خلال المؤتمر الصحفي المشترك بين سيرغي لافروف وحسين أمير عبد اللهيان في موسكو، أخذ صحافي إيراني يتحدث من وراء الكاميرا معلقاً على مجريات المؤتمر، فما كان من لافروف إلا أن توقف عن الكلام وطلب من الصحافيين الصمت أثناء رد الوزيرين على الأسئلة. وقفزت إلى الذاكرة حادثة سلوك اللهيان في قمة بغداد أواخر آب/أغسطس المنصرم، حين قفز من موقعه بين وزراء الخارجية إلى الصف الأمامي بين رؤساء الدول، و”لم يجرؤ أحد” من تشريفات رئاسة الوزراء على لفت نظر عبد اللهيان إلى خرق البرتوكول، على قول كاتب سياسي عراقي ل”المدن” في حينه.
ليس من داع أن يتخيل اللبنانيون مؤتمراً صحافياً مشتركاً للوزير الإيراني مع أحد المسؤولين، وما إذا كان سيجرؤ هذا المسؤول على توجيه ملاحظة ما لصحافي إيراني مرافق للوزير، وليس أن يطلب منه الصمت حين يتحدث هو. فزيارة الوزير عبد اللهيان كانت زيارة رعوية لتفقد أحوال الرعية، وزياراته للمسؤولين اللبنانيين كانت زيارات بروتوكولية تفرضها ضرورة الحفاظ على هيكل الدولة في لبنان الخالي من أي مضمون فعلي للدولة، فما تحتاجه إيران هو شكل دولة ولا دولة سوى العلم والمقعد في المنظمات الدولية. وأفرط الوزير عبد اللهيان في بذل الوعود للرعية اللبنانية وأعلن عن استعداد إيران لإعادة بناء المرفأ وإنشاء محطتي توليد الكهرباء خلال أشهر، لزمتها إيران نفسها للصين لمعالجة معاناة الإيرانيين من أزمة الكهرباء.
تعريج عبد اللهيان على بيروت مباشرة، أوحى بإحتمال أن يكون ملف لبنان قد طرح في مفاوضات موسكو، وعرج لإطلاع المسؤولين اللبنانيين على نتائج المفاوضات المتعلقة بلبنان. لكن خبيرة روسية نقلت ل”المدن” عن أحد المشاركين في المفاوضات، بأن الملف لم يطرح من أي من الطرفين.
طرحت “المدن” على صحافيين وخبراء روس بقضايا الشرق الأوسط سؤالاً عن تقييمهم لزيارة عبد اللهيان، وما إذا كانت المفاوضات طرحت الملف اللبناني، وما هي القضايا التي يمكن أن تكون قد تناولتها مفاوضات لافروف عبد اللهيان.
خبير المجلس الروسي للعلاقات الدولية والخبير الزائر في معهد الشرق الأوسط بواشنطن MEI أنطون مارداساوف قال ل”المدن” بأن عبد اللهيان، في زيارته الأولى لموسكو، إنزلق إلى “دبلوماسية الشكوى”. فخلافاً لجواد ظريف، صاحب الرقم القياسي في عدد زياراته للعاصمة الروسية، أعرب عبد اللهيان في المؤتمر الصحافي عن الكثير”من المخاوف الزائفة” بشأن الوضع في جنوب القفقاز. وعلى الرغم من إستياء طهران من التعاون المتزايد بين أنقرة وباكو، إلا أنها ليست ضد المشاركة في المنصة الجديدة “3+3” ـــــ أرمينيا، أذربيجان وجورجيا زائد روسيا، إيران وتركيا. فقد كان جنوب القفقاز الموضوع المركزي في المفاوضات، لكنه ليس موضوع زيارة عبد اللهيان الوحيد، إذ تمت مناقشة مفاوضات فيينا بشأن برنامج إيران النووي ونقاط التقاطع الإقليمية.
لا يعتقد مارداسوف بأن الوضع في لبنان وسوريا كان الموضوع الطاغي على المفاوضات في الجزء المغلق منها، لكن زيارة عبد اللهيان اللاحقة إلى سوريا ولبنان بعد موسكو ينبغي تحليلها من الجانب الروسي. فإذا كان حزب الله قبِل مصالح الكرملين في لبنان، فينبغي على الكرملين أن يكون الآن أكثر حذراً في دعم الحزب.
ويرى الخبير أنه لا يمكن إلا “أن نلاحظ” أن التنافس بين حزب الله والقوى المؤيدة لسوريا يتجدد مرة أخرى في لبنان، إذا أخذنا بالإعتبار طموح سليمان فرنجية إزاحة جبران باسيل الذي يراهن عليه حزب الله، لكن “الإثنين يناسبان موسكو”. سليمان فرنجية، كقناة لتعزيز نفوذ سوريا في لبنان، يمكن إستخدامه في الحوار مع رجال الدين السنة، وجبران باسيل الذي توافقت معه موسكو وشاركته حتى في “كليشيهات البروباغندا” حين كان وزيراً للخارجية. لكن سعي روسيا لتوسيع نفوذها في وضع لبنان المأزوم، واعتمادها على قوتين قريبتين من التنافس في ما بينها، لكنهما مرتبطتان بإيران، لن يوسع نفوذها، بل على العكس، يضيق مجال المناورة أمامها.
