هيئة تحرير الشام مستمرة في ارتكاب أنماط متعددة من انتهاكات حقوق الإنسان، بشكل رئيس في مراكز الاحتجاز التابعة لها. حيث قالت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في تقريرها الصادر اليوم عن أبرز انتهاكات هيئة تحرير الشام منذ تأسيس جبهة النصرة حتى الآن، إنَّ هيثة تحرير الشام مستمرة في ارتكاب أنماط متعددة من انتهاكات حقوق الإنسان، بشكل رئيس في مراكز الاحتجاز التابعة لها، وقد وثَّق التقرير مقتل ما لا يقل عن 505 مدنياً على يد الهيئة بينهم 71 طفلاً و77 سيدة، و28 بسبب التعذيب، إضافة إلى ما لا يقل عن 2327 شخصاً لا يزالون قيد الاحتجاز التعسفي أو الاختفاء القسري لدى الهيئة.
أوردَ التقرير – الذي جاء في 62 صفحة- خلفية موجزة عن هيئة تحرير الشام، وتحدث عن واقع الحقوق والحريات في المناطق الخاضعة لسيطرتها، كما فصَّل في النظام القضائي وجهاز الحسبة لدى الهيئة، وتحدّث عن مراكز الاحتجاز التابعة لها، إضافة إلى أساليب التعذيب التي تمارس في هذه المراكز، وقدَّم التقرير حصيلة لأبرز انتهاكات هيئة تحرير الشام منذ الإعلان عن تأسيس جبهة النصرة في سوريا في كانون الثاني 2012 حتى نهاية عام 2021.
اعتمد التقرير بشكل رئيس على ما يقوم به فريق الشبكة السورية لحقوق الإنسان من عمليات رصد وتوثيق يومية مستمرة لانتهاكات قامت بها جبهة النصرة، التي أصبحت هيئة تحرير الشام، مشيراً إلى تغيُّر كبير في مناطق السيطرة التي خضعت لكل من جبهة النصرة/ جبهة فتح الشام/ هيئة تحرير الشام منذ عام 2012، ونوَّه إلى أن معظم حوادث الانتهاكات قد تركزت في الأجزاء التي خضعت للهيئة من محافظتي إدلب وحلب على اعتبار أنهما قد خضعتا لسيطرة الهيئة لحقب زمنية أطول مقارنة مع مناطق في محافظات أخرى مثل دير الزور أو حماة أو ريف دمشق. واستندت منهجية التقرير إلى المقابلات التي تم عقدها مع شهود وناجين وذوي ضحايا ونشطاء محليين ومحامين وعاملين في القضاء، وعناصر سابقون في فصائل المعارضة، وقد بلغ عدد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم لإنجاز التقرير قرابة 85 شخصاً، واستعرض التقرير 22 رواية كعينة نوعية. وقد عنيَ التقرير بجانب احترام القانون الدولي الإنساني أثناء المعارك مع خصم على خلفية النزاع المسلح الداخلي، كما ركز بشكل أوسع على الحقوق والحريات الأساسية للأفراد المحكومين بسيطرة هيئة تحرير الشام، وقال التقرير إن السيطرة ليست مجرد هيمنة عسكرية وتحكم بموارد اقتصادية، ولعب دور سياسي، ولكن الأهم من كل ذلك هو احترام حقوق الإنسان للسكان في المناطق الخاضعة للسيطرة، ومن هذا الاحترام تنبع الشرعية الداخلية وليس من مجرد القوة والهيمنة العسكرية.
وطبقاً للتقرير فإن الجهاز القضائي لدى الهيئة مكوَّن من أجهزة قضائية عديدة، تكاد تكون منفصلة عن بعضها البعض ولا يوجد تنسيق بينها، كما أنه لا يستند إلى أحكام ولوائح قضائية محددة ومعروفة، ويعتمد بشكل رئيس على التعاميم والتعليمات الوزارية التي تعتبر بمثابة قانون ينظم عمل المحاكم، ولا يوجد قانون للإجراءات الناظمة لعمل المحاكم “قانون أصول المحاكمات”. ويعتمد في كثير من المناصب الإدارية والقضائية على طلاب العلوم الدينية أو طلاب الحقوق، وهؤلاء الطلاب من المنتسبين لهيئة تحرير الشام، أو الخاضعين لها بالولاء التام؛ مما يعني انعدام استقلالية وكفاءة القضاء لدى هيئة تحرير الشام.
