لم تتراجع حدة التوتر بين تركيا و”قوات سورية الديمقراطية” (قسد) في غرب الفرات وشرقه، ما دفع أنقرة للتلويح بخطوة رادعة تجاه هذه القوات التي نفت ضلوعها في عمليات القصف التي تطاول جنوداً أتراكاً ومناطق سكنية في منطقة درع الفرات في ريف حلب الشمالي. وانعكس هذا التصعيد في المواقف السياسية التركية المنددة بـ”عدم التزام الولايات المتحدة وروسيا بتعهداتهما في الشمال السوري”. وجدد الجيش التركي، أمس الأربعاء، قصفه مواقع “قسد” على أكثر من محور في شمال سورية. وكشفت مصادر محلية أن القصف استهدف مواقع لـ”قسد” في محور المشيرفة وجهبل وصوامع عين عيسى والطريق الدولي في ناحية عين عيسى في ريف الرقة الشمالي، في منطقة شرقي الفرات. كما قصف الأتراك مواقع في جنوب عفرين وشمالي بلدة تل رفعت بريف حلب الشمالي، الواقعة تحت سيطرة “الوحدات الكردية”، العماد الرئيسي لـ”قسد”. وأوضحت المصادر أن طيران الاستطلاع التركي والطيران الحربي المسيّر حلّقا فوق مناطق عديدة، من منبج غربي نهر الفرات، وعين العرب في شرقه، وصولاً إلى ناحية تل تمر في ريف الحسكة، في أقصى الشمال الشرقي من سورية.
وتأتي التطورات الميدانية، عقب مقتل شرطيين من أفراد المهام الخاصة التركية، جراء هجوم شنّته، يوم الإثنين الماضي، جماعة تطلق على نفسها اسم “قوات تحرير عفرين” في ريف حلب الشمالي. لكن وزير الداخلية التركي سليمان صويلو، اتهم حزب “العمال الكردستاني”، وفرعه السوري “الاتحاد الديمقراطي”، بالهجوم الذي نُفّذ بصاروخ موجّه انطلاقاً من منطقة تل رفعت بريف حلب الشمالي، واستهدف مدرعة تركية في منطقة عملية “درع الفرات” بين مدينتي مارع وأعزاز. كما قُتل جندي من القوات التركية يوم الخميس الماضي، وجُرح آخرون، إثر قصف استهدف قاعدة عسكرية للجيش التركي في منطقة “درع الفرات” الواقعة تحت سيطرة “الجيش الوطني السوري” المعارض، شمال شرقي محافظة حلب. وفي سياق التلويح التركي بالقيام بخطوة رادعة لـ”قسد”، قال وزير الخارجية التركي مولود جاووش أوغلو، أمس الأربعاء، إن تركيا “ستفعل ما هو ضروري لأمنها”، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة وروسيا تتحملان المسؤولية عن هجمات “الكردستاني” و”الاتحاد الديمقراطي”. واعتبر جاووش أوغلو في مؤتمر صحافي مع نظيره من نيكاراغوا دينيس مونكادا كوليندرس في أنقرة، أن تركيا ستفعل “كل ما يلزم” لتطهير مناطق شمال سورية. وفيما قال إن مدى الصواريخ التي تستهدف الجنود الأتراك يبلغ حوالى 30 كيلومتراً، شدد على أن الولايات المتحدة وروسيا لم تلتزما بتعهداتهما بضمان انسحاب “الوحدات الكردية” من منطقة الحدود السورية، “ولذلك فإن روسيا والولايات المتحدة مسؤولتان عن الهجمات الأخيرة على المدنيين في هذه المنطقة”. كما اعتبر أن الإدانات الأميركية للهجمات على تركيا غير صادقة، لأن واشنطن تسلّح “الوحدات”. وخلص إلى القول: “بما أن روسيا والولايات المتحدة لم تلتزما بتعهداتهما فيجب علينا الاعتماد على أنفسنا والقيام بما يجب فعله”. ومهّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مساء الإثنين الماضي، للتصعيد التركي بإعلانه “نفاد صبر بلاده حيال الهجمات التي تستهدف القوات التركية في منطقة درع الفرات شمالي