أنا سارة الابنة الكبرى لعبدلله الخليل ,أبي من مواليد 2 /1 /1961 محافظة الرقة ،درس أبي الحقوق في جامعة حلب وتخرج منها سنة 1986،عمل في بداية تخرجه في مكتب أحد المحامين ثم افتتح بعد ذلك مكتبه الخاص وبالإضافة لعمله الخاص بالمحاماة كان أيضاً يعمل عملاً تطوعياً بجمعية لحقوق الإنسان في الدفاع عن معتقلي الرأي والمعتقلين السياسيين وبشكل خاص معتقلي سجن تدمر ،ونتيجة لعمله هذا ولموقفه المناهض لنظام الأسد والذي كان يتم بشكل سري ،كان يستدعى من قبل المخابرات كل فترة للتحقيق بدافع الشك منهم أو نتيجة تقارير مخبري الأمن، إلا أنه منذ بداية عام 2007وهو العام الذي قام به أبي بترشيح نفسه لمنصب رئاسة سورية ،أصبحت كل تحركاته اليومية وحتى حياتنا نحن كعائلة تحت المراقبة وذلك بعد استدعائه من قبل الأمن العسكري في مدينة دير الزور، إثر حادثة ترشحه تلك ،والتي جعلته معروفاً ربما ليس في الرقة وحدها بل عند أغلب السوريين لقيامه بعمل محرم في سورية.
هذا عبدلله الخليل ،بالنسبة للجميع ،هو المحامي عبدلله الخليل لكن بالنسبة لي هو أبي ،كانت علاقتنا به نحن أبناؤه الخمسة مميزة ،حاضراً بجميع تفاصيل حياتنا وكنا نجده أسهل بالتعامل وأكثر رحابة صدر معنا من أمنا ، يساعدنا بواجباتنا المدرسية ,يجيب على أسئلتنا الطفولية الكثيرة ، يلعب معنا ، نرافقه دوماً إلى المزرعة التي نملكها في أطراف مدينة الرقة، كان يصر على أ ن يعتني بنفسه بأشجار الزيتون، كنا أنا وأخوتي متعلقين به لدرجة مرافقته أحياناً لمكان عمله. عام 2011 كان نقطة تحول بحياة عائلتنا ،كان أبي من المشاركين بقوة بالمظاهرات السلمية ومن المنظمين للحراك السلمي ضد نظام الأسد ،هذا أيضاً شاركنا به نحن أبناؤه الذين اعتدنا مشاركته كل شيء ،وقد اعتقل في تلك الفترة خمس مرات وسجن لفترات تراوحت بين أربعين يوماً وحتى أربعة أشهر، في المعتقل كانوا يمارسون عليه مختلف الضغوط وكان دائماً يخرج بحالة صحية متدهورة حتى أن النظام قام بهدم مزرعتنا بحجة وجود أسلحة فيها .في عام 2012 اضطر أبي للخروج من الرقة تجنباً لاعتقال طويل هذه المرة وقمنا نحن وأمي لاحقاً وفي نفس العام بالخروج بشكل سري لننضم إليه في تركيا .في تركيا عمل أبي مع ولاية أورفا في إيصال المساعدات الإغاثية للداخل السوري المحرر ،وعاد إلى الرقة بتاريخ 11 3 2013فور تحريرها كونه رئيس المجلس المحلي للمحافظة بينما بقينا نحن في تركيا ،زارنا بعد ذهابه ثلاث مرات قبل أن يتم اختطافه أثناء عودته من مكتبه بالرقة إلى بيت أخيه الواقع بالأطراف القريبة من المدينة ,في تلك الليلة كنا على تواصل معه قبل خروجه من المكتب وفي الصباح التالي قيل لنا أن مجموعة من الملثمين اعترضته في الشارع وأخذته .في وقتها كان الاختطاف وطلب الفدية أمراً شائعاً في الرقة لذلك ظننا في البداية أن المسألة لن تطول إلا أن الوقت طال كثيراُ ولم يتصل أحد لطلب أي شيء .قامت عائلة والدي بالسؤال عنه لدى الجيش الحر وأحرار الشام ، الجهتان المسيطرتان على الرقة في ذلك الوقت ، لكن لم يحصلوا على أي معلومة عنه أو حتى عن الجهة الخاطفة ، ومع سيطرة داعش على الرقة لاحقاً واستيلائها على مكتبه والبيت أصبحنا متأكدين أن داعش هي من تقف وراء خطفه .بعد استيلاء داعش على البيت عادت أمي للرقة من أجل استعادة البيت وحاولت سؤال عناصر داعش المتواجدين في البيت عن مصير أبي كونهم دخلوا للبيت من دون خلع الباب وبنفس المفتاح الذي يوجد منه نسخة معها ونسخة أخرى مع أبي فقط لاحظت أمي أنها كانت موجودة على كونتر الباب ، هؤلاء العناصر أخبروها أن تنتظر الأمير لسؤاله عن أبي ، لكنها انتظرت طويلاً وحاولت السؤال ولم تصل لشئ، فعادت لتركيا. بعد خروج الرقة عن سيطرة داعش حاولنا التواصل مع قسد عبر معارف أبي وعبر الائتلاف السوري وكنا كلما شاهدنا خبراً على مواقع التواصل عن إيجاد معتقلين نلاحق المصادر ونحاول معرفة أي معلومة تؤكد لنا مصيره حياً كان أم ميتاً، لكن كل الجهات لم تفيدنا بشئ. أود القول أن غياب أبي جعلنا نكبر قبل أواننا ، تحملنا مسؤولية لم نعتدها في وجوده ووقع علينا حمل غيابه الغامض الذي لا يسمح أبداً للحزن أن يأخذ سيره الاعتيادي بحيث تسكن نفوسنا ،وصحيح أننا نعيش ونكبر ونتابع دراستنا إلا أننا أبداً معلقون بلحظة اختفاء أبي .
المصدر: مسار