سجل التقرير منذ مطلع عام 2012 حتى كانون الأول/ 2021 مقتل ما لا يقل عن 505 مدنياً بينهم 71 طفلاً و77 سيدة على يد هيئة تحرير الشام، وبحسب رسم بياني عرضه التقرير فقد توزعت حصيلة القتل هذه بحسب طبيعتها إلى: 371 مدنياً بينهم 69 طفلاً و67 سيدة قتلوا عبر الأعمال القتالية غير المشروعة، فيما قتل 28 بينهم 2 طفلاً بسبب التعذيب وإهمال الرعاية الصحية، وقتل 106 بينهم 10 سيدات عبر الإعدام من خلال إجراءات موجزة وتعسفية. وأظهرَ تحليل البيانات أنَّ عام 2014 كان الأسوأ من حيث حصيلة ضحايا القتل خارج نطاق القانون، يليه عام 2013 و2015 بنسبة متساوية، ثم 2019. ووفقاً لرسم بياني أورده التقرير لتوزع ضحايا القتل خارج نطاق القانون على يد الهيئة تبعاً للمحافظات التي ينتمون إليها، فقد تصدرت محافظة إدلب بقية المحافظات بقرابة 35 % من حصيلة الضحايا المسجلة، تلتها حمص ثم حلب ثم حماة.
وطبقاً للتقرير فإن ما لا يقل عن 2327 شخصاً بينهم 43 طفلاً و44 سيدة (أنثى بالغة) لا يزالون قيد الاحتجاز التعسفي أو الاختفاء القسري لدى هيئة تحرير الشام منذ الإعلان عن تأسيسها مطلع عام 2012 حتى كانون الأول/ 2021، تحول ما لا يقل عن 2103 منهم، بينهم 19 طفلاً و28 سيدة، إلى مختفين قسرياً. ووفقاً للمؤشر التراكمي لهذه الحصيلة فإنَّ عام 2015 كان الأسوأ، يليه عام 2018 ثم 2019 ثم 2017. وقد أوردَ التقرير رسماً بيانياً لحصيلة المحتجزين/ المختفين قسرياً لدى هيئة تحرير الشام تبعاً للمحافظات التي ينتمون إليها، أظهر أن محافظة إدلب تتصدر بقية المحافظات بقرابة 67 %، تليها حلب ثم حماة ثم ريف دمشق.
قال التقرير إن هيئة تحرير الشام تتبع سياسة ماكرة تقوم على استدعاء النشطاء المعارضين والمتظاهرين، والمنتقدين لسياسة حكومة الإنقاذ والأخطاء التي ترتكبها، حيث يجري التحقيق معهم، بهدف احتوائهم عن طريق الترغيب أو التهديد، وهذه المرحلة تعتبر بمثابة إنذار وتهديد، وتتجنب من خلالها الهيئة نهج الاحتجاز المفاجئ، وتكون بمثابة ذريعة أمام المجتمع وأمام ذوي الناشط، وقد تركَّز هذا التكتيك بحق النشطاء البارزين والشخصيات الاجتماعية بشكل أساسي، أما المدنيين العاديين الذين لا يثير اعتقالهم أي رد فعل، فتقوم الهيئة باعتقالهم مباشرة، دون اللجوء إلى هذه المرحلة التمهيدية، التي يتخللها الطلب من الناشط التعهد بعدم تكرار ما قام به، وتقديم اعتذار عنه، وطلب الرحمة، وغالباً ما يرضخ الشخص المستدعى، ويدفع غرامة مالية، قد تترافق مع سجن بضعة أيام، وإيقاف عن مزاولة مهنته، وجميع ذلك مقابل عدم احتجازه/ إخفائه قسرياً لسنوات. وفي هذا السياق سجل التقرير ما لا يقل عن 273 حالة استدعاء/تهديد وجهت من قبل هيئة تحرير الشام منذ عام 2017 حتى كانون الأول/ 2021، وقد تبين أن هناك تنسيقاً بين مختلف الأجهزة الأمنية والمؤسسات المدنية والقضائية التي أنشأتها هيئة تحرير الشام (والتي تنكر صلتها بها) لتنفيذ هذه الاستدعاءات/التهديدات.
رصد التقرير ما لا يقل عن 46 مركز احتجاز دائم تابع لهيئة تحرير الشام في شمال غرب سوريا، في محافظة إدلب وريف محافظة حلب الغربي وريف اللاذقية. وقدر التقرير أنَّ مراكز الاحتجاز هذه تضمُّ قرابة 2327 محتجزاً/مختفٍ قسرياً، العشرات منهم قضوا مدد احتجاز طويلة قد تصل إلى خمس سنوات، وتحول الغالبية العظمى منهم إلى مختفين قسرياً، كما تتعرض الغالبية العظمى منهم لشكل من أشكال التعذيب. إضافة إلى ما لا يقل عن 116 مركز احتجاز مؤقت، تجري فيها عمليات التحقيق والاستجواب. وقدَّم التقرير عرضاً مفصلاً لأبرز هذه المراكز.
وطبقاً للتقرير فإن هيئة تحرير الشام تستخدم أساليب تعذيب متعددة ضمن مراكز الاحتجاز التابعة لها، وتشابهت إلى حدٍّ ما مع أساليب التعذيب التي يمارسها النظام السوري في مراكز احتجازه، وعرض التقرير 22 أسلوب تعذيب من أبرز الأساليب التي تميزت بها هيئة تحرير الشام، وقام بتوزيعها ضمن ثلاثة أصناف رئيسة وهي: 13 من أساليب التعذيب الجسدي، و8 أساليب تعذيب نفسي، وأعمال السخرة. وعرض رسومات تحاكي أساليب التعذيب هذه.
تحدث التقرير عن أن المرأة السورية تعاني في مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام من التمييز السلبي تجاهها بشكل عام، وتزداد معاناتها أضعافاً مضاعفة إذا كانت عاملة أو ترغب أن تعمل في الشأن العام، أو في منظمات المجتمع المدني أياً كانت، إعلامية، إغاثية، سياسية، وقد وثق التقرير تعرض العديد من النساء اللواتي انخرطن في الشأن العام، للتضييق والترهيب لدفعهن إلى التخلي عن عملهن، وفي سياق متصل سجل التقرير ما لا يقل عن 108 حوادث استهدفت النساء فيها على خلفية عملهن أو على خلفية معارضتهن لممارسات هيئة تحرير الشام، منذ بداية عام 2014 حتى كانون الأول/ 2021.
أكد التقرير أن هيئة تحرير الشام طرف عسكري أساسي من أطراف النزاع المسلح الداخلي في سوريا، ويتوجب عليها أن تلتزم بالقواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني، كما أنها سيطرت على مناطق واسعة منذ تأسيسها حتى الآن، ويتوجب عليها كقوة مسيطرة ذات هيكلية وكيان سياسي أن تلتزم بمبادئ القانون الدولي لحقوق الإنسان. وقال إنها انتهكت في العديد من عمليات القصف مبادئ التمييز والتناسب، وتسبَّبت بعض الهجمات في وقوع خسائر مادية وبشرية، وتشكل الهجمات العشوائية على المناطق المأهولة بالسكان انتهاكاً فظيعاً للقانون الدولي الإنساني.
كما ارتكبت هيئة تحرير الشام انتهاكات واسعة للقانون الدولي لحقوق الإنسان بحق الأهالي في المناطق الخاضعة لسيطرتها عبر عمليات الخطف والاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، وعبر الأحكام الجائرة الصادرة عن محاكم لا ترقى بأي حال من الأحوال إلى القواعد الأساسية للمحاكمات العادلة.
طالب التقرير مجلس الأمن بعدم تأخير إنجاز حل النزاع في سوريا لأن ذلك سوف يساهم في تعزيز قوة هيئة تحرير الشام ونشر الفكر المتطرف الناتج عن استمرار الاستبداد وانتهاكات حقوق الإنسان. واتخاذ خطوات جدية لإنهاء النزاع في سوريا بما في ذلك وضع جدول زمني صارم لعملية الانتقال السياسي وفقاً لقرار مجلس الأمن 2254، كونها ما زالت تراوح مكانها منذ بيان جنيف واحد حزيران/2012 حتى الآن.
كما أوصى المجتمع الدولي والدول المؤثرة بدعم منظمات المجتمع المدني الحيوية في مناطق الشمال السوري، التي تقف في وجه التَّنظيمات المتطرفة عبر نشر الوعي وتقديم الخدمات. ودعم تشكيل جهاز شرطة محلية قوي ومتماسك للدفاع عن الأهالي من حالات الخطف والاعتداءات؛ ما يُمهد لحالة من الاستقرار والأمان النسبي.
كما طالب بتصنيف المنظمات المتطرفة الشيعية الإيرانية والعراقية وغيرها، والمدعومة من دولة إيران بشكل علني، على قوائم الإرهاب، واستهدافها والتضييق عليها جنباً إلى جنب مع التنظيمات الإسلامية المتشددة.
المصدر: الشبكة السورية لحقوق الانسان