رئيسة المركز الثقافي الشرقي لمعهد الدراسات الشرقية في أكاديمية العلوم الروسية، والباحثة بمرتبة باحث أول في معهد الإستشراق الروسي لانا رواندي فداي الروسية من أصل إيراني، نقلت ل”المدن” عن مشارك في المفاوضات بأن لبنان لم يكن على طاولة المفاوضات بين لافروف وعبد اللهيان. وقالت بأن المباحثات بين لافروف وعبد اللهيان في 6 من الشهر الجاري تناولت كلاً من أفغانستان والقفقاز وسوريا واليمن ومسألة الإستعداد للعودة إلى مفاوضات الصفقة النووية.
تقول الباحثة أن أذربيجان تحولت في الفترة الأخيرة إلى مشكلة متعبة لإيران، حيث تدهورت العلاقات بشدة بين البلدين. ففي حين تجري إيران مناورات عسكرية على حدود أذربيجان، تجري أذربيجان مناورات مشتركة مع تركيا وجورجيا في مقاطعة أذرية مجاورة للحدود مع إيران. وفي الفترة الأخيرة عززت تركيا دورها بشكل ملحوظ في أفغانستان، وتجري عملية تكامل بين البلدين، بما في ذلك بالمجال العسكري أيضاً، مما يمنح تركيا إمكانية تعزيز قواتها العسكرية في حال الضرورة على ساحل بحر قزوين.
وترى الباحثة أن تقارب تركيا مع أذربيجان هو تحد لإيران التي ترد عليه بالسعي لمزيد من الإندماج في المنظمات الإقليمية، مثل الإتحاد الإقتصادي الأوراسي ومنظمة شانغهاي للتعاون.
بلدان عربية عديدة ترى، برأيها، أن روسيا وإيران شريكان إستراتيجيان، لكن الأمر ليس صحيحاً، بل هما بلدان متجاوران صديقان يوجد بينهما تنافس، وكل منهما يسعى وراء أهدافه ومصالحه. وتعدد فترات التقارب والتباعد بين البلدين خلال السنوات العشرين المنصرمة، لتخلص إلى القول بانه “لا يمكن أن تصفنا بالحليفين الإستراتيحيين”.
يوليا يوزيك الصحافية الروسية المتابعة للشؤون الإيرانية، بعد اعتقالها في طهران العام 2019، قالت ل”المدن” بأن زيارة عبد اللهيان إلى موسكو كانت فاشلة. فقد حاولت إيران، ممثلة به إستمالة موسكو لتحالف معاد لأذربيجان، ويحدوها الأمل بأن يتدخل بوتين إلى جانب إيران وأرمينيا ضد باكو في تشكيل “خريطة طريق جديدة لجنوب القفقاز”.
وتقول يوزيك بان عبد اللهيان قرر بأن موسكو تحب الملالي، وسوف تبدأ بتهديد باكو، وهي كانت تتخوف من أن يلعب عبد اللهيان على بعض المشاكل في علاقات موسكو مع باكو ويتمكن من إقناع بوتين بالأمر، “لكن ذلك لم يحصل”.
لكن لافروف بحنكته وخبرته، على قول الكاتبة، حول الحديث من جنوب القفقاز إلى ضرورة موافقة إيران على الصفقة النووية، وتنشيط المفاوضات مع واشنطن. وذكر إيران بأنها هي التي لم توقع على معاهدة وضع بحر قزوين، الذي لإيران مطامح كبيرة بشأنه، ولا تعترف بالتقاسم الحالي لمناطق النفوذ فيه.
استفاضت يوزيك في سرد تفاصيل الصراع في جنوب القفقاز وتصاعد التوتر والتهديدات المتبادلة بالحرب هناك، وتحدثت عن تمكن أذربيجان الصغيرة من أن تصبح دولة متطورة، وتساءلت لماذا لا يتمكن لبنان والعراق وسواهما من دول النفوذ الإيراني من أن تصبح مثل أذربيجان. ورأـت أن الدول التي يوجد فيها وكلاء لإيران ومراكز نفوذ دينية عسكرية، تعيش في الفقر وعدم الإستقرار، ولا تتمكن من الخروج من الأزمات. فإيران تحتاج لإيران قوية ودول فاشلة ضعيفة مشوشة، لا تسمح لها بالنهوض والبقاء في الفوضى لتوسيع رقعة نفوذها.
وتنتهي يوزيك بالقول ” لا يتبقى لنا سوى أن نتعاطف مع لبنان”.
المصدر: المدن