مع إجراء النظام السوري الانتخابات الرئاسية، وتمديد حكم بشار الأسد لولاية رئاسية جديدة مدتها سبع سنوات، يُتوقع أن تعيد الأطراف المتدخلة في الصراع السوري حساباتها. فمن جهة يعتبر تعنّت الأسد في إجراء الانتخابات، على الرغم من الرفض الدولي، حدثاً قد يفرض تغييراً على معادلة الحل السوري في الأروقة الدولية، ومن جهة أخرى سيكون محطة لمراجعة الأطراف الدولية والإقليمية المتدخلة في الشأن السوري لحساباتها، التي باتت معقدة أكثر من ذي قبل، لا سيما الدول التي بات لها في البلاد تواجد عسكري ومناطق نفوذ، كالجارة تركيا.
وتمد تركيا نفوذها شمال البلاد على مساحات واسعة شرقاً وغرباً. فعلاوة على كونها تعتبر ضامناً للمعارضة عن مناطق الشمال الغربي، كإدلب ومحيطها، أو ما يعرف بـ”منطقة خفض التصعيد الرابعة”، التي قضم النظام وحلفاؤه أجزاء منها، على الرغم من التواجد العسكري التركي، بالإضافة إلى مناطق ريف حلب الشمالي وعفرين التي يظهر النفوذ التركي فيها مدنياً وعسكرياً بشكل واضح، فإن حضورها شرقي الفرات، من خلال سيطرتها على مساحة ممتدة بين مدينتي رأس العين غربي الحسكة وتل أبيض شمال شرق الرقة، فتح شهيتها على التوغل أكثر شرقي الفرات على حساب “قوات سورية الديمقراطية” (قسد). وفي حين بات الأسد يطمع، بدعم من حلفائه، لتوسيع قاعدة ما يعتبره انتصاراً سياسياً في الانتخابات، لتحقيق نصر عسكري، فإن خياراته ستتجه نحو مناطق النفوذ التركي في الشمال، ما سيجعل أنقرة تعيد حساباتها للتعامل مع مواجهة الأسد، الباقي في الحكم، على الأقل حالياً، لترتيب أوراقها بناء على هذا المتغير.
وفي هذا الإطار، رأى عضو حزب “العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، يوسف كاتب أوغلو، المقرب من حكومة الرئيس رجب طيب أردوغان، أن “أنقرة لا تنظر لهذه الانتخابات إلا على اعتبارها مهزلة فاقدة للشرعية والنزاهة، ولا يمكن البناء عليها”. وأضاف، في حديث مع “العربي الجديد”، أن موقف بلاده كان واضحاً في الأعوام الأخيرة، وينص على أنه “في حال فشلت الخيارات السياسية لحل الأزمة فلا بد من اللجوء للخيارات العسكرية لفرض ما يجب فرضه بالقوة، وهي تضغط بالقوة على المجتمع الدولي الذي تواطأ على الشعب السوري بالتسويف والتدليس، لاتخاذ خيارات وإجراءات أكثر صرامة حيال النظام”.
وأشار كاتب أوغلو إلى أن تركيا “معنية بحماية أمنها القومي والحفاظ على سلامة أراضيها، من خلال حدودها الممتدة على طول نحو 900 كيلومتر مع سورية، وأيضاً تأمين مناطق آمنة للسوريين، ولا سيما المناطق التي هي الآن تحت الحماية التركية، للحد من توسيع عمليات التغيير الديمغرافي وتهجير السكان، كما حصل في مناطق عديدة في سورية”. وأضاف: “أيضاً فإن تركيا فرضت نفسها في المعادلة السورية كطرف رئيس، من خلال العمليات العسكرية التي قامت بها في ريف حلب وإدلب وشرق الفرات، وبالتالي بات لها وجود من منطلق قوي، يحتم على جميع الأطراف مراجعتها في أي شكل للتسوية السورية، التي لن تقبلها أنقرة إلا بما يتناسب مع تطلعات السوريين”.
وأشار كاتب أوغلو إلى أن استراتيجية تركيا في سورية ستعتمد على محوريين أساسيين: الأول تثبيت وتوسيع رقعة وقف إطلاق النار، الذي أبرم بين الروس والأتراك حول إدلب في مارس/آذار من العام الماضي، وعلى هذا فإن الاتفاقيات بين أنقرة وموسكو واضحة، وعلى المسؤولين في روسيا إجبار النظام على الانسحاب إلى ما وراء النقاط التركية في إدلب، وإفراغ منطقة خفض التصعيد من وجود قوات النظام والمليشيات، ليصار لأنقرة بسط الأمن فيها، وتعزيزها بالجانب الخدمي والمدني بعد إعادة المهجرين، وإيقاف جريمة التغيير الديمغرافي التي طبقها النظام، بدعم من حلفائه، فيما تصر الحكومة على إعادة الناس إلى إدلب ومحيطها بأي خيار كان، وتحقيق انسحاب النظام، وهذا سيبقى مطلباً تركياً إلى حين تنفيذه. أما المحور الثاني، فيكمن بمحافظة أنقرة على حماية أمنها القومي، والتركيز على عدم السماح بإنشاء “كانتون” أو دويلة كردية في سورية، تسعى إليه التنظيمات الكردية الانفصالية بدعم من القوى الغربية، وهذا الكيان ليس له وظيفة سوى تفتيت دول المنطقة، كهدف رئيس للسياسات الغربية، وفق قوله. وأكد كاتب أوغلو أن حكومة بلاده “لا يمكن لها التفكير في تغيير العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع النظام، على خلفية هذه الانتخابات، التي تعتبرها حكومة أنقرة مسرحية هزلية، لتعويم مجرم لا يمكن تعويمه بأي طريقة كانت”.
