السياسي والباحث السوري محمد خليفة ناشط سياسي معارض للنظام السوري، له تاريخ حافل على صعيد السياستين المحلية والعربية، إضافة إلى ذلك هو محلل سياسي قدم للإعلام العربي الكثير من التحليلات السياسية، وصدرت له مجموعة من الكتب السياسية والدواوين الشعرية. شارك في تأسيس المنظمة العربية لحقوق الانسان ( المنظمة الأم ) كما شارك في تأسيس عدد من المنظمات والفعاليات السياسية بعد ثورة 2011 وهو عضو الأمانة العامة للمؤتمر الشعبي العربي. الزميل الإعلامي أحمد حازم كان له هذا الحوار مع السياسي محمد خليفة.
*ما هي الأسباب التي دعنك لمغادرة سوريا؟
أنا واحد من مئات الوف السوريين الذين هربوا من وطنهم جراء الملاحقات الأمنية والاعتقال الطويل، واحتمال الموت تحت التعذيب.هربت من سورية الى لبنان عام 1980، إثر انتفاضة شعبية عارمة، اتهمتني السلطات بعدها بالمسؤولية عن تغطيتها وتصويرها، ونقلها للاعلام الأجنبي، لأنني كنت المراسل الصحافي الوحيد في مدينة حلب حيث وقعت الانتفاضة في أواخر شباط / فبراير 1980 والتهمة الموجهة لي عقوبتها القتل حتما. كان عليّ الاختيار بين الاعتقال في سجن تدمر الرهيب أو الفرار، ومن حسن حظي أني تمكنت من الفرار الى لبنان في نهاية 1980، عشت في بيروت عامين، تخفيىت خلالهما ببطاقة (لاجىء فلسطيني في لبنان). هناك زهاء مليوني سوري مطلوبون للاعتقال عند جهاز الاستخبارات العسكرية وحده حاليا، وحوالي 700,000 معتقل عند الأجهزة الأربعة، وإجمالي من صدرت بحقهم مذكرات توقيف من هذه الأجهزة من المواطنين السوريين في عهد حافظ الأسد وابنه يتجاوز 7,5 مليون مواطن. نحن البلد الذي يتميز بأعلى نسبة إعتقال سياسي وملاحقة أمنية في العالم مقارنة بعدد السكان !.
*معاناة التهجير أوصلتك في النهاية إلى السويد. هل تعتبر نفسك حراً طليقاً تمارس عملك السياسي دون حسيب أو رقيب على اعتبار أن هذا البلد من أكثر الدول حرية وديمقراطية في العالم ؟.
خلال اربعين سنة من النفي عشتها متنقلا بين لبنان واليونان وفرنسا والسويد ، اكتشفت أن الحرية محدودة ونسبية في كل البلدان. وأن الكاتب أو الصحافي إذا تمسك بحريته واستقلاليته المهنية فسيتعرض للتضييق والعنف والتنكيل، وقد يدفع حياته ثمنا لها. لقد تعرضت لخطر القتل في سوريا ، ثم تعرضت للطرد من لبنان مطلع 1983 ، وتعرضت للطرد من فرنسا بسبب عملي مع أحمد بن بلّة ، وتعرضت للتهديد ومنع الدخول الى بعض البلدان العربية بسبب قلمي وكتاباتي وآرائي . وللأسف فإن السويد ليست الأفضل على هذا المستوى. فقد تعرضت فيها لمعاملة مهينة وقاسية لفترة طويلة بسبب رفضي التعاون مع استخباراتها التي أوقفتني عن عملي مراسلا لصحف عربية. إنني أشعر بالندامة على مجيئي للسويد عام 1992.
* يقولون أن المخابرات السورية تتواطأ مع أجهزة أمنية في دول أوروبية لجمع معلومات عن المعارضين فيها. ما رأيك في ذلك؟
التعاون الأمني بين أجهزة استخبارات الدول حقيقة مؤكدة بدرجات متفاوتة، وهو أكثر الملفات سرية في نشاط الأجهزة المذكورة . ويمكن تبادل كل الخدمات والمراقبة والمعلومات بشأن أي شخص ، وغالبا ما يتم ذلك بحجة (مكافحة التطرف والإرهاب ) ويمكن لهذه الأجهزة تلفيق اتهامات خطيرة ضد أي شخص لتبرير تعاونها الآثم، وهو تعاون غير مشروع في غالب الأحيان. وكلنا نذكر أن الاستخبارات الأميركية خطفت أشخاصا من المطارات وأودعتهم في معتقلات دول أخرى ، وطلبت تعذيبهم واستجوابهم لحسابها ، لأن قوانينها لا تسمح بحجز الحرية والتوقيف خارج القضاء ، ويمكن أن يصل التعاون الى حد تصفية شخص ما في دولة ، لحساب دولة أخرى ! في السويد حصل مرة في التسعينيات أن خطفت الاستخبارات الأميركية شخصا على الأرض السويدية ، وساقته الى طائرة خاصة ، وطارت به الى بلد آخر بدون موافقة شرعية من السلطات السويدية المختصة.
