قال بوتين يوماً بأنه يأمل بألا يرى في يوم من الأيام شخصاً مجنوناً يجرؤ على إستخدام السلاح النووي. وأضاف حينها مؤكداً بأن روسيا ستواصل تطوير السلاح النووي كعامل ردع وضمان الأمن “لكن نحن لم نلوح يوماً ولن نلوح بهذه العصا النووية”. فهل كان يتخيل، حين قال هذا الكلام العام 2015 في الفيلم الوثائقي الروسي “النظام العالمي”، بأنه سيكون بعد سبع سنوات الشخص الذي يلوح بالسلاح النووي ويضعه في حالة الجهوزية القصوى ليوم القيامة، حسب صحيفة Mk وسواها في ذلك الحين.
من حق البشرية أن تسأل، وهي مهددة بالقيامة التي لا من يَسأل ولا من يُسأل بعدها، عن أسباب بوتين لدعوتها إلى رحلة فنائها هذه. ويؤكد هذا الإفتراض الفيديو الذي إنتشر بعد إحتماع نخبة الكرملين للبصم على قرار سيدها غزو أوكرانيا، ويظهر فيه مسؤول المخابرات الخارجية الروسية سيرغي ناريشكين يقف متلعثماً بين يدي بوتين الذي أمره بالجلوس بعد إنتزاع موافقته على قرار الغزو. وألحق بوتين غزوه بقرار الهيئة الفدرالية للإشراف على الإعلام Roskomnadzor حظر إستخدام كلمة حرب واستبدالها بتعبير “العملية العسكرية الخاصة” في الحديث عن الكارثة الأوكرانية، مما جعل صحيفة Novaya المعارضة تشكو من صعوبة إصدار عددها أمس الإثنين المخصص كله للحرب، لكن من دون ذكر كلمة حرب.
بغض النظر عن السبب المباشر الذي دفع بوتين للرقص على حافة القيامة، سواء كان إعلان رئيسة اللجنة الأوروبية اورسولا فاندر لاين عن إغلاق نظام SWIFT بوجه عدد من البنوك الروسية، أو إصطدامه بمقاومة أوكرانية جعلت حلمه كابوساً باجتياح كييف خلال 72 ساعة، إلا أن الواقعة وقعت على روسيا. المساعدات الغربية المالية والغذائية تتدفق على أوكرانيا، ولأول مرة يفتح الناتو لها مخازن أسلحته ويعد ببحث إنضمامها إليه، ومن أجلها فاجأت ألمانيا العالم بتخليها عن عقدة الذنب التي رافقتها منذ العام 1945 ، وقررت العودة لبناء آلتها العسكرية بوجه تهديدات بوتين، والدول المجاورة تستقبل بسرور الأوكران الفارين من الحرب. أما روسيا بوتين فأطبقت عليها عزلة لم تعرفها أيام الإتحاد السوفياتي، وتحولت إلى دولة منبوذة في العالم تطرد جامعات أوروبية طلابها، ويحظر طيرانها في أوروبا، وتشطب مصارفها من نظام التداول المالي العالمي. وحتى الصين التي “تفهمت هواجسها الأمنية” لم تصوت معها في مجلس الأمن الدولي أمس، وبقي إلى جانبها أصدقاؤها في بيلاروسيا وسوريا وإيران وفنزويلا ونيكاراغوا.
السبت المنصرم قفز السعر الرسمي للدولار من 77 روبلا قبل الغزو إلى 83، وتراوح بين 120 و150 روبلاً في السوق السوداء، حسب مصادر “المدن” في موسكو. وقبل ظهر أمس الإثنين تم التداول بالدولار في السوق السوداء بسعر 120 والرسمي 100 روبل (119 روبلاً حسب رويترز)، وكان سقف سحوبات الدولار من البنك للأفراد يتراوح بين130 و180 دولاراً، حسب المصدر عينه.
طرحت “المدن” سؤالين على المتابع لشؤون الشرق الأوسط في صحيفة NG الروسية إيغور سوبوتين. أجاب بالنفي على السؤال بشأن ما أشيع عن حظر الإعلاميين الروس التواصل مهنياً مع أي موقع إعلامي أجنبي بشأن الحرب على أوكرانيا.
وعن السؤال بشأن تلويح بوتين بالسلاح النووي، قال سوبوتين بأن التهديد باستخدام السلاح النووي برز بشكل طبيعي في سياق تطور الأحداث السريع. وكلما طال أمد الهجوم الروسي، كلما تصاعدت نبرة خطاب الطرفين، وارتفع الإهتمام المحتمل بأدوات الضغط على الطرف المعادي.
ويقول بأنه لا يعتقد أن روسيا قادرة على إستخدام السلاح النووي. فالتصريح المعني للكرملين يبدو وكأنه تحذير للغرب بضرورة البقاء بعيدا عن العمليات الحربية، لأن تدخل الولايات المتحدة أو البلدان الغربية الأخرى لن يتيح الفرصة لموسكو تنفيذ مهماتها العسكرية. لكن الإشارة من بوتين في الظروف الراهنة سوف تؤخذ على محمل الجد، “وهذا ما يبتغيه الزعيم”.
