واشنطن- يرى خبراء في الوضع الأفغاني أنّ اتخاذ إجراءات مثل الاحتفاظ بأعداد صغيرة من المستشارين العسكريين الأميركيين في أفغانستان أو بالقرب منها، وإيجاد طريقة ما للإبقاء على شركات عسكرية في البلاد، وتقديم دعم محدود من الخارج في مجال الاستشارات والصيانة، وتعزيز كوادر المخابرات في كابول وبالقرب من أفغانستان -وكل أساليب “الأمل البائس” الأخرى لتوفير الدعم بعد الأول من أيلول (سبتمبر) المقبل، لن تكون سوى إجراءات رمزية توفر في أفضل الأحوال غطاء سياسياً للانسحاب.
ما يزال الكثير من أوجه الوضع في أفغانستان متسماً بالغموض وعدم الاستقرار. ومع ذلك، تبقى الحقيقة هي أن الوقت قد حان لترك أفغانستان وشأنها. وليست هناك دلائل في الأفق على إمكانية وجود حكومة أفغانية قوية، موحدة وفعالة، وفق ما يقول الخبير الاستراتيجي أنتوني كوردسمان، خاصة وأن حركة طالبان ترفض أيّ وجود عسكري أو أمني أميركي في مطار كابول وأفغانستان عموماً، وتعتبر مثل هذا الوجود غير شرعي.
ويضيف كوردسمان، أستاذ كرسي أرليه بورك في الاستراتيجية بمركز الدراسات الاستراتيجية، أن معظم الانسحاب الأميركي من أفغانستان سيتم بحلول احتفال الولايات المتحدة بيوم الاستقلال في الرابع من تموز (يوليو)، ولم يكن هناك أي اجتماع جوهري مع حركة طالبان حول تحديد أي سلام مستقبلي، أو هيكل الحكومة المستقبلية في أفغانستان، أو الأمن، أو التنمية. ومن الواضح أن القوات الأفغانية تخسر الحرب، وأمامها سنوات طويلة حتى تستطيع الاعتماد على نفسها. وبالنسبة للاقتصاد -على افتراض أن هناك اقتصاد من الأساس- فإنه يعتمد فقط على المساعدات الخارجية وتصدير المخدرات.
ويقول كوردسمان، الذي عمل مستشاراً لشؤون أفغانستان لحساب وزارتي الخارجية والدفاع الأميركيتين، في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إنه بالرغم من المرارة التي يعنيها قول ذلك، فإن الوقت قد تأخر كثيراً، ببساطة، للعدول عن مغادرة القوات الأميركية وقوات الحلفاء التي خططت لها إدارة ترامب كجزء من مبادرة سلام أصلية. فقد انسحبت أميركا بالفعل واقتربت كثيراً من الانتهاء من ذلك. ولم يعد هناك عدد كبير من القوات والقواعد، وتم فقدان الكثير من الإمكانيات، وحققت طالبان بالفعل الكثير جداً من المكاسب.
وليست هناك خطط سلام ملموسة حتى الآن، وليس هناك حتى جدول لعقد اجتماعات لوضع مثل هذه الخطط، ناهيك عن تنفيذها. ومن نواح كثيرة لم ترث إدارة بايدن شيئاً مجدياً. لم يبق سوى القليل لتبني عليه، وليس هناك قائد في حكومة أفغانستان المركزية المقسمة بشكل عميق يتمتع بالقوة الكافية بحيث يمكن للولايات المتحدة الاعتماد عليه.
ويؤكد كوردسمان أن الولايات المتحدة يمكن أن تواجه أسوأ السيناريوهات على إثر انسحابها وانسحاب قوات “الناتو” من أفغانستان. وسيكون لأي حكومة من طالبان تتولى الأمور -أو أي حالة لما بعد انسحاب أميركا والناتو تقسم البلد وتؤدي إلى عنف عرقي وطائفي مستمر- تأثير كبير في الأفغان بكل تأكيد.
لكنّ من غير الواضح تماماً ما إذا كانت أفغانستان تحت حكم طالبان سوف تصبح مركزاً رئيسياً للإرهاب الدولي أيضاً.
لم يكن تسامح طالبان مع تنظيم القاعدة قبل 11 أيلول (سبتمبر) مرتبطاً على الإطلاق بأي نية لمهاجمة الولايات المتحدة، وليس من الواضح ما إذا كانت أي قيادة لطالبان تظهر في شكل سلطة في أفغانستان سوف تخاطر بدعم أي حركة متطرفة أو إرهابية يمكن أن تتسبب في فرض عقوبات خارجية، أو عمليات عرقلة للتجارة والنقل، أو أي شكل من أشكال التدخل الصيني أو الروسي، أو نشوب مواجهة مع الدول المجاورة.
ويقول كوردسمان إنه ليس من الواضح أيضا ما إذا كانت طالبان تستطيع حقيقة أن “تكسب” عندما يتعلق الأمر بتشكيل حكومة مستقبلية مستقرة. فطالبان لم تحقق فوزاً في أي مركز تجمع سكاني كبير. وإذا ما انتصرت في معاركها المستقبلية الكبرى وسيطرت على معظم أنحاء أفغانستان ومعظم المراكز السكانية، فإن قدرتها على تشكيل حكومة دائمة فاعلة ليست واضحة -تماماً كما هو حال قدرتها على هزيمة جميع الفصائل المختلفة وأصحاب النفوذ في الشمال، حتى لو استطاعت السيطرة على كابول.
ويوضح كوردسمان أنه نادراً ما تهيئ العناصر الأكثر تطرفاً في أيديولوجية طالبان نفسها للقيام بدور فعال في مجالات الحكم والتنمية. فطالبان هي نوع من الحركة الثورية ذات الهيكل الاعتقادي غير القادر على البقاء في السلطة. ومثل ما حدث مع كل حركة “شيوعية” قبلها، قد ينتهي الأمر بأن تصبح دولة سلطوية أخرى يتخفى قادتها في ما يشبه النظير الأيديولوجي لملابس الهالوين.
وإضافة إلى ذلك، ليس هناك، على المستوى الافتراضي، أي واحد تقريباً من قادة طالبان الذين حكموا البلاد في السابق ما يزال نشطاً، وليس من الواضح مطلقاً ما إذا كانت لدى طالبان كوادر قادرة على تشكيل هيكل حكم مستقر أو شكل من أشكال الاقتصاد الفعال -لا سيما من دون مساعدات خارجية كبيرة.
المصدر: (أحوال تركية) /الغد الأردنية