زيارة وزير الخارجية الإماراتية، الشيخ عبدالله بن زايد، إلى سوريا هذا الأسبوع أحدثت صخبا إعلاميا وسياسيا، رغم أنها بالشكل والمضمون والتوقيت ليست مفاجئة وتعتبر خلاصة لمنعطف سياسي قامت به الإمارات في السنوات الأخيرة.
الزيارة ولقاء الشيخ عبدالله بالرئيس السوري بشار الأسد، لا بد أن يكونا محط جدل. فتاريخ نظام الأسد الدموي من الأب إلى الابن والدمار الذي ألحقته استراتيجية بشار الأسد بسوريا وتشريعها أبواب دمشق أمام إيران وحزب الله ومرتزقة من أفغانستان إلى الشيشان، يختلف بالجوهر عن تاريخ الإمارات وما بناه وأسسه الشيخ زايد وأبناؤه وجعل البلاد واحة استقرار ورخاء اقتصادي وانفتاح اجتماعي ومدني يواكب حداثة القرن الواحد والعشرين.
من هنا اللقاء ليس احتضانا للأسد وتاريخه السياسي، بل ضرورة استراتيجية وسياسية تمضي بها الإمارات ومعها الأردن والعراق ومصر في سوريا ولأسباب عدة بينها:
1- خيارات محدودة عموماً للخارج في سوريا بعد فوز النظام بحرب قتلت نصف مليون سوري وهجرت وشردت الملايين. البديل عن الإقرار بهذا الواقع هو استكمال الحرب فيما المعارضة مفتتة، وتطرف داعش وأحرار الشام قضى على الأفق المعنوي لإعادة تأهيلها.
2- وحدة سوريا الجغرافية والخوف من دخول تركيا شمالا، وصعود الإسلاميين هو أيضا في حسابات الإمارات والأردن ومصر وغيرهم ممن فتحوا قنوات ديبلوماسية وأمنية مع النظام.
3- قياس التهديدات وما تطمح له الإمارات إقليميا: وهنا دعم الأنظمة ومنع تفكك الدول المركزية هو طريق ترى في أبوظبي الوسيلة الوحيدة لمنع صعود الحركات الميليشياوية. ولذلك يبدو الأسد أو أيا كان على رأس السلطة في سوريا خيارا مفضلا على حركات مسلحة ترى فيها دول الجوار خطرا على استقرارها.
4- العامل الاقتصادي وما يعنيه الانفتاح على سوريا في حال لحق ذلك تسوية سياسية والدخول بمرحلة إعادة الإعمار وبناء البنية التحتية وتحديث سوريا بشكل تردد بالقيام به حافظ الأسد، وحاول بشار الأسد المضي به قبل الانزلاق بخيار الحرب.
٥- العامل الخارجي والدور الذي لعبته روسيا منذ دخولها سوريا في 2015، بتقريب وجهات النظر بين الأسد ودول الخليج وليس فقط الإمارات.
دبلوماسية الإمارات في سوريا مسارها مبن على إعادة دعم الدولة المركزية ودخول أبوظبي كعراب اقتصادي ودبلوماسي في دمشق، وهو مسار عمره أكثر من ثلاث سنوات بعد اعادة فتح القنصلية الإماراتية في 2018، وعودة المحادثات الأمنية والاقتصادية.
دعم الدولة المركزية سيكون على حساب الميليشيات في حال قرر الأسد مواجهتها. وهنا الحكمة الدبلوماسية لرونالد ريغان “الثقة تحتاج إلى برهان”. فالأسد الابن راوغ لسنوات في هذا الملف حتى قبل الحرب، وكان يقول للعراقيين وللأميركيين إنه سيوقف تسلل الانتحاريين إلى بغداد عبر حدوده فيما الطائرات المحملة بالجهاديين كانت تصل إلى دمشق.
الكثير تغير منذ 2003، ونظام الأسد هو أضعف بكثير مما كان عليه وتحت وصاية روسية وإيرانية إنما الخروج منها يتطلب درجة عالية من الوضوح والبرهان من الأطراف العربية في التعامل مع الأسد.
الخطوات التالية التي ستلحق زيارة الشيخ عبدالله إلى دمشق سترتكز على الشأن الاقتصادي والإنساني بدون المجازفة بخرق العقوبات. ما بعد ذلك يتطلب تسوية سياسية في سوريا، تفتح الباب أمام مصالحة والعودة إلى الجامعة العربية في قمة الجزائر الربيع المقبل.
المصدر: الحرة. نت