كما لو أنها أول النار التي هبت من الجنوب لتأخذ معها كل الجهات السورية نحو مصائر مختلفة.. هكذا استشعر السوريون ما يحدث في درعا خلال الأيام الأخيرة من هجمة النظام وميليشيات إيران لفرض أمر واقع جديد تهيأت ظروفه نتيجة عوامل إقليمية ودولية، وأما مشاهد الموت فلم تعد في نظر العالم سوى تكرار للموت السوري العادي الذي لا يحرك ضميراً أو سخطاً إنسانياً.
الرسائل التي سبقت المغامرة الجديدة للنظام جاءت واضحة بمنحه إذن الهجوم عبر جملة من التصريحات العربية والدولية، وبدأها الأردن على لسان مليكه الذي خرج من البيت الأبيض معلناً بقاء النظام إلى أمد طويل، وتلتها قرارات بفتح المعابر وعبور الشاحنات السورية إلى دول الخليج أي إن الموافقة العربية باتت معلنة في ضخ الأوكسجين في رئة الاقتصاد المتداعي للنظام ريثما تتم تهيئة واقع على الأرض لإعلان عودته إلى كرسيه في جامعة الدول العربية بين جمهرة الحكام الشرعيين لأوطان تحتضر على خريطة الشرق المنهك.
أما الرسالة الأم فهي أميركية محضة تأمر وتنهي بأن لا رغبة لدى الإدارة الأميركية في تغيير النظام بل هي تعديل بسيط للسلوك، وأما التصريحات حول السلوك الوحشي فهي ليست سوى لدغدغة مشاعر المعارضين واستمرار خداعهم بإنسانية أميركية زائفة يتم التعبير عنها ببعض المساعدات الإنسانية المشروطة التي تبقي الميت على قيد الحياة ريثما يتم الإجهاز عليه بطلقة الرحمة.
رسائل أخرى تم تعميمها على جيران درعا في الجنوب بأن التضامن ولو بالصياح والبيانات محرم عليهم وإلا سيتم فتح الباب لتأديبهم، وهذا ما حملته الأنباء عن عودة (داعش) واحتمال قيامها بهجمة جديدة على السويداء، وهذه رسالة تهديد باتت غير عصية على فهم السوريين الذي يقرؤون جيداً بحكم الخبرة مع النظام وأعوانه أنها قابلة للتنفيذ وقد جربوها سابقاً في مباغتة قاتلة للقرى في فجر دموي كاد أن يجر الجيران من أعناقهم إلى السكاكين.
في التفاصيل التي تحدث على الأرض تستعجل ميليشيات إيران الوثوب على المدينة الرمز لتحويلها إلى جبهة ممانعة قرب الحدود مع إسرائيل لاستكمال الطوق الزائف من الجعجعة المقاومة، وهذا ما يعطي المشروعية لها ولأتباعها في البقاء طويلاً بذريعة التصدي للاحتلال الإسرائيلي وطموحاته، وتلقى هذه المحاولة صداها لدى الجوعى من السوريين الذي باتوا ينامون على أمل الاستيقاظ خارج واقع العتمة ومطاردة الرغيف الذي صار بقدر البطون موزعاً وفق قوائم يتم تعديلها وفق صفقات القمح المهرب.
الروس بدورهم لا يرون مانعاً فيما يتم تنفيذه لكونه يحقق لهم توجيه رسائل قاسية للأميركي في أنهم هم من يحكمون القبضة هنا، وكذلك للإسرائيلي الذي يقبض على السماء السورية بطائراته وصواريخه عبر رفع قدرة الدفاعات السورية للتصدي للغارات والصواريخ، ورسائل للسوريين في الداخل لكنها تحمل روحاً أخرى من التضامن معهم بلقاءات شكلية رسمية واتفاقات موقعة لإنقاذ الاقتصاد والدولة من ورطة العجز والحصار.
أما في خيارات الدفاع عن المدينة وريفها فالنظام يدرك أن القسوة ضد المدنيين هي السبيل الوحيد لإعادة فرض السيطرة الشكلانية عليها، وهذا بالضبط ما تم في الأيام الأولى للهجمة، وثاني الوسائل إطباق الحصار وقطع الكهرباء، وإغلاق المعابر الإنسانية يساهم فيها الأردن بذرائع مختلفة، وفي ظل هذه الأوضاع سيتم التفاوض على تنازلات تقدمها المعارضة من ترحيل لأسماء بعينها إلى الشمال السوري، وتسليم للسلاح وانضواء تحت راية القوات التي أنشأتها روسيا في الجنوب.
بالمقابل خيارات المعارضة السورية السياسية معدومة فلا يوجد من يسمعها حتى من المعارضين أنفسهم بعدما أفقدتها الصراعات الساذجة في صفوفها القدرة على التأثير، وأما عسكرياً فلن تجدي طلقات التضامن فقط في مساعدة الجنوب لذلك تبقى لأهالي حوران خيارات الصمود ضمن الإمكانيات المتاحة.
بواقعية محضة لدرعا صاحبة الصيحة الأولى أن ترى خلاصها وسلامها وفق ما تراه من دون أوهام أسقطت ما قبلها بالوعود والكلام.. وسلام للجنوب الأخير.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا