جاءت مطالبة مجلس الشعب التابع للنظام السوري باستعادة لواء اسكندرون، من خلال جيش النظام، أي بالقوة العسكرية، كواحدة من الأكاذيب الوقحة التي يحاول النظام أن يقفز من خلالها على الوضع السياسي الذي أوصل إليه البلاد، وأدخل إليها كل أنواع القوات الأجنبية، سواء تلك التي دخلت لمنع سقوطه، أو التي دخلت لحماية المدنيين من بطشه.
فلواء اسكندرون تنازل عنه الانتداب الفرنسي لتركيا عام 1939، وقام نظام حافظ الأسد بتثبيت هذا التنازل بموجب اتفاق أضنة عام 1998، والذي نص في أحد بنوده على أنه “اعتباراً من الآن يعتبر الطرفان أن الخلافات الحدودية بينهما منتهية وأن ليس لأي منهما أي مطالب أو حقوق مستحقة في أراضي الطرف الآخر”. كما تم تثبيت هذا الاعتراف باتفاقية منطقة التجارة الحرة بين سورية وتركيا عام 2004، في عهد بشار الأسد، ومنذ ذلك التاريخ وكل وزارات الدولة في حكومة النظام تعتمد خرائط لا تتضمن لواء اسكندرون، بعكس ما ادعت وكالة “سانا” أخيراً بأن “لواء اسكندرون لم يختفِ عن خريطة سورية طوال العقود الماضية”.
في عام 2010 قمتُ بنشر صورة لخريطة سورية على غلاف صحيفة اقتصادية كنت أعمل مدير تحرير فيها، كانت وزارة الإسكان قد زودتنا بها في ذلك الوقت، ولم تكن الخريطة تضم لواء اسكندرون كجزء من سورية. تم استدعائي من قبل مدير الرقابة على المطبوعات في وزارة الإعلام ليخبرني أنه سيمنع العدد من الصدور، وعندما أخبرته أن مصدر الخريطة هو وزارة الإسكان، قال: أعلم ولكننا لا نسمح بنشر خريطة ليس فيها لواء اسكندرون على غلاف صحيفة سورية، فأجبته بأنني سأضع خريطة على غلاف الصحيفة تضم اللواء كجزء من سورية، ليرد بأن ذلك لا يجوز لأن الخارجية التركية قد تعترض على الأمر. وقال لي: إذا كنت مضطراً لنشر خريطة لسورية فضع مكان لواء اسكندرون مزهرية أو أي شيء بحيث لا يظهر اللواء أنه لسورية أو لتركيا.
طريقة النظام في طرح شعار استعادة لواء اسكندرون تتشابه مع كل الشعارات الكبرى التي يطرحها ويعمل بعكس مضمونها، بدءاً من شعار الحرية الذي يُردَد صباح كل يوم في المدارس في الوقت الذي يعاقب بالقتل كل من يطالب به، وشعار المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، في الوقت الذي يقوم فيه النظام بدور حماية الحدود، وصولاً إلى شعارات السيادة الوطنية وغيرها.
الأولى بالنظام أن يطالب بخروج القوات التي دخلت سورية خلال حكم بشار الأسد وأن يجد مخرجاً قانونياً لتنازله عن لواء اسكندرون بدلا من إطلاق تهديد أشبه بالنكتة لاستعادة اللواء بقوة جيشه المنهار.