يشير التصعيد غير المسبوق الذي تشهده إدلب شمال غربي سوريا، أن روسيا على استعداد لاستكمال المناورات العسكرية التي بدأتها منذ مطلع شهر يونيو /حزيران/ الجاري، من أجل تحقيق أي اختراق ميداني في إطار سياسة الضغط القصوى على إدلب، بهدف إضعاف القدرة الدفاعية لدى فصائل المعارضة وتركيا، وإيجاد آلية عمل مشتركة من أجل فتح المجال أمام حركة التجارة والنقل على الطريق الدولي، فضلاً عن محاولتها مكافحة الفصائل المدرجة على قوام الإرهاب على أن يقود ذلك إلى تفكيك «هيئة تحرير الشام» ومعظم الفصائل.
ورغم هذا التصعيد، يرى مراقبون وخبراء لـ «القدس العربي» أنه طالما أن هناك صعوبة في حسم ملف إدلب عسكريا فإنّ روسيا لن تخاطر لدرجة أن يؤثر أي تصعيد على التعاون مع تركيا شرق الفرات الذي ما تزال تطمح لتحقيق تقدُّم واختراق فيه يضمن وصولاً وانتشاراً أوسع لقوّات النظام السوري على حساب قوّات سوريا الديمقراطية والمعارضة السورية.
قصف النظام
ميدانياً، جددت قوات النظام السوري قصفها على إدلب والأرياف المحيطة بها، شمال غربي سوريا، حيث تشهد بلدات وقرى ريفي إدلب الجنوبي وحماة الغربي تصعيداً عسكرياً من قبل قوات النظام السوري والميليشيات المساندة له المدعومة من قبل روسيا وإيران، منذ مطلع شهر يونيو /حزيران/ الجاري خلفت عشرات القـتلى والجـرحى.
منظمة الخوذ البيضاء قالت إن القصف المدفعي تجدد الاثنين، على ريف إدلب الجنوبي، حيث استهدفت قوات النظام الأحياء السكنية في مدينة أريحا، والطريق الواصل بين بلدتي بليون وكنصفرة ومحيط بلدة البارة بقصف مماثل. وقالت مصادر محلية، إن قوات النظام وسعت من رقعة استهدافها لمحافظة إدلب، حيث طالت الصواريخ قريتي «الكندة والرويسة» بريف جسر الشغور الغربي غرب إدلب، دون تسجيل إصابات في صفوف المدنيين.
مواجهات وقصف متبادل
وبموازاة ذلك، نفذ الجيش التركي والفصائل المسلحة قصفاً موسعاً على مواقع لقوات النظام في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الشمالي الغربي. كما قصفت فصائل المعارضة مواقع قوات النظام في كل من «الدار الكبيرة، وبسقلا، وحاس، والملاجة، وخان السبل، ومناطق عدة في ريف حماة الشمالي الغربي.
وقالت مصادر محلية، إن رد فصائل المعارضة على قصف قوات النظام واستهداف العديد من مواقعهم العسكرية، كان في وتيرة مرتفعة لم يكن لها مثيل منذ اتفاق الخامس من آذار لوقف إطلاق النار في منطقة خفض التصعيد الرابعة عام 2020 الماضي.
وتزامن القصف المتبادل للنظام والمعارضة مع تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع الروسية والتابعة للميليشيات الإيرانية في أجواء ريفي إدلب الجنوبي وحماة الغربي، فيما حلقت عدة طائرات استطلاع أخرى في أجواء ريف إدلب الشمالي والغربي تابعة للتحالف الدولي ولسلاح الجو التركي. ورصد المرصد السوري، قصفاً صاروخياً نفذته قوات النظام على مناطق في الرويحة والبارة ضمن القطاع الجنوبي من ريف ادلب، وطال القصف على البارة منطقة النقطة التركية في القرية هناك، ما أدى لأضرار مادية دون معلومات عن خسائر بشرية إلى الآن، كما استهدفت قوات النظام بالرشاشات الثقيلة محاور في سهل الغاب شمال غربي حماة.
