عشر سنوات مضت على انطلاق فعاليات ثورة الشعب السوري طلبا للحرية والكرامة ولا يزال شلال الدم السوري جاريا في مواجهة كل التحديات الحياتية والوجودية. عشر سنوات من الصمود والصبر والتضحيات الجسيمة ولم تتحقق مطالب هذا الشعب الأبي المكلوم المنكوب..
عشر سنوات تعرض فيها شعب سورية العربي لأبشع المجازر المروعة وأبشع أنواع التعذيب والتقتيل والتدمير والتهجير فقط لأنه تجرأ بالخروج على جلاديه المجرمين الذين يتحكمون بمصيره ويدوسون كراماته وينهبون خيراته ويبيعون سيادته وقراره الوطني لأعدائه التاريخيين ولكل عدو وطامع بأرضه ورافض لهويته الوطنية وانتمائه القومي..
عشر سنوات قدم فيها شعب سورية العربي من التضحيات ما يفوق تضحيات أكبر وأهم الثورات التي عرفتها البشرية منذ قرون..
تضحيات كانت تكفي لتغيير جذري في الواقع السوري لمصلحة المطالب الشعبية والسيادة الوطنية ..
وهو التغيير الذي لا يزال معاندا عصيا يستدعي مزيدا من التضحية والعزيمة والإصرار..
عشر سنوات تضاعف فيها القهر والاضطهاد أضعافا مضاعفة ولم يستسلم الشعب السوري ولم ينهزم ولم ييأس…صحيح أنه لم يسقط نظام القهر والطغيان لكنه هزمه وانتصر عليه مبكرا من عمر الثورة. وكاد سقوطه يتم لولا تدخلات دولية رسمتها سياسات صهيونية- أمريكية وتم تنفيذها بأدوات روسية وإيرانية تحت الغطاء الامريكي والقبول الصهيوني..
عشر سنوات كانت أكثر من كافية بل شكلت فائضا في الوضوح ومزيدا من مقتضيات الثورة والاستمرار فيها …فكل ممارسات النظام الإجرامية بحق الشعب المنتفض كانت أكبر من أي دليل على إجرامه وتبعيته وخضوعه للإرادة الأجنبية والحماية الدولية المعادية لتحرر سورية وتقدمها..
ما لم يكن بينا للكثيرين من تبعية نظام القهر والطغيان لقوى النظام الدولي الصهيو-أمريكي؛ بان وازداد بيانا ووضوحا خلال سنوات الثورة وأحداثها المأساوية..
ما لم يكن بينا كفاية للبعض عن عقلية الإجرام واستلاب الحقوق والكرامة والمكاسب لدى عصابة الحكم المتسلطة ؛ بان وازداد وضوحا خلال الثورة ومساراتها الدموية..
بان العقل المتحكم بتلك العصابة سافرا همجيا لا ينتمي الا إلى مصالحه الفئوية والعائلية المباشرة. لا يعنيه كل انتماء آخر أكان وطنيا او قوميا أو حتى دينيا..
كان التعامل الإجرامي على قاعدة تدمير المدن والقرى والحواضر السكانية وقتل أهلها او تهجيرهم بكل وسائل العدوان والتدمير نموذجا صارخا لمن يتحكم بسورية وأي مستقبل كان ينتظر أبناءها مع استمرار تلك العقلية – العصابة الحاكمة المستحكمة..
كل هذا جعل من الثورة أمرا حتميا رغم التضحيات الهائلة للشعب السوري أو بسبب من تلك التضحيات..
إن الأثمان الباهظة التي دفعها شعب سورية من دماء أبنائه وأرواحهم حملت البعض للتساؤل عن جدوى الثورة وحملت آخرين إلى اليأس او السلبية ؛ في الوقت الذي شكلت أحداث الثورة ومساراتها دوافع إضافية كثيرة وكبيرة جدا ليس للثورة فقط بل للإصرار على استمرارها حتى تحقيق غاياتها في الحرية والكرامة والسيادة الوطنية..
إن ممارسات النظام بحق شعب سورية وبحق أرض سورية أضافت إلى ضرورات الثورة السابقة عليها ضرورات إضافية أكثر إلحاحا جعلت من الثورة مطلبا حيويا مستمرا للتخلص من القهر والطغيان ..يكفي هذا ردا على ذلك التساؤل الموضوعي عن جدوى الثورة ومقارنة التضحيات بالنتائج. وعلى الرغم من أن هذه المقارنة ستكون مجحفة دوما بحق الثورة نظرا لفظاعة ما مارسه النظام من إجرام؛ إلا أن ما تحقق لا بد أن يستكمل ولن يكون الثمن باهظا مرة أخرى. فالنظام بات منكسرا مخلخلا ومهزوما. والشعب السوري بات هو الأقوى من كل جبروت النظام وإجرام أجهزته الأمنية. ولولا التدخل الأجنبي العسكري المباشر منذ أوائل سنوات الثورة لما كان النظام ليبقى أصلا ولو حتى شكليا. إن الدور الذي يمارسه النظام حاليا لم يعد سوى تشكيل غطاء يبرر الاحتلالات الأجنبية ويتستر على تقسيمها وتقاسمها بين القوى الأجنبية التي استدعاها النظام بنفسه مباشرة لتحميه من الشعب أو تلك التي فتح لها أبواب سورية مشرعة لتأتي وتحتل وتتدخل وتفرض مشاريعها وأدواتها المحلية. وبسبب من هذه التدخلات الأجنبية جرى إحباط الانتصار الشعبي وإبطاء سقوط النظام بل واستمراره الصوري حتى اليوم..
ولسوف يسجل التاريخ ان ثورة الشعب السوري تعرضت لحرب دولية عالمية يصح فيها القول إنها مؤامرة دولية مارستها قوى وأطراف النظام الدولي العالمي المعادي الفاسد بحق مطالب شعب سورية وسعيه للتحرر والاستقلال. ليس فقط تجاهلها أو التهرب من دعمها ومساندتها؛ بل التآمر عليها واصطناع الأسباب الداخلية والأدوات المحلية التي تعرقل مسيرها وتحجب عنها التقدم والانتصار. ولقد اتخذ هذا التآمر أشكالا عديدة منها العسكري وكثير منها أمني وسياسي ومالي. وكانت الغاية منع سقوط النظام ليبقى غطاء للتدخل الأجنبية والاحتلالات الدولية للأرض السورية. كانت ولا تزال مؤامرة دولية استدعاها النظام المجرم ووفر لها كل الأسانيد التشريعية والذرائعية لمنع الشعب من تحقيق مطالبه وبالتالي إبقاء النظام في مكانه ولو كان الثمن بيع سورية للدول الأجنبية بعقود مقوننة طويلة الاجل جدا..
وحده الشعب السوري بأقل عدد من الأصدقاء الحقيقيين يواجه النظام مدعوما بكل قوى وأطراف تلك المؤامرة الدولية على سورية. مؤامرة نكرر ان النظام استدعاها وشارك في صياغة أساليبها واسبابها وأدواتها والهدف واحد تقاسم سورية بين تلك القوى مقابل إبقاء النظام في السلطة وعدم تمكين الشعب من الانتصار في معركة الحرية والسيادة والاستقلال..
فأمريكا قبضت أثمان سكوتها عن جرائم النظام ونكوصها عن كل وعودها الكاذبة بمساندة المطالب الشعبية لإقامة نظام ديمقراطي فها هي تسيطر على أجزاء من سورية الشرقية وفيها البترول والنفط والغاز وحكم الميليشيات الكردية. وها هي روسيا تتحكم بالقرار في دولة النظام وأجهزته وقبضت أثمان دورها معاهدات استعمارية لعشرات السنين. كذلك حال إيران التي تهجر وتفرسن وتستولي على الارض والاملاك وتغير الاستقرار السكاني الاجتماعي. أما ميليشيات التطرف والإجرام كداعش والنصرة فهم من صنعوها ويحركونها غطاء وذريعة للفتك بالشعب وتحطيم رموزه واغتيال إرادته..أليست الجولان محتلة منذ أكثر من خمسين سنة والعدو الصهيوني آمن فيها مستقر ؟؟
هؤلاء هم أطراف تلك المؤامرة الدولية على سورية وشعبها والنظام في القلب المحوري منهم..
بعد عشر سنوات من الثورة والتضحيات والوضع الكارثي المسؤول الذي يعيشه غالبية من السوريين في الداخل وفي الشتات ؛ هل يحق لأحد التساؤل عن المسؤول عن هذا المصير ؟؟
أليس النظام هو المسؤول أولا وثانيا وعاشرا ؟؟ أليس إصرار النظام على خنق اي صوت معارض او حتى ناقد ولو كان ممن يواليه؛ هو المدخل الذي أدى إلى تلك النتائج المأساوية لجميع السوريين ؟؟
أليس السلوك الدموي الإجرامي للنظام في تعاطيه مع كل تحرك شعبي مهما كان سلميا أو مدنيا، هو الذي أدى إلى فتح المسارات العسكرية فكانت سببا لمزيد من التضحيات والتدهور ؟؟
أليست عقلية إلى الأبد أو إحراق البلد هي التي أحرقت البلد بمن فيه ؟؟
النظام هو الذي أوصل البلاد إلى حالة الخراب والدمار مصداقا لشعاره المجرم الحاقد !!
هو الذي رفض السماح لأي تغيير مهما كان بسيطا. هو الذي أقال وأبعد كثيرا من القيادات العسكرية لمجرد اعتراضها على أسلوب التدمير العسكري ..أليس تفجير ما يسمى خلية الأزمة دليلا كافيا على هذا الإصرار ؟؟
هو الذي رفض التجاوب مع كل المحاولات والوساطات والوفود العربية التي سعت لمنع الوصول إلى التفجير العسكري…لكنه كان ولا يزال يلتزم بمتطلبات الرعاية الدولية لوجوده في السلطة وتحكمه بها..
إن كل الشعب السوري اليوم يعاني البؤس والفقر والتشرد ..وحدها العصابة الحاكمة ومن يلف في مدارها يمتلكون الإمكانيات ويعيشون في رخاء يتنعمون بأموال الشعب السوري التي نهبوها ولا يزالون..
بعد عشر سنوات من الثورة والتضحيات لا يزال أمامنا الكثير لإنجازه ..وإذا كانت التسويات الدولية التي تطبخ في الخفاء بعيدا عن أية مشاركة سورية فيها وتشير إلى قرب إيجاد تسوية للوضع في سورية تنهي الحرب فيها وتطلق مرحلة إعادة إعمار ، فإننا من واقع تجربتنا ومعرفتنا بتاريخ وطبيعة التدخلات الاجنبية والمشاريع المشبوهة التي ترسمها لبلادنا ؛ ومن موقع التزامنا بمصلحة سورية الوطنية وهويتها العربية ؛ لا نرى في أية تسوية سياسية دولية محتملة ؛ تحقق مطالب الشعب السوري الأساسية وفي طليعتها تغيير النظام وبدء انتقال سياسي حقيقي مع الحفاظ على وحدة سورية أرضا وشعبا ومؤسسات وخروج جميع القوى الأجنبية أيا كان شكلها ..اكانت جيوشا أو ميليشيات أو خبراء امنيين أو عقودا مجحفة أو رجال دين مزيفين. وعلى هذا الأساس نرى ضرورة بلورة إطار وطني توحيدي جامع يضم كل الطاقات الوطنية الشريفة للعمل في سبيل تحقيق المطالب الشعبية الوطنية انطلاقا من العمل على منع أي إجحاف أو إهدار للحق السوري فيما يعد له وقد يرى النور ..أو الإقلال من الأضرار المحتملة لأية تسوية دولية مطروحة ليست في مصلحة الشعب السوري..
ويبقى تشكيل حركة وطنية سورية تجمع كل المخلصين ممن ولاؤهم للوطن والارض والشعب بعيدا عن أية خلفيات فئوية أو حزبية او طائفية او دينية ؛ مطلبا إستراتيجيا ملحا كمدخل لازم لتحقيق إنجازات وطنية يتطلع إليها شعب سورية وحتى لا ندخل في مرحلة طويلة ممتدة من التيه والضياع والتشرد بين أطماع القوى الأجنبية المعادية والطامعة..
طريق الثورات طويل ومكلف. لكنه لا بديل عنه ونتائجه لا شك إيجابية إذا ما التزم الثائرون قوانين وقواعد التغيير الحيوي والإستراتيجي الاساسية وأولها البرنامج والمشروع والرؤية والعزيمة والتنظيم..
ليست ثورتنا أول ثورة تتعثر لكن ثورتنا دفعت ثمنا باهظا فاق التصورات الأمر الذي لا يليق به غير الانتصار…فلنكن جميعا على مستوى التضحيات وعلى قدر الآمال الشعبية نتعالى على الجراح والفروق والاختلافات لحماية وجودنا أولا ومساعدة شعبنا ثانيا..
إن الأطماع الدولية في سورية قديمة وشرسة ..فلنكن سوريين جميعًا على قدر التحدي والمسؤولية وإلا فلن يرحمنا شعبنا والتاريخ معا.