تتوالى المؤشرات الميدانية على أن الشمال الغربي من سورية يتجه إلى تصعيد عسكري واسع، في ظل الجمود الكبير في الحراك السياسي وقبيل بحث تجديد آلية إدخال المساعدات الدولية في مجلس الأمن الدولي، مع استهداف قوات النظام جنوداً أتراكاً في محافظة إدلب، عقب انتهاء زيارة لمسؤول روسي رفيع المستوى لدمشق.
وذكرت مصادر في فصائل المعارضة السورية في محافظة إدلب لـ”العربي الجديد” أن قوات النظام استهدفت صباح اليوم الأربعاء النقطة التركية في تل بدران، القريب من بلدة كنصفرة في منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب الجنوبي، وهو ما أدى إلى إصابة عدة عناصر من الجيش التركي وأضرار في ساتر النقطة، وفق المصادر. وأوضحت أن مصدر القصف مواقع تابعة لـ”الفيلق الخامس” المدعوم من الجانب الروسي، وللفرقة 25 التابعة لقوات النظام والمتمركزة في بلدة معرة حرمة في ريف إدلب الجنوبي. وأكدت المصادر أن إحدى القذائف سقطت وسط تجمّع للجنود الأتراك عند إحدى نقاط حرس القاعدة، مشيرة إلى أن سيارة إسعاف تابعة للقوات التركية توجهت نحو القاعدة العسكرية عقب الاستهداف بشكل مباشر لنقل الجرحى. وبحسب المصادر، ردت القوات التركية المتمركزة في جبل الزاوية بقصف مدفعي طاول مواقع لقوات النظام في ريف إدلب الجنوبي.
وأشارت المصادر إلى أن قوات النظام استهدفت أيضاً اليوم الأربعاء محيط النقطة التركية في بلدة الأتارب في ريف حلب الغربي، لافتة إلى أن القوات التركية المتمركزة في تل الشيخ تمام بالقرب من بلدة بليون ردت على مصدر النيران بقذيفتين. وفي السياق، قصفت قوات النظام بالمدفعية منطقة جبل الأربعين قرب أريحا في ريف إدلب الجنوبي. وأصيبت امرأة بجروح خطيرة كما جرح طفلان بقصف قوات النظام على محيط مدينة الأتارب.
وذكر الدفاع المدني السوري في بيان اليوم أن التصعيد من قوات النظام وروسيا على ريف إدلب الجنوبي وسهل الغاب استمر للأسبوع الثالث وانتقل إلى ريف حلب، مشيراً إلى أنه راح ضحيته 32 شخصاً بينهم طفلان و5 نساء، وأصيب 69 آخرون بينهم أطفال ونساء، فيما لم يكن هناك أي تحرك دولي أو محاولة لإيقاف التصعيد.
ويأتي القصف من قِبل قوات النظام بعد يوم واحد من قصف تركي استهدف بقذائف عدة مواقع تتمركز فيها قوات النظام والقوات التابعة لروسيا في بلدة خان السبل جنوب مدينة سراقب في ريف إدلب الشرقي، وهو ما أدى إلى مقتل وإصابة عدد من قوات النظام وتدمير تحصينات لها، وفق مصادر في فصائل المعارضة. كما يأتي القصف عقب انتهاء زيارة نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف، إلى دمشق التقى خلالها رئيس النظام بشار الأسد. وأكد بوريسوف خلال مؤتمر صحافي “حدوث تقارب روسي أميركي في ما يتعلق بالملف السوري”، وأشار إلى أنه أفاد الأسد بذلك.
وهذه ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها قوات النظام نقاط مراقبة وتمركز تركية في الشمال الغربي من سورية. وكانت قوات النظام قد استهدفت في فبراير/شباط من العام الماضي جنوداً أتراكاً في ريف إدلب ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات، وهو ما استدعى غضباً عسكرياً تركياً انتهى مع توقيع اتفاق موسكو في مطلع مارس/آذار من العام الماضي أرسى دعائم وقف لإطلاق النار، تجاوزه النظام والروس مرات عدة. وتشير المعطيات إلى أن أنقرة وموسكو حريصتان على عدم انهيار هذا الاتفاق في المدى المنظور.
ورأى القيادي في فصائل المعارضة العقيد مصطفى البكور، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “استهداف النقاط التركية من قبل نظام الأسد يأتي بأوامر روسية عند ظهور أي خلافات روسية تركية كرسالة من الروس بأن جنود الجيش التركي تحت مرمى نيران قوات الأسد وحلفائه”. وأضاف: “قبيل كل جولة جديدة من أستانة يقوم الروس بالضغط على الأتراك لتقديم تنازلات، وعندما يحصل تقارب تركي أميركي غربي على حساب الروس يتم توجيه رسالة روسية للأتراك بأنهم قادرون على إحراج الرئيس رجب طيب أردوغان أمام الرأي العام التركي من خلال قتل بعض الجنود الأتراك في سورية”.
في موازاة ذلك، عاودت وزارة الخارجية في حكومة النظام اتهام “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقاً) بالإعداد لـ”مسرحيات استخدام أسلحة كيميائية في بعض مناطق إدلب وحماة لاتهام الجيش العربي السوري”، وفق مسؤول في هذه الوزارة. وزعم المسؤول، وفق وكالة “سانا”، أن الهيئة “أدخلت صهاريج محملة بالكلور الخام عبر معبر باب الهوى على الحدود مع تركيا، وسلكت مسار “باب الهوى – سرمدا – تل عقربات ـ أطمة”، مضيفاً أن “هناك معملاً للصناعات الكيميائية في بلدة أطمة الحدودية مع تركيا”. وأشار إلى أن “المعمل يحوي مخبراً متخصصاً بتصنيع غاز الكلور”، إذ “ستقوم هيئة تحرير الشام بالتنسيق مع تنظيم (الخوذ البيضاء) بتعبئة قذائف بمادة الكلور واستخدامها ضد المدنيين في ريف إدلب لاتهام الجيش العربي السوري وحلفائه”.
ورداً على ذلك، أكد مدير الدفاع المدني السوري رائد الصالح، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “ماكينة البروباغندا التابعة لنظام الأسد ومن خلفه روسيا لم تتوقف يوماً عن نشر الادعاءات الكاذبة عن عمل الدفاع المدني السوري، ومحاولة تشويه صورته، خصوصاً أن متطوعي الدفاع المدني السوري هم المستجيبون الأوائل لإنقاذ المدنيين جراء الغارات الجوية الروسية، وبالتالي هم الشهود الأوائل على الجرائم التي ترتكب بحق المدنيين”.
من جهته، أشار الباحث في مركز “الحوار السوري” محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن قصف النقطة التركية اليوم “يأتي في إطار التصعيد العسكري والإعلامي المستمر من قبل النظام والروس، خصوصاً مع تكثيف الردود التركية بالمدفعية على خروقات قوات النظام”. وتابع بالقول: “التصعيد العسكري والإعلامي يأتي قبيل التصويت في مجلس الأمن الدولي الشهر المقبل على تجديد آلية ادخال المساعدات الدولية عبر معبر باب الهوى”. ولفت إلى أن مزاعم النظام حول إدخال مواد كيميائية من تركيا عبر معبر باب الهوى الحدودي “محاولة لتبرير رفض روسيا في مجلس الأمن الدولي التمديد لآلية إدخال المساعدات من خلال هذا المعبر، وهي أيضاً محاولة لزيادة الضغط لتحصيل مكاسب أعلى في حال التوافق على التمديد”.
المصدر: العربي الجديد