضها البعض من ناحية الاعتداءات على الأقصى وانتهاك حرمته غير أن الفارق بين حكومة الاحتلال الحالية وسابقاتها يكمن في الحقيقة أنها مدعومة من قبل حزب عربي وهو لا يستطيع التنصل من مسؤوليته هو الآخر عن هذه الاعتداءات على الفلسطينيين ومقدساتهم فإن كانت النتيجة واحدة لكن المشاركة بشكل غير مباشر في الحكومة يعني المشاركة غير المباشرة أيضا في هذه الاعتداءات.
مجرم حرب
وعلى خلفية قرار الموحدة نشر إبراهيم صرصور اليوم صورة جندي إسرائيلي يضرب طفلا فلسطينيا داخل الحرم القدسي وكتب معلقا: “هذا الجندي الصهيوني مجرم حرب لا يستحق هو وحكومته إلا الاحتقار والرمي بالنعال”. وتابع: “من المعلوم ان هذا الجندي لا يمثل نفسه، وهو ليس استثناء، بل هو نموذج يمثل الثقافة السائدة في أوساط المستويين السياسي والأمني بكل أذرعه المختلفة. نعم للانسحاب من الائتلاف الحكومي فورا”.
ويقدر المسؤولون في الائتلاف الإسرائيلي الحاكم أن “الأزمة حول الحرم القدسي لن تؤثر على عمل الحكومة والائتلاف” وأن “تجميد عضوية الموحدة لن يكون له تأثير يذكر إذ أن ذلك يحدث خلال عطلة الكنيست، وستكون هذه الأزمة قد هدأت إلى حين عودة الكنيست من العطلة، وستعود العلاقات مع الموحدة إلى طبيعتها. ونقلت القناة العبرية 12 عن مصادر شاركت في اجتماع مجلس الشورى، قولها إن “أغلب المشاركين في الاجتماع يؤيدون البقاء في الائتلاف ويؤيد منصور عباس تجميد عضوية القائمة مؤقتا”.
لكن هذا ليس بيد الموحدة فحسب ففي حال استمرت الاعتداءات على الفلسطينيين ومقدساتهم وحقوقهم من شأن الحركة الإسلامية الشق الجنوبي دفع الموحدة لإسقاط الحكومة حتى لو رغب منصور عباس أو كل الموحدة البقاء فيها ريثما يتمكن من تحقيق مكاسب للفلسطينيين في الداخل تساعده في الاحتفاظ على شعبية الموحدة ونجاحها في انتخابات على ما يبدو باتت وشيكة. ومنذ عملية تل أبيب تتعامل حكومة الاحتلال ببطش غير مسبوق مع الفلسطينيين في طرفي الخط الأخضر وداخل الحرم القدسي الشريف انتقاما من العمليات الفلسطينية ومحاولة لترميم هيبتها واستعادة ردعها وسط استغلال للتطبيع والصمت العربيين وانصراف أنظار العالم للحرب في أوكرانيا وكيله بمكيالين وهذا كله من شأنه أن يثقل على الموحدة بل أن الخطر يتهدد الأم أيضا، الحركة الإسلامية الشق الجنوبي وليس فقط ذراعها السياسي (الموحدة).
المصدر: “القدس العربي”