تصاعد القصف الجوي والبري لقوات النظام وسلاح الجو الروسي ضد مناطق المعارضة السورية في ريفي حلب وادلب يوم السبت، من غير أن يمهد هذا القصف لانطلاق المعركة التي يروج لها النظام بشكل كبير مؤخراً.
وأفاد ناشطون سوريون عن قصف مدفعي وصاروخي كثيف، حيث تجاوز عدد الغارات التي شنتها الطائرات الروسية الـ20 غارة، السبت. وطاولت الغارات الروسية عدداً من قرى منطقة جبل الزاوية جنوبي ادلب، وامتد القصف الى بلدة الفوعة شمال شرقي ادلب، وقصفت الطائرات أطراف بلدة دارة عزة شمال غربي حلب.
وطاول القصف الجوي الروسي مواقع لفصائل المعارضة في قرية باصلحايا في ريف عفرين الجنوبي الغربي، وهي المرة الثانية التي تستهدف روسيا فيها مواقع في ريف عفرين خلال شهر أيلول/سبتمبر، لكن القصف الجديد وقع بالقرب من قاعدتين تركيتين بريف حلب، الأولى في ريف عفرين والثانية في محيط دارة عزة.
الجديد في التصعيد الجوي الروسي تركيزه على منطقة المرتفعات الجبلية في ريف اللاذقية الشمالي، واستهدفت الغارات مواقع متقدمة بالقرب من خطوط التماس في جبلي الأكراد والتركمان. أما القصف البري لقوات النظام فكان أكثر كثافة وطاول أكثر من 10 قرى وبلدات في جبهات جنوب وشرقي ادلب.
وفي المقابل، توسع رد المعارضة على قوات النظام نحو جبهات ريف حلب الغربي بعد أن كان موجهاً نحو الجبهات الجنوبية. وقالت مصادر عسكرية في الجبهة الوطنية للتحرير إن “التصعيد الجوي الروسي لا يمهد لمعركة قريبة على ادلب، لأنه ببساطة غير مركز ولا يستهدف مواقع عسكرية مهمة للفصائل وهيئة تحرير الشام، كمستودعات الأسلحة والمقار والثكنات، ودفاعات الفصائل الأولى القريبة من خطوط التماس في جبهات القتال”.
وقالت المصادر لـ”المدن”: “جرت العادة قبيل كل معركة أن تمهد روسيا وقوات النظام بشكل عنيف لانطلاقتها من خلال رصد تحركات الفصائل في منطقة العمليات المقابلة للجبهات جواً عبر طائرات الاستطلاع، وتوجيه النيران البرية والجوية على أهداف دفاعية حيوية لإضعاف الفصائل المعارضة والتهيئة للهجوم البري، وكل ذلك لم يحصل حتى الآن”.
مقايضة مفترضة
ويتحدث معارضون عن أن قوات النظام تسعى لتأمين الطريق إم4 جنوبي ادلب بهدف إعادة تشغيل طريق حلب – اللاذقية وتنشيط الحركة التجارية، والذي سيضمن أيضاَ السيطرة على كامل منطقة جبل الزاوية ومدن كبيرة كأريحا وجسر الشغور، وربما تمتد السيطرة إلى جبال اللاذقية التي تشكل هاجساً للنظام وروسيا باعتبارها المنطقة الأكثر تحصيناً بالنسبة للمعارضة، كما أنها تهدد القواعد الروسية في اللاذقية.
ومع أن فصائل المعارضة تستبعد أن يكون التصعيد الحالي “مقدمة لعمل عسكري وشيك”، إلا أنها لا تسقط احتمال المعركة بالكامل. ويبدو أن آمال النظام معلقة بالقرار الروسي، وهو ينتظر فعلياً نتائج قمة سوتشي بين الرئيسين التركي رجب طيب أردوغان، والروسي فلاديمير بوتين، والتي من المفترض أن تنعقد الاربعاء المقبل، ويتوقع أن تنتج تفاهماً يسمح بتقدم قوات النظام نحو الطريق إم4 في مقابل سيطرة الجيش التركي والفصائل المعارضة على واحدة من المناطق التي تسيطر عليها “قسد” في ريف حلب، كمناطق منبج وتل رفعت وعين العرب/كوباني.
