تحليل إسرائيلي: أسلوب الأسد المافيوي للسيطرة على الطاقة اللبنانية

سامي خليفة

سارعت الولايات المتحدة بعد إعلان أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، عن الإمداد الإيراني من المحروقات، إلى غض الطرف عن عقوبات قانون “قيصر”. إذ تُعتبر موافقة الإدارة الأميركية على استجرار الكهرباء التي سينتجها الأردن من الغاز المصري، إلى لبنان عبر جنوب سوريا، هي خرق لهذا القانون والعقوبات المفروضة على نظام الأسد. وانطلاقاً من ذلك، ثمة من يرى داخل إسرائيل بأن نظام الأسد نجح في ابتزاز العالم ليكسب الشرعية مستغلاً عجز قطاع الطاقة اللبناني.

سلوك المافيات

وبالنظر إلى المستجدات الأخيرة المتعلقة باستجرار الغاز وموعد وصول ناقلات النفط الإيرانية، يشّبه محلل شؤون الشرق الأوسط في صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، سيث فرانتزمان، سلوك نظام الأسد تجاه لبنان، بسلوك زعماء المافيات. فهو يعتبر أن كل زعيم مافيا يعلم جيداً أن طريقة تحقيق المزيد من الربح والسلطة، تتطلب وضع نفسه بين الأشياء التي يريدها الناس، والخدمات شبه القانونية التي يمكن أن تقدمها المافيا.

ويرى فرانتزمان أن ما وصفه قد ينطوي على المقامرة أو نقل المخدرات في بيئة مافيا تقليدية، ولكن في بيئة الدولة، يمكن أن يعني أيضاً قيام نظام دولة شمولي يسعى للشرعية والأرباح، بأن يستغل احتياجات الطاقة لدولة مجاورة أخرى. وبرأيه، يبدو أن عائلة الأسد في سوريا، التي لديها الكثير من الخصائص الشبيهة بأصدقائها في إيران وحزب الله، تفعل ذلك راهناً في قطاع الطاقة اللبناني.

قبضة حزب الله

فتح الوفد الوزاري اللبناني، بقيادة زينة عكر، التي تتولى عدة مناصب في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، من بينها وزيرة الخارجية، الباب أمام خطة، مدعومة أميركياً، تسمح للبنان باستيراد الكهرباء عن طريق الشبكة الكهربائية السورية، بغية معالجة نقص لبنان الحاد في الوقود الذي أدى إلى اضطرابات في الخدمات الأساسية. أما بالنسبة إلى التقارير التي تتحدث بأن إرسال الوفد كان محاولة لإصلاح العلاقات بين لبنان وسوريا، فيراها فرانتزمان بأنها رواية كاذبة في الغالب، لأن حزب الله، الذي يسيطر فعلياً على لبنان، هو حليف وثيق للنظام السوري، وهذا ما يقود إلى استنتاج بديهي مفاده أن الدولتان حليفتان.

ويتهم فرانتزمان حزب الله بإفقار لبنان وتحوّيله إلى محافظة داخل دولته، ثم استخدمه كقناة للمال والفساد والسلاح. ومع تعمق لبنان في مستنقع قبضة حزب الله، أصبح فقيراً وأكثر انعداماً للقانون. كما فُقدت فيه أشياء أساسية مثل البنزين والكهرباء، في بلدٍ كان في يوم من الأيام ثرياً ومزدهراً ومنفتحاً على العالم.

مناورة ذكية!

في موازاة كل ذلك، جاء دور ما يسميه فرانتزمان بدولة المافيا السورية. فعندما يكون الجار في محنة، فإن الشيء الطبيعي الذي يجب أن تفعله المافيا هو تقديم دعمها ولكن مقابل خدمة. وفي هذه الحالة، توجه الوفد اللبناني إلى دمشق لمطالبة سوريا بتمكين الغاز الطبيعي المصري من الدخول عبر الأردن. إنه عرض تريده سوريا لأنه يجعل منها وسيطاً للبنان، ويعطي دمشق الشرعية والفاعلية. وبطريقة سحرية، تحولت دمشق من دولة منبوذة إلى دولة “مساعدة” للبنان على حل أزمته. ولا شك أن النظام السوري يريد هذه الفرصة منذ سنوات.

ويعود المحلل إلى تقرير وكالة “أسوشييتد برس” الذي أشار أن “الاجتماع بين الوفدين هو اختبار للعقوبات الأميركية ضد إيران وسوريا، حيث يسعى لبنان لاستخدام خطوط الأنابيب السورية والوقود الإيراني عبر الموانئ السورية لمعالجة أزمة الكهرباء”. وهذا يعني، حسب استنتاجه، أن الحافز الحقيقي لسوريا هو تقريب موعد الإفلات من العقوبات.

ومن خلال ما يحدث وعبر مناورة يجدها فرانتزمان بالذكية، تقول سوريا بشكل أساسي للولايات المتحدة إما أنها ستسهل وصول المحروقات الإيرانية إلى لبنان أو ستسعى للحصول على دعم أميركي لمعارضة العقوبات التي فرضتها أميركا نفسها. وبتمكين سوريا من جلب الغاز والكهرباء من الأردن ومصر، سيصبح النظام السوري الزعيم الجديد لاحتياجات لبنان من الكهرباء والغاز. ويحدث ذلك في وقتٍ تلمح مصر فيه إلى رغبتها بعودة سوريا إلى الحظيرة العربية. إضافةً إلى ذلك، فإن دول الخليج والأردن والعراق تريد سوريا مستقرة، كما أنها وضعت أفكاراً لزيادة دور دمشق في الجامعة العربية والترحيب بها مرة أخرى في المعسكر العربي.

معادلة الكل يفوز

وبينما ترفض الدول اليوم دعم المتمردين السوريين وتفضل دعم الأنظمة والاستقرار. يريد النظام السوري المدعوم من روسيا وإيران بدوره أشياء أيضاً. وحسب فرانتزمان، يريد هذا النظام التجارة والشرعية والمال. ويوقن أن الاعتماد على إيران أشبه بالفقير الذي يعتمد على فقير آخر. وبذلك، تريد سوريا الشرعية التي تأتي من التوسط في صفقة مع مصر والأردن ولبنان بدعم أميركي هادئ أو ضمني. هذه هي العصا السحرية حول العقوبات الأميركية. وفي الوقت نفسه، يمكن للمحروقات الإيرانية أن تتدفق كذلك لمساعدة حزب الله. وهكذا، الكل يفوز من وجهة نظر النظام السوري. حزب الله يفوز. إيران تفوز. ويمكن لمصر والأردن أيضاً الحصول على بعض المكتسبات. كما لا تُلغى فرضية فوز العراق أيضاً، حيث ستعبر الشاحنات من إيران عبر العراق إلى البوكمال.

وتظهر الجوانب الخفية لهذه المعادلة، بتوسط روسيا في صفقة درعا التي أنهت شهوراً من القتال شهدت نزوح حوالى 50 ألف شخص. وعادت درعا إلى هدوئها بعد تمرد لم يدم طويلاً، هو الأول منذ استعادة النظام للمنطقة في 2018، وكاد يهدد دمشق وصورتها. والآن، مع قيام روسيا بدور الوسيط مرة أخرى في جنوب سوريا، يمكن أن يمر الغاز من الأردن. ما يعني أن المال الوفير والنفوذ أضحيا على المحك.

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى