مع تولي الرئيس الاميركي جو بايدن مهامه في العشرين من الشهر الجاري، فان الانظار تتركز على طريقة التعاطي الاميركية مع الوضع في سورية…
ولعل لبنان هو من بين اكثر المعنيين بما ستؤول اليه الاوضاع على هذه الصعيد، نظراً لانعكاس ذلك على اوضاعه بعد تفاقم ازماته في كل المجالات والصعد والميادين.
فهل ستستمر السياسات الاميركية نفسها التي اتبعت خلال ولاية الرئيس دونالد ترامب ازاء سورية أم ان تغييرات او أقله تعديلات ستطرأ عليها ولاسيما بالنسبة لغضّ الطرف من قبل ادارته ازاء الوجود العسكري الروسي، في اطار ادارة الصراع في سورية وعليها بينهما والتي حوّلت بلاد الشام الى مناطق نفوذ عديدة بينها ما هو للولايات المتحدة وبينها ما هو لروسيا الحريصة مثلها مثل واشنطن وربما اكثر على امن الكيان الصهيوني، فضلا عن مناطق اخرى للاكراد وتركيا الخ.
وكل ذلك سيحصل بالطبع، مع اجراء الانتخابات الرئاسية هذا الشهر، وفق الدستور الحالي وليس وفق دستور جديد كان يعمل الروس من اجل اقراره، وهو امر لم يلقى تجاوباً من حلفائهم، علماً ان بشار الاسد في ظل الانتخابات الذي يصح وصفها بانها صورية يحضر نفسه للفوز بولاية رئاسية جديدة.
فماذا عن بايدن؟
وفق المعلومات فان ادارة ترامب كانت عملت على ما يشبه مقايضة مع النظام السوري.. مقايضة للقبول ببقاء واستمرار النظام السوري الحالي تضمن لاسرائيل ما تريده من خلال امرين :
- الاول: ضمان أمن اسرائيل والتعهد باخراج كل القوى والمجموعات المعادية للكيان الصهيوني من الاراضي السورية.
- الثاني: القبول بتسوية تضمن للكيان الصهيوني استمرار سيطرته على منطقة الجولان السورية المحتلة من خلال المفاوضات.
وكانت مفاوضات سرية جرت بين النظام السوري والكيان الصهيوني قبل اشهر في عاصمة عربية، وفي معلومات تم تداولها في بعض الاوساط المتابعة ،فان المفاوضات تمت برعاية اميركية – روسية.
ولم يعرف حتى الان عدد جولات التفاوض التي عقدت، ولا المستوى التمثيلي للوفود المشاركة فيها، الا ان وتيرتها لم تكن بطيئة وتم البحث فيها في كل مندرجات ما حكم العلاقة بينهما والمفاوضات السابقة التي جرت خلال العقود السابقة من منطلق ان كل فريق مفاوض لديه أجندة يريد من الفريق الاخر ان يقبل بها وتتعلق بأمن كل منهما اولا ،اضافة الى البت بمستقبل هضبة الجولان السورية المحتلة التي سبق للكيان الصهيوني ان اعلن ضمها وحظي بتأييد الولايات المتحدة ايام الادارة السابقة لخطوته هذه.
اسرائيل ارادت من المفاوضات اولاً ابعاد ايران عن حدودها الممتدة مع سورية، كمقدمة لاخراج طهران من كل الاراضي السورية، من دون ان يخفى ما وراء ذلك من استهداف مباشر وغير مباشر لحزب الله ودوره في لبنان. وبالطبع فان هذا المطلب الاسرائيلي غير بعيد عما تريده واشنطن وكذلك موسكو وإن كان الامر ليس مطروحاً من قبلهما بالدرجة نفسها من الاهتمام والاولوية.
وفي ما يتعلق بحزب الله صار واضحاً من خلال سيل التصريحات الاسرائيلية ان حزب الله يشكل “خطراً فعلياً ومباشراَ على الامن القومي الاسرائيلي ، كونه قادر وفي اي لحظة على استهداف الكيان الصهيوني وجبهته الداخلية بما لم يشهده من قبل من استهدافات، خصوصاً وان الحسابات الاسرائيلية حول امكانية دخول وحدات نخبة للحزب الى الداخل الاسرائيلي لم تعد خافية على احد بعد سلسلة من المناورات التي اجراها الجيش الاسرائيلي خلال الاشهر الماضية تحت عنوان كيفية التعامل مع اختراقات يمكن ان تحدثها وحدة “الرضوان “التابعة للحزب في شمالي الكيان الصهيوني.
وفي المقابل فان النظام السوري اراد وقف التدخلات الاسرائيلية في سورية لاسيما لجهة الموقف الاسرائيلي الداعم لمعارضي النظام ، وهو يعمل تالياً من اجل ان يكون اي اتفاق تطبيع مع العدو الاسرائيلي وسيلة له لتعويم نفسه، كخطوة تكفل له البقاء ،علماً انه بات واضحا ان قرار هذا النظام لم يعد بيده وبات بمتناول موسكو التي دفعت اساساً النظام الى الموافقة على بدء المفاوضات مع الكيان الصهيوني.
وبطبيعة الحال،
فان ما ورد يندرج في اطار الهم الاساسي للنظام، وهو العمل على تأمين كل ما يضمن استمراره، وهو لذلك على استعداد لفعل كل ما يمكن ما فعله اذا كان يؤمن له الاستمرارية، وطيّ صفحة المطالبة بتنحيه او رحيله او الاطاحة به، فهو ضد اسرائيل اذا كان هذا الامر يؤمن له البقاء وهو ليس ضدها اذا كان الثمن ضمان ديمومته.
اما بخصوص مصير هضبة الجولان المحتل،
فان اسرائيل كما اشارت المعلومات حول المفاوضات ليست بوارد التخلي عنها، كما انها لم تعر اهتماماً لكل ما طرحه الوفد السوري حول مفاوضات سابقة كانت توقفت امام ما كان اسرائيل طرحته في مفاوضات جرت في عهد رئيس وزراء العدو السابق ايهودا باراك في مدينة شيبردستاون في ولاية فرجينيا الاميركية ويومها طرح باراك الانسحاب من الجولان حتى خطوط الحدود الدولية لعام 1923 بين سورية وفلسطين المحتلة مع ازاحة هذا الخط غرباً ليمر على بعد عشرة امتار من الشاطئ الشرقي لبحيرة طبرية، الا ان دمشق رفضت يومها العرض الاسرائيلي كما هو معروف واصرت على استعادة الجولان بشكل كامل من دون الاستغناء عن اي شبر.
وسبق ذلك حصول مفاوضات في العام 1996 في مدينة وايبلايتيشن في ولاية ميرلاند الاميركية وبرعاية الرئيس الاميركي في ذلك الوقت بيل كلينتون ومشاركة وزير خارجيته في عهد رئيس وزراء العدو اسحق رابين والرئيس السوري حافظ الاسد الا انها توقفت بعد الخلافات التي ظهرت حول خط الانسحاب والترتيبات الامنية وبعد فوز اليمين الاسرائيلي في تلك المرحلة بزعامة بنيامين نتنياهو والذي يركز دائما على بقاء السيادة الاسرائيلية على هضبة الجولان مقابل ما كان يطرحه اسحق رابين بشعاره الانسحاب من الجولان مقابل السلام.
المفارقة اليوم،
هي ان المفاوضات تتم من اجل ضمان استمرار السيادة الاسرائيلية على هضبة الجولان وضمان التطبيع مع سورية، ولو ان ما يطرحه الروس يضمن عودة الجولان الى سورية في الشكل ولكن على ان يبقى في المضمون وعلى ارض الواقع بيد اسرائيل.
ومن بين الافكار المطروحة على هذا الصعيد هو ان تعمد اسرائيل للاستثمار او استئجار الجولان لمدة مائة عام قابلة للتجديد مع كل ما يعنيه ذلك من وضع اليد بشكل كامل على الجولان ولكن باعتراف سوري او باعتراف من يتولى السلطة الان في عاصمة الامويين.
ومن غير الواضح بعد، ما اذا كانت المفاوضات التي توقفت مؤخراً مع انكسار ترامب في الانتخابات الرئاسية الاميركية ستعود مع بايدن للوصول الى نهايتها المرسومة من قبل موسكو وواشنطن ترامب وكذلك تل ابيب مقابل الموافقة على بقاء بشار الاسد في سدة الرئاسة في سورية ولاسيما في الانتخابات الرئاسية المقبلة ، الا ان الواضح وبشكل جلي ان هذه المفاوضات التي جرت تندرج في اطار رسم الصورة المستقبلية للوضع في سورية ، ضمن النظام الاقليمي الجديد الذي ينتظر ان تتكثف عملية الاعداد لصيغته المقبلة بعد التسلم جو بايدن مهامه الرئاسية، وهي صيغة تعمل الادارة الاميركية اي ادارة اميركية ديمقراطية او جمهورية وبموافقة موسكو فلاديمير بوتين من اجل ان يكون الكيان الصهيوني في مقدمة الرابحين فيها.
باي حال،
فان المفاوضات المشار اليها، تمت في سرية تامة ، وليس معروفا بعد من نتائجها سوى ان بشار الاسد باق في السلطة لولاية جديدة ما يشير بوضوح الى ان ثمة صفقة ما برعاية مباشرة من موسكو وموافقة ضمنية من قبل واشنطن. وهي مؤشر في كل الاحوال على ان سياقاً جديداً قد فتحت ابوابه سواء جرى المضي به او ايقافه عند محطات معينة . وهذا السياق يمكن ادراجه ضمن خانة التحولات الهامة والمفصلية في حال قيض لمساراته التمظهر على الارض باشكال مباشرة او غير مباشرة.
ولعل ما نشرته ” الشراع” منذ فترة حول لقاء بين وفد صهيوني ووفد الحكومة السورية في قاعدة حميميم على لسان مصادر في المعارضة السورية يندرج في اطار ما يعمل الروس والصهاينة على التحضير له في المرحلة الجديدة.
المصدر: مجلة الشراع