خلال افتتاحه مسجد شهريار هاتون في إسطنبول يوم الجمعة، بدا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واثقاً إلى حد كبير من نجاحاته في سورية، وقال في خطاب نقلته وسائل الإعلام التركية إن “أجزاء كبيرة من المناطق السورية القريبة من حدودنا جعلناها آمنة. وسنواصل بذل قصارى جهدنا لضمان مستقبل مشرق لجارتنا سوريا على قاعدة وحدة أراضيها ووحدتها السياسية”.
لكن المشهد في شمال غربي سوريا الخاضع لسيطرة تركيا بعد يوم واحد من الخطاب، كان مختلفاً بالكامل.
قُتلت أمرأه مع جنينها جنوب محافظة إدلب، جراء قصف شنته القوات السورية المدعومة من روسيا، وقُتل خمسة عشر شخصاً بينهم عمال إنقاذ، جراء قصف صاروخي شنته القوات السورية المتمركزة في مدينة تل رفعت الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد” شمال حلب.
استهدف الهجوم الصاروخي الأحياء السكنية في مدينة عفرين ومستشفى الشفاء المدعوم من الجمعية الطبية السورية الأميركية (سامز) مما أسفر عن أضرار بشرية ومادية هائلة.
نفى فرهاد الشامي مدير المكتب الإعلامي لـ”قسد” التي يغلب عليها مقاتون أكراد تورط جماعته بالهجوم، قائلاً على “تويتر” إن وسائل الإعلام تنقل معلومات غير دقيقة عن ضلوعنا بالهجوم.
ودانت وزارة الدفاع التركية الهجوم، قائلة إن “وحدات حماية الشعب” الكردية ذراع “قسد” المتمركزة في تل رفعت شرق عفرين، مسؤولة عن الهجوم، وإنه تم الرد بشكل مباشر على أهداف تابعة لوحدات حماية الشعب، وإبلاغ الاتحاد الروسي بالهجوم الجبان الذي قتل أبرياء”.
ومن جهتها، قالت وزارة الدفاع في الحكومة السورية الموقتة عبر بيان إن الجريمة التي ارتكبتها “وحدات حماية الشعب” الكردية لن تمر من دون عقاب.
وبدوره، رأى نصر الحريري رئيس “الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية” المتمركز في تركيا، أن جريمة الحرب التي ارتكبتها “وحدات حماية الشعب” في عفرين، تتطلب تحرك دولي عاجل.
وكان “المرصد السوري لحقوق الإنسان” وهو جماعة حقوقية متمركزة في المملكة المتحدة، أفاد بأن مصدر الهجوم على عفرين مناطق انتشار القوات الكردية وقوات النظام المنتشرة شمال حلب.
وقال الدفاع المدني السوري المعروف باسم جماعة “الخوذ البيضاء”، إن متطوعيه أصيبوا وهم يسعفون الجرحى، ونشر صوراً تظهر تدمير احدى سيارات الإسعاف التابعة له ومتطوعاً ينزف جراء الهجوم.
في البداية، استهدفت أطراف عفرين، وبعد نقل المصابين إلى مستشفى الشفاء تم استهدافه بشكل مباشر، مما أدى لمقتل 15 مدنياً بينهم عمال في القطاع الإنساني، وفق ما أوضح فرس خليفة المتحدث باسم “الخوذ البيضاء” لـ”النهار العربي”.
وقال خليفة إن “الهجوم أسفر عن إصابة 43 مدنياً آخر بينهم عمال في القطاع الإنساني وثلاثة متطوعين من الخوذ البيضاء بإصابات تتراوح بين خفيفة ومتوسطة”.
وأضاف: “ليس واضحاً المسؤول المباشر عن الهجوم الذي شن من مناطق سيطرة القوات السورية و”قسد”، لكن الجانبين مسؤولان عنه. حالة عناصرنا مستقرة، لكن هناك إصابات خطيرة في صفوف المدنيين ومن المحتمل أن يرتفع عدد القتلى”.
ويعتبر مستشفى الشفاء من أكبر المنشآت الطبية في عفرين حيث يقدم نحو 15 ألف خدمة طبية شهرية، بما في ذلك 350 عملية ولادة و250 عملية جراحية.
وسيطرت تركيا مطلع عام 2018 على عفرين بعدما طردت “وحدات حماية الشعب” الكردية في عملية “غصن الزيتون”، وأصبحت المدينة متصلة بمدينة أعزاز الخاضعة لسيطرة تركيا بموجب عملية درع الفرات التي شُنت ضد “داعش” عام 2017.
ومطلع 2020 شنت تركيا عملية “درع الربيع” لحماية قواعدها العسكرية المنتشرة في محيط إدلب بموجب اتفاقات خفض التصعيد الذي عقد في أستانا مع روسيا وإيران عام 2017.
كان آخرها اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى مطلع العام الماضي هجوماً جوياً وأرضياً كاسحاً لقوات النظام وحليفها الروسي قتل خلاله عشرات الجنود الأتراك ومئات المدنيين وشرّد نحو مليون مدني إلى شمال محافظة إدلب والحدود السورية التركية.
منذ ذلك الحين تعزز أنقرة وجودها العسكري بشكل واسع وتدفع بعناصر وعتاد إلى محافظة إدلب لمحاولة منع التصعيد الذي قد ينجم عنه تدفق موجات كبيرة من اللاجئين السوريين إلى تركيا.
وإدلب هي آخر معقل للمعارضة، ولجأ اليها نازحون من مدينة حلب شمالاً وصولاً إلى مدينة درعا جنوباً.
وإلى جانب الانتشار التركي، تسيطر على محافظة إدلب والأجزاء الشمالية لمحافظة حماة واللاذقية المتصلة بها “هيئة تحرير الشام”، الذراع السورية السابقة لتنظيم “القاعدة”، في حين يسيطر على شمال حلب “الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا.
وأجبرت تركيا مطلع العام الجاري على سحب نحو خمس قواعد عسكرية من جنوب إدلب وشرقها بعدما واصلت القوات السورية تطويقها بالكامل. وفي كثير من الأحيان استهدفت قوات النظام القواعد العسكرية التركية في سوريا بشكل مباشر.
وبدا الاتفاق الأخير بين أنقرة وموسكو هشاً منذ إقراره حيث اضطر الرئيس التركي إلى انتظار نظيره الروسي طويلاً، في مشهد غير مألوف.
وتتزايد الخروقات في إدلب منذ بدأ سريان الاتفاق بشكل عام، ومنذ مطلع الشهر وحده قتل ما لا يقل عن خمسة عشر شخصاً جنوب إدلب، معظمهم مدنيون جراء الهجمات المتصاعدة.
وتتذرع روسيا بمهاجمة الجماعات الإرهابية في إدلب لكنها وسعت مع القوات السورية بشكل مريب هجماتها هذا العام لتشمل مناطق سيطرة “الجيش الوطني” شمال حلب.
يعتقد فائز الدغيم، وهو صحافي سوري مقيم في إدلب، أن الجهات السياسية والعسكرية السورية الموالية لتركيا، تلصق مسؤولية الهجمات المتصاعدة جنوب إدلب بإيران عوض عن روسيا لتجنب وضع تركيا بموقف الدولة التي لا تستطيع ضبط أو وقف خروقات النظام وروسيا.
وقال لـ”النهار العربي”: “دائماً هناك جهات تبحث عن أطراف أخرى لإلصاق التهم بها، تماماً مثل الهجوم الدموي الذي وقع يوم السبت في عفرين”. ويضيف أن “الولاء المطلق للداعم والخوف من انقطاع الرواتب يدفع فصائل المعارضة لعدم الرد من تلقاء نفسها على الخروقات أياً كان مصدرها.
ويضيف: “تنتشر تركيا في سوريا لحماية حدودها من الهجمات وضمان أمنها القومي وليس لضمان أمن المعارضة السورية. هناك علاقات واتفاقيات سياسية وعسكرية تربط تركيا وروسيا، من المستبعد أن تضحي تركيا بها مقابل الملف السوري. على المعارضة بناء قرار سيادي وإلا ستضع نفسها مع حليفها في مواقف صعبة، مثل تلك التي وقعت فيها خلال الهجوم الماضي عندما سيطرت قوات النظام على مساحات شاسعة من محافظة إدلب، وحاصرت قواعد عسكرية تركية”.
المصدر: النهار العربي