مع اقتراب الذكرى العاشرة للثورة السورية 2011 – 2021، استغرقنا في البحث عن وسيلة وطريقة تعبيريتين تجمعان الثورية والفنية والأصالة في بوتقة واحدة، نحيي بها المناسبة المباركة. وبعد تفكير عميق، وجدنا ضالتنا في أقدم فنون العرب، واقواها بيانا وتعبيرا، نعني طبعا ” الشعر “.
الكلام للشاعر والكاتب محمد خليفة، يشرح به كيف تبلورت فكرة تنظيم مهرجان حاشد للشعراء السوريين ، يبوحون فيه بمكنوناتهم القصائدية وشهاداتهم الفنية الموثقة صوتا وصورة وموسيقى . الشعر الذي كان ” ديوان العرب ” قديما، ومخزن ثقافتهم وقيمهم الراقية ، وأعظم أدواتهم التعبيرية والفنية ، ولعب دورا لغويا تأهيليا لتدريب أذهانهم على التفكير المجرد ، وتهيئتهم لتلقي الخطاب القرآني المركب واستيعابه . ويعتقد كثير من المؤرخين والنقاد أن الشعر في تاريخ العرب يشابه دور الفلسفة في تاريخ الاغريق . وهذا الدور ما زال حاضرا كما كان في الماضي ، إذ أصبح في سنوات ” الثورة المباركة ” أداة السوريين الأقوى لتصوير وتوثيق ما تعجز عنه كاميرات المراسلين وتقارير الصحافيين ونشرات الاخبار وتحاليل الخبراء .. إلخ .
يضيف خليفة ( لقد استطاع الشعراء السوريون بخاصة ، والأدباء بعامة ، تصوير الأوجه العميقة للمأساة ، التي لا تنفذ اليها كاميرات المصورين ، وتقارير المراسلين ، كاستغاثات المعتقلين ، وحرقة قلوب الحرائر والأرامل والمغتصبات ، وأنين المعذبين والجرحى ، وبكاء الأطفال المشردين ، والغرقى في البحار ، في توقانهم الى الحرية والأمان والسلام ، وترجمة إرادة شعب كامل وتشخيص تصميمه على استرداد حقوقه المفقودة منذ ستة عقود ، وإسقاط النظام الأسدي المتوحش ، بمزيد من الكفاح والتضحية .)
ويتابع ( بدأنا الاتصالات بالشعراء السوريين، وحرصنا أن تشمل ثلاثة أجيال، من تجاوزوا الستين عاما ، ومن تتراوح أعمارهم بين الأربعين والستين ، وكذلك جيل الشباب ، ممن هم بين العشرين والاربعين . )
ويقول ( حرصنا أن يكون للمرأة حضورها ومساهمتها الحية الفاعلة ، ونجحنا في الوصول الى تسع شاعرات مبدعات ، لهن حضور قوي في مسيرة الشعر الحديث المعاصر السوري والعربي .)
وكانت المحصلة 45 شاعرا من رواد الابداع الشعري السوري وافقوا واتفقوا على أرسال صورة مشرقة الى العالم عن الابداع المتجدد وطاقات شعبهم الذي تعرض لجرائم اقتلاع وإبادة وعقاب جماعي طوال عشر سنوات ، بدون موقف مناسب من المجتمع الدولي .
استمرت أعمال (مهرجان شعر الثورة السورية الأول) على وسائل الاتصال الافتراضية على مدى ثلاث أمسيات 20 – 21 – 22 آذار / مارس . بمعدل 15 شاعرة وشاعرة كل يوم . افتتح اللقاء منظم المهرجان محمد خليفة بكلمة قصيرة رحب فيها بالشعراء وبالحضور من متذوقي البيان الشعري ، وجاء فيها :
( لقد سألني كثيرون عن مغزى إقامة مهرجان شعري يضم زهاء خمسين شاعرة وشاعرا ، يمثلون ثلاثة أجيال ، فأجبت إن الأمر مقصود بذاته ولذاته ، نريد أن نري العالم مدى ثراء شعبنا بالإبداع المتجدد ، بعد أن شوه الإعلام السطحي صورة ثورتنا وشعبنا ، وأصبحت سورية لا تذكر إلا مقرونة بالعنف والارهاب والاحتراب الدموي ، ونريد في الذكرى العاشرة للثورة المباركة القول للذين دمروا سورية عمدا ومزقوا مجتمعها ، وهجروا ملايينها ، وفي مقدمتهم الطاغية المعتوه وطغمته ، وعصابات الفرس المتوحشة ، وجحافل روسيا الهمجية أن شعبنا أقوى منكم ، وسيعيد الحرية والازدهار لبلاده .
كما أردنا تذكير العالم بأن بلادنا هي مهد الحضارة الإنسانية الأول . وأن شعبنا السوري أول من ابتكر “الكتابة” ، وأبدع الموسيقى ، وألف الشعر ، وكتب أول نص ملحمي في التاريخ ( جلجامش ) الذي سبق الالياذة والأوديسة الاغريقيتين بألف عام . سورية والعراق كانتا مهد الشعر في التاريخ . وحتى في عصرنا الحاضر ، أطلق السوري الحلبي علي الناصر ثورة الشعر الحديث قبل السياب والملائكة بعشرين عاما . وأطلق السوري أورخان ميسر الشعر السوريالي قبل انسي الحاج ويوسف الخال بكثير ، وأول رواية عربية صدرت مطبوعة كتبها الحلبي فرانسيس مراش عام 1865 ، ونهضة المسرح بدأها ابو خليل القباني من دمشق ، والموسيقى العربية المعاصرة بدأها الشيخ علي الدرويش مطلع القرن العشرين وأشاعها بين المشرق والمغرب .)
وأشارت كلمة الافتتاح الى أن المهرجان برعاية (ملتقى العروبيين السوريين) وهو فضاء ثقافي فكري هدفه الدفاع عن هوية سورية العربية في مواجهات الهويات المصطنعة أو الهجينة التي تحاول بعض المكونات الترويج لها .
انطلقت أعمال المهرجان بقصيدة ملحمية طويلة ألقاها الشاعر السوري الكبير مصطفى عكرمة ،
وتلته الشاعرة د . ابتسام الصمادي ، ابنة حوران مهد الثورة ،
وأصر الشاعر الكبير د . محمد نجيب المراد الفائز الأول بمسابقة شاعر العرب منذ عام 2008 أن يكون دوره عاشرا تعبيراً عن تواضعه ، ورغبته بإفساح المجال لجيل الشعراء الشباب ،
فألقى الشاعر البارز صلاح الخضر من الشمال المحرر قصائده ، ثم الشاعر نور الدين اللباد ( وهو دبلوماسي منشق عن النظام ) . وشاركت الشاعرتان البارزتان صفية الدغيم ونارت حسن الشيخ بقصائد مسجلة أرسلتاها للمهرجان نتيجة عدم تمكنهما من الحضور، والقتها نيابة عنهما نور الهدى علي ، كما شارك الشاعران الشقيقان مجد أبو راس ، وعبد الرحمن أبو راس ، وعبد القادر عبد اللطيف .. إلخ .
وفي اليوم التالي كان ابرز المشاركين الشاعرات هلا عكاري
ومها الرفاعي ولميس الرحبي، ومنع المرض المفاجئ الشاعرة لمى العبود ، وشارك من الشعراء حسان حويش ، وعبد الكريم جمعة ، وفراس الرحيم ، وابراهيم جعفر، والكاتب الشاعر د . ياسر العيتي، وكلهم يقيمون في الشمال السوري وتركيا ، والطبيبان الشاعران المقيمان في أميركا فراس الناشف ، ومضر صقال ، والأديب المتعدد النشاطات سمير سطوف المقيم بالجزائر. وشارك الشاعر الفلسطيني نبيل طربية من الداخل الفلسطيني بقصائد ذات روح قومية تجمع بين المأساتين الفلسطينية والسورية.
ومن أبرز شعراء اليوم الثالث الشاعرتان صافي محمد مظهر أحمد، وبراءة الرويلي، والشعراء حسن النيفي، وعبد المجيد الفريج، وخليفة العبد، وميشيل سطوف، وبشير الصالح ، وأحمد مشول .
وانهى المهرجان أعماله بكلمة ختامية للشاعر محمد خليفة قال فيها (نجدد التأكيد على أن المهرجان لن يكون حدثا عابرا أو عارضا، بل منطلقا لمسار أدبي وثقافي فاعل على الساحة الوطنية الثورية، وستتكرر الفعاليات شعرا ونثرا، وسنؤسس جمعية أو رابطة رسمية مسجلة في إحدى الدول الأوروبية، تضمنا وتوحد نشاطاتنا، وتزيدها تأثيرا في الساحة السورية كلها ، بفضل تعاوننا وتفاعلنا الإيجابي البناء .
ونعلمكم أن كل القصائد التي القيت في المهرجان الأول ستنشر على صفحات موقع “ملتقى العروبيين السوريين” الإعلامي الثقافي، وسنجمعها وننشرها في ديوان واحد قريبا، إن شاء الله).
الجدير بالذكر أن المهرجان هو الأول من نوعه في الساحة السورية بعد عام 2011 ، ولم يسبق أن التقى هذا العدد من الشعراء في مهرجان واحد . ولذلك اعتبره الاعلامي السوري البارز د . أيمن نور رئيس تحرير موقع ( كلنا شركاء ) الاعلامي السياسي أن المهرجان أبرز حدث خلال احتفالات ذكرى الثورة ، وحمل رسالة ثقافية متحضرة الى العالم .
المصدر: الشراع