أبدى الأردن الرسمي، قلقاً واهتماماً كبيرين بمحاولة الاغتيال الفاشلة التي طالت رئيس الحكومة العراقية مصطفى الكاظمي، الذي تنظر إليه عمّان باعتباره شريكاً سياسياً مهماً، كونه عراب الاتفاق الذي أفضى إلى تحالف إقليمي وثيق تحت مسمى “الشام الجديد”، والضامن الوحيد له.
يأتي ذلك في موازاة تقديرات أمنية أردنية نظرت بقلق بالغ لمحاولة استهداف الكاظمي، على أنها استهداف للمصالح الأردنية في المنطقة، ومحاولة لنسف التفاهمات مع المملكة، والاضرار بالتحالف القائم بين عمّان وبغداد والقاهرة، من قبل تيارات سياسية وميليشيات عراقية محسوبة على إيران.
إدانة برسائل سياسية
ودان الملك الأردني عبد الله الثاني الحادثة بلهجة غير مسبوقة في مواقفه الرسمية، بما يظهر الاهتمام الأردني البالغ بالتطورات العراقية المتلاحقة، فالعبارات التي وردت على لسان العاهل الأردني، حسب تصريح رسمي صادر عن الديوان الملكي، بعد اتصال هاتفي بينه وبين الكاظمي، ودان فيها محاولة “الاغتيال الإرهابية الجبانة التي تعرض لها الكاظمي”، تظهر اهتمام الأردن باستكمال وإنجاح مشروع شريكه السياسي والأمني والاقتصادي باعتباره مصلحة أردنية خالصة.
العاهل الأردني تعمد ذكر وقوف الأردن وتضامنه الكامل مع العراق، في دعم أمنه واستقراره، وجهود الحكومة العراقية في مواصلة الحرب على الإرهاب، في إشارة الى الميليشيات المدعومة والمقربة من إيران.
دحر الإرهاب
في موازاة ذلك، كان وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي يصدر عبر “تويتر” تصريحاً يدين ويستنكر محاولة اغتيال الكاظمي باللهجة الرسمية نفسها التي ضاقت ذرعاً بمحاولات التيارات المحسوبة على إيران تخريب العلاقات العراقية الأردنية.
وفي إشارة إلى تدخلات إيران في العراق، قال رئيس الحكومة بشر الخصاونة في معرض إدانته محاولة اغتيال الكاظمي، إن الأردن يريد أن يستعيد العراق دائماً دوره الطليعي ليس فقط في محيطه العربي، وإنما على الساحة الدولية، ولكي يتم دحر الإرهاب الذي يستهدف العراق وشعبه، وأي محاولة لجرّه ليصبح ساحة لتصفية الحسابات والصراعات التي لا علاقة للعراق وشعبه وقياداته السياسية الوطنية بها.
خطر الطائرات المسيّرة
كلمة السر الأبرز في المخاوف الأردنية بعد محاولة اغتيال الكاظمي، هي، “الطائرات المسيرة” الإيرانية الصنع، وهي المفردة ذاتها التي حذر منها العاهل الأردني، في معرض حديثه عن الخطر الإيراني لشبكة “سي إن إن” في يوليو (تموز) الماضي، حيث كشف في حينه عن تعرض بلاده للهجوم بطائرات من دون طيار إيرانية الصنع، وحذر مجدداً من الخطر الإيراني على المنطقة بخاصة الصواريخ الباليستية، وسبق له أن تحدث قبل نحو عقد من الزمن عن خطر “الهلال الإيراني”.
خدمات وخبرات أمنية
في الأثناء، تحدثت مصادر عن عرض الأردن خبراته الأمنية على الكاظمي بخاصة في ما يتعلق بمهمة الحماية الشخصية له، ويراهن الأردن كثيراً على بقاء رئيس الوزراء العراقي، ودوره في إنجاح واستدامة مشروع التكامل الثلاثي بين الأردن والعراق ومصر.
ولا يسعى الأردن إلى التوغل أكثر في الملف العراقي، أو التورط في تعقيداته، لكنه يحاول ما أمكن الحفاظ على مصالحه التي تشكل محاولة اغتيال الكاظمي أحد وجوهها، فالاتفاقيات التجارية الأخيرة مع بغداد شكلت طوق نجاة للاقتصاد الأردني، تحديداً في ما يخص تصدير الكهرباء، والحصول على النفط بأسعار تفضيلية.
التقديرات الأردنية أن ثمة من يخطط لخلط الأوراق في العراق، وأن أي إخفاق أمني استخباري في احتواء ارتدادات ذلك، قد ينقلب سلباً على الساحة الأردنية، الأمر الذي دفع عمّان لعرض تقديم خدماتها الأمنية المتقدمة في هذا الملف تحديداً، وهو ما يعني أن الأردن بات أقرب لمواجهة إيران في العراق استخبارياً.
وسبق لرئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة أن أطلق في عمّان تصريحات لافتة خلال لقائه وفداً أمنياً عراقياً برئاسة وزير الداخلية عثمان الغانمي، بقوله إن أمن العراق جزء لا يتجزأ من أمن الأردن.
التقارب الأردني العراقي يهدد إيران
وتشير القراءات الأردنية الأولى إلى أن من بين اهداف محاولة اغتيال الكاظمي هو مشروع “الشام الجديد” الذي بات يزعج إيران ويهدد نفوذها في العراق، لا سيما بعد دعوة بغداد عمّان للمشاركة في إعادة الإعمار، وتخشى إيران من أن يؤدي هذا المشروع، وهو تحالف أمني اقتصادي بين الأردن والعراق ومصر إلى إعادة بغداد الحضن العربي مجدداً، وترصد طهران بقلق التحركات التي تجريها مستويات عدة في صنع القرار بالأردن في صفوف الأحزاب العراقية حتى تلك المقربة منها والمحسوبة عليها على قاعدة “العروبة” أولاً.
ومن شأن هذا المشروع أن يطيح برغبة إيران بالانفراد بإعادة إعمار العراق، حيث ستتولى شركات مصرية وأردنية هذه المهمة، بعد أن احتكرت إيران، لسنوات، تصدير مواد البناء وحديد التسليح إلى العراق.
المصدر: اندبندنت عربية