لا يزال الترقب سيّد الموقف في الشمال السوري، مع تضارب الأنباء حول عملية عسكرية واسعة النطاق تلوّح بها أنقرة تستهدف “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في مناطق نفوذها، إما في غربي الفرات، أو شرقه، حيث تشير كل المعطيات إلى أن هذه العملية لن تبدأ قبل حصول توافقات دولية حولها، كي لا تختلط أوراق الصراع في منطقة تضم كل اللاعبين الكبار في الجغرافيا السورية. وتبدو كل الاحتمالات واردة، مع حديث قياديين في فصائل المعارضة السورية المرتبطة بالجيش التركي، أول من أمس الإثنين، عن أن ساعة الصفر اقتربت للبدء في عمل عسكري، إما يستهدف تل رفعت في ريف حلب الشمالي، غربي الفرات، أو بلدتي عين عيسى أو تل تمر في شرقي نهر الفرات.
من جهته، يؤكد النظام السوري، عبر وسائل إعلامه، أن قواته لن تقف متفرجة، في حال توغل الجيش التركي من جديد في الأراضي السورية، حيث أشارت صحيفة “الوطن”، أمس الثلاثاء، إلى أن “حافلات تقل عشرات الجنود من الجيش العربي السوري، وصلت إلى اللواء 93 في عين عيسى، قادمة من مدينة الطبقة في ريف الرقة، بعد يوم واحد من تعزيزات مماثلة قدمت إلى تل تمر، تحسباً لاندلاع معارك في المنطقتين لمواجهة جيش الاحتلال التركي ومليشياته”، وفق الصحيفة. ونقلت “الوطن”، عن “خبراء عسكريين”، قولهم إن “إصرار قوات الجو الروسية على إجراء مناورات وتدريبات عسكرية جوية وبرية، وبالذخيرة الحيّة، في بلدتي تل تمر إلى عين عيسى، دليل على تمسكها بالمنطقتين الاستراتيجيتين الواقعتين على عقدة طرق في طريق أم 4 الدولي”، مستبعدين تخلي موسكو عن أي جزء من هذا الطريق.
ويبدو أن هذا الطريق، الذي يبدأ من الساحل ويمر عبر محافظة إدلب وصولاً إلى حلب، ومنها إلى الحسكة، يعد هدفاً للجانبين الروسي والتركي، كونه من أهم الطرق الحيوية في البلاد، فهو الشريان الاقتصادي الأبرز، وخصوصاً في شرق الفرات الغني بالثروات. ويتجه “أم 4” من مدينة حلب إلى مدينة الباب في ريف حلب الشمال الشرقي، ومن ثم إلى منبج، كبرى المدن في ريف حلب، حيث يمر بالقرب منها ويقطع نهر الفرات عبر جسر قرة قوزاق، ليدخل منطقة شرقي نهر الفرات.
في هذه الأثناء، يعتمد الجيش التركي على فصائل المعارضة السورية المرتبطة في العمليات العسكرية ضد “قسد”، وهي أي هذه الفصائل، تؤكد أنها جاهزة لشنّ عمليات قتالية ضد هذه القوات في أي وقت. وكانت “الجبهة السورية للتحرير”، وهي تشكيل عسكري معارض جديد نشأ من اندماج فصائل سورية عدة، أجرت منذ أيام استعراضاً لقوتها في ريف حلب الشمالي، لتأكيد استعدادها لأي معركة مقبلة يريدها الجانب التركي. وأكد النقيب عبد السلام عبد الرزاق، وهو قيادي في هذه الفصائل، لـ”العربي الجديد”، أن “الأمر معقد في الشمال السوري”، مستبعداً حصول أي عملية خلال الأيام القليلة المقبلة “على الرغم من الجهوزية الكاملة”. ورأى عبد الرزاق أن “البدء في المعركة متوقف على القرار السياسي والتغطية لها، وإن حصلت، فالأرجح أنها ستكون في اتجاه منطقة منّغ في ريف حلب الشمالي، والخاضعة حالياً لقوات قسد”.
بدوره، استبعد الباحث السياسي في مركز “عمران” للدراسات، نوار شعبان، أن “تقدم تركيا على عمل عسكري في الوقت الراهن في الشمال السوري، على الرغم من أن المعطيات الظاهرة تشير إلى تصعيد في إدلب وريف حلب وشرقي الفرات”. وأضاف شعبان: “لم يتوقف النقاش بين موسكو وأنقرة حول مجمل الملفات الخاصة بالشمال السوري”، مشيراً إلى أن “ما يجري هو استعراض قوة من قبل الجانبين”. وأكد أن أنقرة أبلغت الفصائل العسكرية المعارضة منذ نحو شهر أن تكون مستعدة للقيام بعمل عسكري، ولكنها لم تحدد يوماً معيناً للبدء به. وبيّن شعبان أن “بعض المواقع الإخبارية المرتبطة بالجانب الروسي، نشرت أن العملية التركية تبدأ (اليوم) الثلاثاء، بهدف الضغط على قسد لتقديم مزيد من التنازلات”، معتبراً أنه “لولا التفاهمات بين الروس والأتراك، لكانت خريطة الشمال السوري مختلفة تماماً”. وأعرب عن اعتقاده بأن “العمل العسكري سيحدث، ولكن ليس الآن، وحجمه وهدفه غير معلوم، فالمعطيات تتغير كل يوم، والأمر كلّه مرهون بنتيجة التفاهم الروسي – التركي”.
وكان الجانب الروسي أجرى يومي الأحد والإثنين الماضيين، مناورات بالذخيرة الحيّة مع قوات النظام أولاً في ريف الحسكة الشمالي الغربي، ولاحقاً مع قوات “قسد”، ليس بعيداً عن خطوط التماس مع فصائل المعارضة السورية التي تسيطر على منطقة تل أبيض ورأس العين في شرقي الفرات، وتتحفز لشنّ عمل عسكري جديد ربما باتجاه عين عيسى أو تل تمر.
وفي السياق، نفى أحمد الخبيل أبو خولة، قائد “مجلس دير الزور العسكري” التابع لـ”قسد”، والمسيطر على ريف دير الزور الشرقي، في تصريحات صحافية، الأنباء التي أشارت إلى أن المجلس سمح للنظام السوري والقوات الروسية بالانتشار في هذا الريف الذي يضم قاعدة أميركية كبرى في حقل العمر النفطي. وأكد أبو خولة، أنه لا يوجد أي اتفاق بينهم وبين النظام وروسيا، على نشر قوات لهما في شمال نهر الفرات، موضحاً أن الرتل العسكري الذي دخل أخيراً إلى المنطقة تابع مسيره إلى ريف الرقة الشمالي، مؤكداً أن مهمة القوات الروسية تنحصر في هذا الريف فقط.
في غضون ذلك، يتواصل مسلسل الاغتيالات في محافظة درعا، جنوبي سورية، رغم انتهاء عمليات التسوية بين النظام وأهالي مدن وبلدات المحافظة. وذكر “تجمع أحرار حوران”، أن مسلحين مجهولين اغتالوا أمس الثلاثاء، ضابطاً في قوات النظام في بلدة الصورة في ريف درعا الشرقي، حيث كان يقضي إجازة.
إلى ذلك، تحدثت مصادر محلية عن مقتل عضو في لجان التسوية والمصالحة التابعة للنظام السوري في درعا، جراء هجوم بطلق ناري من مجهولين في بلدة ناحتة بريف درعا الشرقي. وقال الناشط محمد الحوراني، لـ”العربي الجديد”، إن عضو لجان المصالحة والتسوية حامد اسماعيل الدرعان، قضى أول من أمس الإثنين، متأثراً بجروحه الخطيرة، جراء استهدافه بطلق ناري في بلدة ناحتة بريف درعا الشرقي. وأشار الناشط الحوراني إلى أن مجهولين أطلقوا النار على المنزل بشكل مباشر، موضحاً أن الدرعان كان من أعضاء اللجنة التي فاوضت النظام السوري خلال عملية التسوية الأخيرة في البلدة. وأحصى “تجمع أحرار حوران”، أخيراً، 32 عملية ومحاولة اغتيال بين بداية شهر سبتمبر/أيلول وحتى أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضيين، أدت إلى وقوع 27 قتيلاً، بالإضافة إلى إصابة سبعة أشخاص ونجاة تسعة.
المصدر: العربي الجديد