سورية”، وذلك في مؤتمر صحافي عقب ترؤسه اجتماعاً للحكومة في المجمع الرئاسي بأنقرة، وفق ما نقلته وكالة “الأناضول” التركية. ولفت الرئيس التركي إلى أن “الهجوم الأخير على قواتنا (في منطقة عملية درع الفرات)، والتحرشات التي تستهدف أراضينا بلغت حداً لا يحتمل”، مشدداً على أن “صبرنا نفد تجاه بعض المناطق التي تعد مصدراً للهجمات الإرهابية من سورية باتجاه بلادنا”، في إشارة منه إلى المناطق التي تسيطر عليها “قسد”. وهدّد أردوغان: “سنقضي على التهديدات التي مصدرها هناك (شمالي سورية)، إما عبر القوى الفاعلة هناك أو بإمكاناتنا الخاصة”. ونفت “قسد”، أول من أمس الثلاثاء، ضلوعها في عمليات القصف ضد القوات التركية، وأبدى مدير مكتبها الإعلامي فرهاد شامي، اعتقاده “بأنها لعبة استخباراتية تركية مكررة، تم تنفيذها بأيادي مرتزقة مدعومين من نظام أردوغان ويعرفهم الشعب التركي جيداً”. وحول احتمالات تحرّك الجيش التركي، توقع المحلل السياسي التركي فراس رضوان أوغلو في حديثٍ مع “العربي الجديد” أن يكون التحرك ضد “قسد حسب الهدف المُراد”، لافتاً إلى أنه قد يكون عملية سريعة أو قصفاً عبر الطائرات المسيّرة. ورجّح قيام الجيش التركي بخطوة “ولكن لا نعرف تحديداً متى”. وأبدى اعتقاده بأن تكون العملية العتيدة في منطقة غربي الفرات هذه المرة “وبتوافق مع الجانب الروسي”.
وتدل الوقائع على أن الحكومة التركية متريّثة في تنفيذ وعيدها ضد قوات “قسد”، خشية انهيار التفاهمات الإقليمية والدولية على طول الحدود مع سورية، في ظلّ مؤشرات على نية بعض الجهات، ومنها النظام السوري، استدراج الجيش التركي إلى مواجهة مع “قسد” لاستنزافهما معاً. وأفادت مصادر في المعارضة السورية، بأن ما تُسمّى بـ”قوات تحرير عفرين” والتي أُعلن عنها في عام 2018، مرتبطة بالنظام السوري وتنفذ أجندات تخدمه في ريف حلب الشمالي. ورأى المحلل السياسي فريد سعدون، أن الحوادث المتكررة في منطقة غربي الفرات “يمكن أن تؤدي إلى تطور خطير في الأوضاع في تلك المنطقة”. وأشار في حديثٍ مع “العربي الجديد”، إلى أنه “إذا كانت هناك نيّة دولية بخرق التفاهمات في الشمال السوري من قبيل معالجة الأوضاع في الشمال الغربي، من خلال تقدم قوات النظام في عمق محافظة إدلب، فمن المرجح أن يحصل تقدم من قبل الجيش التركي والفصائل السورية باتجاه منطقة تل رفعت وبلدة منغ في ريف حلب الشمالي، الواقعتين تحت سيطرة قسد”. وتسيطر “قسد” المدعومة من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، على مجمل منطقة شرقي نهر الفرات، ومنطقتي منبج وتل رفعت في غربي الفرات. وكان الجيش التركي قد شنّ مع فصائل المعارضة السورية، عمليتين ضد هذه القوات. الأولى في مطلع عام 2018 في منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي وطردها منها، والثانية أواخر عام 2019 في شرقي الفرات وطردها من شريط حدودي بطول 100 كيلومتر، وعمق 33 كيلومتراً. واضطرت قوات “قسد” حينها لإبرام اتفاق مع الجانب الروسي في أكتوبر/تشرين الأول 2019 لإيقاف التدخل التركي عند حدود معينة، ولكن تسارع الأحداث في الآونة الأخيرة في مجمل الشمال السوري ربما يهدد هذه التفاهمات، تحديداً في ريف حلب الشمالي.
المصدر: العربي الجديد