ترافق القصف المدفعي والصاروخي، مع مواجهات بين قوات النظام، وفصائل المعارضة المسلحة في ريفي إدلب الجنوبي وحماة الغربي، حيث قصفت القوات المهاجمة والميليشيات الداعمة لها بقذائف المدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ، مدينة أريحا، وبلدات وقرى عدة في ريف إدلب الجنوبي، ما أدى إلى إصابة عنصرين من «الجبهة الوطنية للتحرير» بجروح متفاوتة وسط دمار واسع في ممتلكات المدنيين في المناطق المستهدفة.
وقال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن فصيل «أنصار التوحيد الجهادي» قصف بثلاثة قذائف صـاروخية، ريـف اللاذقيـة الـشمالي، استـهدفت قـرية بعقـيلون في ريف مدينة القرداحة مسقط رأس بـشار الأسد ضمن ريف اللاذقية، حيث اقتصرت الأضرار على الماديات فقط.
الأهداف الروسية
الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي، تحدث عن أسباب التصعيد غير المسبوق الذي تشهده إدلب وقال إنّ روسيا كانت تُعوّل على إيجاد آلية عمل مشتركة مع تركيا من أجل فتح المجال أمام حركة التجارة والنقل على الطريق الدولي M4 إلا أنّ ارتفاع مستوى التهديد الأمني ضد الدوريات المشتركة حال دون استكمالها بعد أن بلغت 25 مرة، حيث تم تجميدها منذ حوالَيْ 10 أشهر.
كذلك، لم تستطع روسيا تحسين سُبل التعاون مع تركيا في مجال مكافحة الإرهاب في إدلب، حيث بقي التنسيق بين الطرفين مقتصراً على التزام أنقرة بالحد من الأنشطة التي قد تقوم بها التنظيمات المصنّفة على القوائم السوداء ضد مصالح موسكو في سوريا. بينما يبدو مزعجاً لها وجود تنسيق مشترك بين الولايات المتحدة وتركيا في هذا الملف.
وحول الهدف من الضغط الروسي على تركيا، قال عاصي لـ «القدس العربي» إن موسكو تضغط بما يقود لتوقيع بروتوكول إضافي لاتفاق أضنة (1998) مع النظام السوري يؤدي إلى تراجُعها نحو عمق يتراوح بين 10 و15 كم على طول الشريط الحدود، مع استعادة النظام السوري للمعابر الحدودية ووضع جدول زمني للانسحاب، إضافة إلى التعاون في ملف مكافحة الإرهاب على أن يقود إلى تفكيك «هيئة تحرير الشام» ومعظم الفصائل.
لكن، عمليّاً، وفق رأيه ان الوصول إلى هذا النموذج من التسوية عسكرياً أو دبلوماسياً يبقى عسيراً على روسيا، عازياً السبب إلى «أنّ أيّة عملية قتالية لن تؤدي بالضرورة إلى تحقيق النتائج المطلوبة مُقارَنة مع الحملات السابقة التي كانت تحمل ظروفاً مختلفة ميدانياً وسياسياً وتقنياً». ورغم ذلك، فإن موسكو برأي المتحدث لن تتخلى عن المناورة العسكرية أو تحقيق أي اختراق ميداني في إطار سياسة الضغط القصوى بما يؤدي إلى إضعاف القدرة الدفاعية لدى فصائل المعارضة وتركيا؛ عدا عن الاستمرار في تنفيذ عمليات السطع الناري لجمع المعلومات اللازمة لأي تحرّك في المنطقة.
وانتهى المتحدث بالقول إن موسكو لا تزال تأمل بتقويض سيطرة المعارضة السورية في إدلب وكذلك نفوذ تركيا فيها، لكن ارتفاع مستوى المخاطر مقارنة مع الظروف التي استفادت منها خلال السنوات السابقة يحول دون اللجوء إلى أيّة عملية عسكرية واسعة أو شاملة.
المصدر:«القدس العربي»