من جهته، رأى الصحافي التركي إسلام أوزكان أن أنقرة “حددت سياستها في سورية بناء على محورين، رداً على الشراكة الأميركية مع الأكراد. الأول تحويل مثلث أعزاز – جرابلس – الباب وإدلب، التي تحكم فيها هيئة تحرير الشام وجهاديون آخرون، إلى منطقة عازلة ضد دمشق. والثاني تحويل المنطقة بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً داخل حدود ما يسميه الممر الكردي إلى ممر مناهض لوحدات حماية الشعب الكردية. في غضون ذلك، بالإضافة إلى خيبة الأمل التي سببتها الشراكة الأميركية الكردية في أنقرة، دفعت حادثة إسقاط الطائرة الروسية ومقتل السفير الروسي في أنقرة (أندريه كارلوف) إلى التعامل مع اللعبة الروسية والتفاهم معها”.
وأضاف أوزكان، في حديث لـ”العربي الجديد”: “من ناحية أخرى شاركت تركيا في مفاوضات أستانة مع روسيا وإيران على هذا الأساس، وحصلت عملية “غصن الزيتون” في عفرين وعملية “نبع السلام” في تل أبيض ورأس العين بأهداف مناهضة لوحدات حماية الشعب الكردية”. واعتبر أن “هذه العملية الأخيرة المشتركة بين المعارضة السورية وتركيا، سمحت للجيش السوري وقوات الشرطة العسكرية الروسية بزيادة سيطرتها في شرق الفرات، بعد اتفاق جديد تم التوصل إليه بين أنقرة وموسكو، بعد أن أوقفت واشنطن العملية العسكرية الأخيرة للجيش التركي”. ولفت إلى أن أنقرة “تصر الآن على خطة الممر البالغ عمقه 30 كيلومتراً، وتهدف لتمديد هذا الممر من دون انقطاع من إدلب وعفرين إلى ضفاف نهر دجلة في الشرق”، لكنه رأى أنه “من الصعب أن يمتد الجيش التركي إلى ما وراء هذه المناطق في ظل المعادلات الدولية والإقليمية، خصوصاً السياسات الجديدة التي تتبعها الولايات المتحدة”.
أما الصحافي السوري-التركي عبد الله سليمان أوغلو، فلا يعتقد أن تغييراً سيحصل في الموقف التركي تجاه نظام الأسد. وأشار، في حديث مع “العربي الجديد”، إلى أن “موقف أنقرة لم يتغير في الانتخابات السابقة، فالنظام فاقد الشرعية والأهلية بنظر الحكومة التركية، ولا حل للمسألة السورية بوجود الأسد، ومن دون تطبيق قرارات الأمم المتحدة الخاصة، والتي تقوم على مرحلة الانتقال السياسي وهيئة حكم انتقالي، تُجري انتخابات حرة ونزيهة بمشاركة الجميع وتوافق الجهات الفاعلة”. أما بالنسبة للسيطرة الجغرافية ومناطق النفوذ، فرأى سليمان أوغلو أنه “لن يكون هناك تغيير كبير طالما يوجد توافق روسي تركي، والأتراك يرغبون بإبقاء الوضع على ما هو عليه مستقرا نسبياً، مع مساعي دبلوماسية للدفع باتجاه حل سياسي دائم. وتركيا تؤكد مع ذلك ضرورة استعادة تل رفعت ومحيطها ومنبج لإعادة المهجرين إليها، وتخفيف العبء على المناطق التي هي تحت الإشراف والنفوذ التركي”.
وتُعتبر أنقرة من أبرز الفاعلين في الصراع السوري لصالح المعارضة السورية. ومنذ العام 2016، بدأت تركيا سلسلة عمليات عسكرية بهدف حماية حدودها من تعاظم تواجد التنظيمات الكردية، لا سيما شمال شرقي سورية، ومن ثم تدخلت، إلى جانب قوات المعارضة، في وجه قوات النظام لوقف تقدّمه في إدلب، ونشرت قواتها بكثرة هناك، وواجهت النظام في ما سمتها عملية “درع الربيع” ربيع العام الماضي والتي توقفت باتفاق بينها وبين روسيا. جاء ذلك بعد أن تساهلت مع عمليات تقدم النظام وحلفائه، الذين قضموا جزءاً كبيراً من منطقة جغرافية تعتبر وفق الاتفاقات التركية – الروسية تحت الحماية والنفوذ التركي، بموجب تفاهمات قمة سوتشي للعام 2018 بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين وأردوغان، الأمر الذي يدفع تركيا إلى المطالبة بتطبيقه وانسحاب قوات النظام والمليشيات إلى ما وراء نقاطه العسكرية التي كانت تحيط بتلك المنطقة، قبل سحب معظمها.
المصدر: العربي الجديد