مرت الثورة السورية بمجموعة من المنعطفات الخطيرة خلال السنوات العشر الماضية، وتمكنت قوى الثورة الشعبية والسياسية والعسكرية من التعامل مع هذه المنعطفات بنجاح في بعض الأحيان وبقدر من الصمود في أحيان أخرى.
واليوم نحتاج إلى نقلة نوعية حقيقية في العمل الثوري خاصة فيما يتعلق بتعزيز فرص التعاون والجهد المشترك وتطوير العمل المؤسسي.
تلعب مؤسسة الائتلاف الوطني في هذه المرحلة دوراً ذا أهمية حاسمة، يصعب التخلي عنه أو التفريط به، فواجبنا وواجب جميع أصحاب الرأي والفكر أن يتكتلوا حول هذه المؤسسة، وأن يدعموها بكل ما هو ممكن، من خلال المساهمة الفعلية في عملها، أو من خلال تصويب ونقد وتوجيه هذا العمل بشكل يساهم في تحقيق مصلحة الشعب السوري الحقيقية وتعزيز تمثيله داخل هذه المؤسسة.
الإرادة الشعبية السورية
واجبنا أن نكون أكثر يقظة وحرصاً في تمثيل الإرادة الشعبية السورية، فرغم أن هناك أصواتاً عالية نسمعها باستمرار، إلا أن هناك أصواتاً خافتة لا نسمعها بوضوح، وهي في الواقع تملأ خلفية المشهد كله، لكن الضجيج العالي يغطي عليها فلا تظهر في الواجهة، ولا تلتقطها الآذان.
هذه الأصوات يجب أن تُسمع، ويجب أن تحضر إلى الساحة وتطرح نفسها، وسيكون الفيصل في أي رأي أو توجه هو مبادئ الثورة السورية وتطلعاتها.
فإذا ما وضعنا مبادئ ثورتنا كأساس وكمحدد للطريق فلن يكون هناك مجال للتفرق بعد ذلك، يجب أن ندرك أن من أخطر العناصر التي تفرق بيننا عدم القدرة على إدارة التصورات والاختلافات في الآراء التي نحملها، والغرق في الدفاع عن مواقف مسبقة تجاه بعضنا بعضاً.
العمل الجماعي
إن العمل الجماعي والمشترك لا يعني أن تذوب كل الفروق والاختلافات بيننا وإنما أن نتمكن من توظيف هذه الظروف والاختلافات بأفضل طريقة ممكنة. نحن جميعاً بحاجة إلى جهود الجميع، بحاجة إلى مشاركة الجميع، بحاجة إلى العمل المشترك، ومد الجسور بيننا.
الشعب السوري يحتاجنا جميعاً، يحتاج إلى من يعمل على ضمان مصالح الشعب والثورة واتخاذ قرارات صعبة.
السوريون غاضبون من نتيجة السنوات العشر الماضية، ومن مجتمع دولي غارق في التخاذل والتسويف والتلكؤ والشلل.
يشعر السوريون بخيبة أمل كبيرة من الواقع الذي وصلت إليه الأوضاع في سوريا، وهم محقون في ذلك. لكن القوى السياسية يجب أن تدرك أن الطريق الوحيد لتصحيح الأوضاع يستند إلى خطط الإصلاح والبناء، وليس من خلال الهدم والتفريق!
من المؤكد أن النظام لم يتمكن من تحقيق ما هدف إليه، ورغم حصوله على دعم عسكري ودبلوماسي غير محدود من روسيا وإيران، إلا أنه ما زال عاجزاً عن تحقيق أي من مخططاته ما يعني أن دورنا ما يزال محورياً ورئيسياً ومصيرياً.
اليوم لا بد من تفعيل محركات المجتمع السوري “المدنية والأهلية والاجتماعية”، لما في ذلك من أثر كبير على دعم المؤسسة السياسية المتمثلة بالائتلاف الوطني، وتوجيهها والارتباط معها وتقوية دورها على المستوى الدولي.
نأمل من كل الأطراف والقوى السورية أن تساعد في توجيه طاقات المجتمع نحو مجالات فعالة، بما في ذلك تشجيع الشباب على متابعة طريق التعليم، والانخراط في العمل الجماعي وصولاً إلى المشاركة السياسية.
جهود الشعب السوري، والجاليات السورية والمهجرين السوريين حول العالم، هي جهود مهمة ومؤثرة، سواء جاءت بالتنسيق مع قوى الثورة الفعلية، أو كانت جهوداً مستقلة تدعم الثورة السورية وتعيد بناء الضغوط المتعلقة بتفعيل الدور الدولي في الملف السوري عبر بناء حراك شعبي في المجتمعات التي يعيشون فيها.
الأولوية القصوى
لقد كانت الثورة بمبادئها وأهدافها عصب الحياة لكل إنسان سوري حر طوال شهور طويلة، ونأمل اليوم أن نجد الوسائل الكفيلة بإحياء هذه الروح، وإعادتها إلى دائرة الأولوية القصوى، وأن تعود تلك الروح إلى حياتنا اليومية على كل المستويات.
جيل جديد من أبناء سوريا، في الداخل والخارج، في المدن والمخيمات، في المناطق المحررة وفي بلدان اللجوء، بات اليوم جزءاً من هذه الثورة، وشريكاً في مستقبلها، ومن واجبنا أن ننقل إرث ثورتنا وأخلاقياتها ومثلها إلى هذا الجيل ليكون شريكاً حقيقياً في الدفاع عنها وحمل مشعلها.
إن الالتزام بمبادئ الثورة يعني سلوكاً عملياً ينسجم مع القانون وحقوق الإنسان ومبادئ حرية الرأي والتعبير، سلوك يؤمن بالمواطنة دون أي تمييز أو تجاوز، ويدرك أن حرية الرأي والتعبير تقف عند حدود القانون.
نجدد دعوتنا لجميع الشخصيات الفكرية والثقافية في سوريا إلى فتح حوارات مجتمعية جادة تتناول مبادئ الثورة ومعانيها والسبل الكفيلة بخدمة هذا الوطن والمساهمة في توجيه الطاقات بأفضل الوسائل والطرق الممكنة، وتجنب الوقوع في فخ الطائفية والتفرقة والنزعات الفوضوية والعبثية.
لا يمكن للشعب السوري أن يسمح باستغلال المبادئ العظيمة والقيم المشرفة التي قدّم السوريون من أجلها أعظم التضحيات، أو السكوت عن توظيفها بشكل لا ينسجم مع مبادئ الثورة، سواء جرى ذلك عن جهل أو عن قصد.
إن أي انتهاك لهذه المبادئ، وعلى رأسها المواطنة، هو سلوك مرفوض ومدان ويتسبب في ضرر حقيقي بالثورة والمجتمع.
مستقبل ثورتنا ووطننا مرتبط بمدى تكاتفنا وفعاليتنا، النظام يزداد تفككاً وهشاشة وفساداً، قدرنا أن نتابع هذا الطريق مهما تعددت المنعطفات وجسمت التحديات، علينا أن نكون يداً واحدة من أجل سوريا، ومن أجل تحقيق النصر والحرية والعدالة والدولة المدنية الديمقراطية، علينا إعادة المركزية لثورتنا ومبادئها وتطلعاتها، في سيادة الشعب السوري على ثورته ومصير بلده.
رئيس الائتلاف الوطني السوري
المصدر: القدس العربي