موقع nachedeu الأوكراني نشر في 25 الجاري نصاً بعنوان “روسيا تهاجم أوكرانيا: بوتين يلوح الترسانة النووية”. يقول الموقع بأنه مر زمن طويل منذ أن لوح زعيم عالمي بهذا الشكل المكشوف بالتهديد بإستخدام السلاح النووي، لكن بوتين فعلها بقوله أن لديه سلاحاً رهيباً في حال تجرأ أحد ما على إستخدام الوسائل العسكرية لمحاولة وقف إحتلال روسيا لأوكرانيا.
كان من الممكن أن يكون التهديد فارغاً أو مجرد تكشيرة من الرئيس الروسي، لكن الكل توقف عنده. وأثار هذا رؤى عن نتيجة مروعة لطموحات بوتين في أوكرانيا التي يمكن أن تفضي إلى حرب نووية نتيجة صدفة أو خطأ في التقدير.
يستشهد الموقع بمقطع من كلمة بوتين للشعب الروسي التي أعلن فيها بدء غزو أوكرانيا، وذَكّر بكون روسيا إحدى أقوى الدول النووية، وحذر اي معتد عليها بعواقب وخيمة. ورأى الموقع أن بوتين أدخل في اللعبة إحتمال أن تؤدي العمليات العسكرية الحالية في أوكرانيا إلى مواجهة نووية بين روسيا والولايات المتحدة.
ويقول الموقع بأن هذا السيناريو المروع مألوف لأولئك الذين نشأوا خلال الحرب الباردة، وهي حقبة كان فيها تلاميذ المدارس الأمريكية يختبئون تحت الطاولات حين تطلق صفارات الإنذار النووية. لكن هذا الخطر تلاشى تدريجياً من الخيال العام بعد سقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفيتي، وباتت القوتان تتجهان نحو نزع السلاح والديمقراطية والازدهار.
المؤرخ الروسي الكبير أندريه زوبوف نشر في الأسبوعية الأوكرانية NV في 27 المنصرم نصاً بعنوان “إبتزاز بوتين النووي. كيف سينتهي كل هذا”، وأرفقه بآخر ثانوي “من الواضح أن بوتين لم يتمكن من إحراز أي نجاح في أوكرانيا بالسلاح التقليدي”. يقول المؤرخ أن بوتين اصدر أمراً بفرض السيطرة بأي ثمن على مدينتي كييف وخاركوف، لكن الأمر لم ينفذ ولا يزال العلم الأوكراني يرفرف فوق المدينتين. لافروف صرح بأن لا محادثات مع “الطغمة” الحاكمة في كييف قبل الإستسلام، إلا أنهم ذهبوا إلى المفاوضات دون اية شروط مسبقة. ويستنتج زوبوف بأن هذا يعني أن الأمور في ساحة المعركة وفي الكرملين تسير من سيئ إلى أسوأ.
وبينما ينتظر نتائج المفاوضات مع الأوكرانيين، رفع بوتين الرهان وأخذ يهدد الغرب مجتمعاً بضربة نووية من القوات الإستراتيجية الروسية، أي بالحرب العالمية الثالثة وفناء الحياة على الأرض. وكل هذا من أجل طموحاته المجنونة في إحياء الإتحاد السوفياتي والحؤول دون نزع الشيوعية. ومن المؤكد أن الغرب لن يسمح بترهيبه، لأن أي تنازل للمجنون يعني أمرا واحداً: بعد أوكرانيا ستكون كازخستان، ومن ثم أذربيجان، أرمينيا، مولدافيا وتتبعها بلدان البلطيق، وهكذا دواليك.
الرئيس الأميركي جو بايدن وضع قوات الولايات المتحدة الإسراتيجية في حالة الجهوزية رقم 2، كما فعل يوما ما جون كيندي أثناء الأزمة الكوبية خريف العام 1962.
ويقول زوبوف بأن المعتدي واضح للجميع، ولن يصبح بعد الآن شخصاً مرغوباً به في المجتمع الدولي. بوتين حول نفسه بأعماله المجنونة إلى جثة سياسية، والغرب حازم وموحد، وليس من بديل آخر للحرب النووية سوى إستبدال نخبة بوتين بأخرى مقبولة من العالم وقادرة على خفض توتر الصراع بالتعاون مع الغرب.
ويرى المؤرخ أنه، سواء بإرادته أو ضده، إلا أن ساعة بوتين قد حلت وعليه أن يتخلى عن سلطته بإسم روسيا. وإلا فإن العالم بأسره، وبالدرجة الأولى روسيا، مهدد جدياً ب”الموت المحتم”.
المصدر: المدن