ويقول الباحث في مركز الحوار السوري محمد سالم لـ”المدن” أن “لقاء الرئيسين التركي والروسي سيقرر شكل خريطة السيطرة شمال غربي سوريا”، مضيفاً: “هناك احتمالات أن تجري مقايضة بالفعل، فروسيا تريد انسحاب الجيش التركي والمعارضة من جنوبي الطريق إم4، مقابل السماح بهجوم على مناطق سيطرة قسد، وعلى الأرجح ستكون منطقة تل رفعت على قائمة الأهداف بالنسبة للمعارضة وتركيا”، كما يتحدث عن فرضية أخرى تقوم على تمسك الأتراك بمنطقة جبل الزاوية مقابل تحقيق مكتسبات أخرى يريدها الروس مثل المعابر مع النظام”.
ويدعم اندماج الفصائل المعارضة المدعومة من تركيا في تحالفين، هما الجبهة السورية للتحرير والقيادة الموحدة “عزم” فرضية المقايضة بين تركيا وروسيا، أي أن هناك معركة مفترضة تحضر لها الفصائل بدعم تركي أيضاَ، وسبق أن ألمح عضو مجلس قيادة الجبهة السورية للتحرير مصطفى سيجري في هذا الاتجاه، وقال: “سيتم تحرير مدينة تل رفعت والمناطق المحتلة الأخرى من قبل المنظمات الإرهابية. ولكننا سنختار الوقت والمكان المناسبين لاستئناف العمليات العسكرية”.
من جانبه، يرى الباحث في الشأن السوري محمد السكري أن “روسيا تعمل عادة على تسخين الساحة العسكرية قبيل أية محادثات مع تركيا، وهذا ما شهدناه بكثافة خلال وقبل توقيع بروتوكول موسكو مارس/آذار، ولكن من الواضح أن هذه المرة التصعيد يشمل مناطق تخضع لتفاهمات تراها تركيا منفصلة على منطقة إدلب والخطوط الدولية أي المناطق التي تخضع لسيطرة الجيش الوطني ما يشير إلى أن حجم الخلافات وتراجع الثقة بين أطراف سوتشي بات واضحاً”.
وقال السكري لـ”المدن” إنه “بناءً على هذه المعطيات، فأن موسكو ستقدّم مطالب بسقف مرتفع للجانب التركي وبكل تأكيد على قائمتها الطريق الدولي M4. روسيا تريد حسم قضية طريق التجارة الذي يعتبر سيادياً ومهماً لها وللنظام السوري، بينما تركيا لا تريد منح روسيا هذا المكسب وخصوصاً بعدما رفضت الأخيرة مشاركة أنقرة في الاشراف على الطريق الدولي M5”.
ورأى أن روسيا “لا تزال تستخدم قضية التنظيمات الراديكالية شماعة لوضع تركيا على المحك والمطالبة بتنفيذ استحقاق فصل المعارضة المعتدلة عن المتطرفة”. وأضاف: “كذلك، من المهم عدم إغفال قضية التنظيمات الجهادية التي تصنفها أنقرة كحزب العمال الكردستاني وعدم استجابة روسيا للمطالب التركية في ما يتعلق بإبعادها على الحدود التركية ومناطق نفوذها في العمق السوري”.
وألمح السكري إلى أن “لقاء سوتشي سيكون لقاءً مهماً للغاية وقد يرسم خريطة شراكة جديدة على طرفي المشهد شمال غرب وشمال شرق سوريا، وهذا يعكس التعقيد الحاصل ووصول الجانبين التركي والروسي إلى مرحلة تضارب مصالح واضحة تتعقّد كلما حسمت ملفات أخرى وترتفع حدتها مع تلويح واشنطن بالانسحاب كلّي أو جزئي من سوريا”.
المصدر: المدن