في الوقت الذي يواكب النظام الايراني الحراك الروسي الذي يقوده وزير الخارجية سرغي لافروف مع الدول الخليجية ان كان على خط علاقة هذه الدول مع تركيا، او على خط الملفات الاقليمية التي تعني هذه الدول وتركيا بالمستوى نفسه، وتشكل نقطة اشتباك مع طهران. تستمر، وعلى خط مواز وتيرة الجدل مع الادارة الامريكية حول آليات اعادة تفعيل الاتفاق النووي والشروط المتبادلة بين طهران وواشنطن حول الخطوة الاولى والجهة التي يجب عليها المبادرة في ذلك بحيث تؤسس لاخراج ازمة عودة العلاقات والحوارات الى سابق عهدها قبل قرار الرئيس الامريكي السابق دونالد ترمب الانسحاب من الاتفاق والعودة الى سياسة فرض العقوبات الاقتصادية.
ويبدو ان طهران تراهن كثيرا على مخرجات الحراك الروسي على خط التوتر القائم بينها وبين دول مجلس التعاون الخليجي على خلفية المطلب الاستراتيجي الذي رفعته هذه الدول بان تكون عضوا فاعلا ومشاركا الى جانب السداسية الدولية (5+1) في اي بحث يتعلق باعادة تفعيل الاتفاق النووي وفتح مسار التفاوض ليشمل البرنامج الصاروخي والنفوذ الاقليمي، وهو مطلب يأتي بتوافق وتأييد خجول وذرائعي مع بعض الدول الاوروبية والادارة الامريكية .
التوافق الامريكي الايراني غير المعلن على اعطاء الشريك الاوروبي الممثل بدول الترويكا (المانيا وفرنسا وبريطانيا) دورا ناشطا لبحث سبل خروج الطرفين من نفق الشروط المتبادلة والجهة التي يجب ان تتخذ الخطوة الاولى التي تمهد الطريق للعودة الى طاولة التفاوض، يقابله تمسك ايراني واضح وقاطع برفض اي بحث او نقاش يتعلق بامكانية توسيع دائرة الدول المشاركة في هذه المفاوضات ليشمل بعض دول مجلس التعاون الخليجي. خصوصا وان النظام في طهران يعتبر اي تنازل على هذا المسار او القبول بمناقشة هذه المساعي او المطالب يشكل ضربة لمشروعها الاستراتيجي في منطقة الشرق الاوسط، واي خطوة الى الخلف في موقفها الرافض لتوسيع دائرة الدول المشاركة سيكون بمثابة هزيمة لها وتكريس هذه الدول شريكة لها على قدم المساواة في القضايا الاقليمية وعملية التجاذب مع واشنطن على رسم مستقبل المنطقة وحجم الاطراف الفاعلة والمؤثرة في مسارات لعبة تقاسم النفوذ والهيمنة.
وفي هذا السياق، تراهن طهران على دور فاعل لـ”الحليف” الروسي في تفكيك عقدة موقف دول مجلس التعاون التي تتمسك بمطلبها الجلوس الى اي طاولة تفاوض السداسية الدولية مع ايران في المرحلة المقبلة. ومرد هذا الرهان على التقارب في الرؤية بين طهران وموسكو حول موقفهما من مسألة امن منطقة الخليج والطرق الدولية لنقل الطاقة، والذي تبلور في مشروعين او طرحين متقاربين ومتزامنين حول هذه المسألة، اذ يضمن الطرح الروسي – الامن الاقليمي دورا فعالا لموسكو يعطيها موقعا استراتيجيا متقدما في ترجمة طموحها بالدخول العملي على قضايا الشرق الاوسط وتثبيت موقع متقدم كلاعب مؤثر في هذه المنطقة الى جانب الدور الامريكي، في حين يشكل طرح “امن هرمز” ومبادرة “معاهدة عدم الاعتداء” دورا محوريا لايران يساعدها في استعادة الدور الذي لعبته في الماضي زمن الملكية كشرطي للمنطقة، والذي يوفر لها تفوقا على شركائها الاقليميين مستفيدة مما حققته من انجازات في البرنامجين النووي والصاروخي وما وفره له نفوذها الاقليمي وحلفاؤها في المنطقة من دور متقدم على حساب الاخرين.
واذا ما كان النظام الايراني يرى في دخول دول مجلس التعاون الخليجي على مسار التفاوض حول الملف النووي واتفاقه المعطل، مدخلا لتشكيل تحالف اقليمي جديد ضد ايران يعزز النقاش الدائر حول مشروع ناتو اقليمي بشراكة مع اسرائيل ويرفع من مستوى وحجم التهديدات التي تنتظرها، خصوصا وان القبول بهذه الشراكة يعني اعترافا ايرانيا بالمخاوف التي تتحدث عنها هذه الدول وما يشكله النشاط النووي والصاروخي والدور الاقليمي من تهديد لها ولمصالحها في المنطقة، ويضعها تحت رقابة مركبة اقليمية ودولية ومطالبتها بالشفافية وحسن نواياها في كل انشطتها السياسية والعسكرية والامنية. ما يجعلها بعيدة عن هدفها الذي يسعى لاجراء حوار اقليمي بعيدا عن الملف النووي ومن دون اي دور للولايات المتحدة مستفيدة من التناقضات الموجودة بين هذه الدول (مجلس التعاون الخليجي) والتباين في مصالحها.
وتنظر طهران الى التمسك السعودي خصوصا بمطلب المشاركة في المفاوضات النووية، بانه يشكل منصة تريد الرياض توظيفها او استغلالها لفرض تنازلات لا تقتصر على ايران فقط، بل في التصدي للتوجه الامريكي الجديد الذي يبدو انه يحاول محاصرة الرياض من خلال التغيير في التعامل مع بعض الملفات الاشكالية.
من هنا، فان اصرار ايران على الدفع بطرح “امن هرمز” ليكون اطار الحوار الاقليمي بينها وبين الدول الخليجية في مواجهة المشاريع الاخرى، من المتوقع ان يترافق هذا الاصرار مع مساع جدية من قبل طهران على الاقل على خط تخفيف التوتر مع السعودية والتوصل الى تفاهمات ثنائية معها، وما يمكن ان تتركه هذه التفاهمات من اثار ايجابية على الدول الخليجية الاخرى في التخفيف من حدة الموقف السلبي من الدور الاقليمي والمخاوف من طموحاتها في المنطقة. وتبرز ضرورة الذهاب الى استراتيجية التفاهم مع الرياض اكثر في الاسابيع الاخيرة، خصوصا بعد التطورات والحلول التي خرجت بها قمة العلا لدول مجلس التعاون الخليجي وانهاء الازمة القطرية، الامر الذي افقد طهران امكانية المناورة او اللعب على التناقضات بين هذه الدول والتي اوحت بوجود انقسام بين محورين داخل دول هذا المجلس وامكانية توظيف ذلك ايرانيا.
المصدر: المدن