* هل تعرضت لابتزاز سياسي معين في السويد؟
نعم.تعرضت لعمليات ابتزاز كثيرة وضغوط وتهديدات واعتداءات بدنية من مجهولين على مدى سنوات ولم تتدخل الشرطة لحمايتي، للأسف لم أتوقع أن أتعرض لما تعرضت له في السويد .. ولكنه للأسف حدث ، لي ولأفراد أسرتي .
*كيف تصف لنا المشهد السياسي السوري في هذا الوقت؟
ما يحدث في سورية منذ عشر سنوات نوع من الغزو الكبير الذي لا يحدث إلا كل ألف سنة مرة ، كالغزو المغولي أو الفرنجي اللذين حدثا قبل الف سنة ، واللذين وصفهما أحد المستشرقين الانجليز بقوله ( لم يتعرض الجنس البشري لكارثة كالتي تعرض لها المسلمون في العراق والشام على أيدي المغول) . هذا السيناريو يتكرر حاليا ،إذ تتعرض سورية والعراق على مستوى الشعب والأرض والتاريخ والحضارة والهوية، لاجتياح ، واستباحة تشارك بهما ايران وروسيا بمباركة أميركية وضوء أخضر. كما إن فلسطين ولبنان جزءان من هذا الحدث الكبير الذي يستهدف تغيير هوية المنطقة العربية ، وتدمير حضارتها وخصائصها القومية، وتهجير شعوبها ( 14 مليون مهجر من سورية وحدها ، وملايين من العراق ، ولبنان ، وقبل ذلك من فلسطين ) وإحلال شعوب وسكان من خارج المنطقة .
*يقال أن مخيم اليرموك وهو أكبر تجمع فلسطيني تعرض قسم كبير منه للإبادة?
لقد استهدف نظام الأسد مخيم اليرموك استهدافا خاصا ، وكأنه يسدي خدمة خاصة لاسرائيل التي تريد تصفية القضية الفلسطينية وتعمل على إبادة وإزالة المخيمات في كل دول المنطقة. لأنها تجمعات سكانية ذات طبيعة وطنية فلسطينية خاصة ، ومراكز مجتمعية تحمل الهوية الفلسطينية وتشكل حواضن للمقاومة . وهناك الآن خطة لتغيير طبيعة المنطقة الواقع في خاصرة دمشق الجنوبية ، بحجة تحديث المنطقة .
*وماذا عن المخيمات الفلسطينية الأخرى في سوريا؟
ما تعرض له مخيم اليرموك تعرضت له سابقا مخيم النيرب وحندرات في حلب، ومخيم في حمص، ومخيم آخر في اللاذقية. والقضية في كل هذه الحالات واحدة وذات هدف وحيد، تصفية الخصوية المميزة لكل التجمعات الفلسطينية في الدول العربية المحيطة بفلسطين كجزء من تصفية القضية عربيا ودوليا . ولعلمكم فإن شخصيات من ناشطي الثورة السورية ذات مصداقية أكدت وجود عناصر اسرائيلية داخل مخيم اليرموك خلال العامين السابقين وحين كانت المعارك على أشدها ، وحددت هذه المصادر العنوان الذي يقيمون فيه داخل المخيم . وللأسف الشديد مرت جرائم الأسد بدون أي احتجاج من السلطة الفلسطينية ، بل أرسل الرئيس عباس رسائل تضامن وتأييد لبشار الأسد ، وما زالت المعتقلات الأسدية مليئة بالمناضلين والثوار الفلسطينيين الذين شاركوا اخوانهم السوريين ثورتهم على الظلم .
*هناك لاعبان أساسيان في الوضع السياسي السوري: روسيا إيران اللذين ثيتا حكم نظام الأسد؟ ولكن إلى متى؟
روسيا وايران هما اللاعبان الرئيسيان على الارض في سورية بلا شك ، ولكنهما يقومان بمهمتهما بمباركة أو ضوء أخضر من الولايات المتحدة ودول غربية وكبرى ، كالصين وبريطانيا فضلا عن اسرائيل ، الأمر الذي يوحي بأن ثمة ( لعبة أمم ) كبرى تدور في المنطقة ، قاعدتها الرئيسية سورية ، ولكن آثارها تمتد الى عموم المشرق العربي . هناك تغيير ديمغرافي ، وحرب ابادة وتهجير بالملايين لمكون واحد ورئيسي هو المكون العربي – السني . وقد أكد باحثون وأكاديميون بارزون عرب وأمريكيون وأوروبيون وجود حرب إبادة على المكون السني ، إقرأ مثلا ما كتبه الدكتور نبيل خليفة اللبناني الماروني ، وما قاله السفيران الأميركيان في العراق خليل زادة ، وفي سورية روبرت فورد ، وستجد أن الهدف هو عملية تحطيم وابادة للمكون السني العربي الذي يمثل العمود الفقري للمجتمعات العربية ، وعملية دعم دولية للأقليات الصغيرة التي تسعى بقيادة ايران لانشاء حلف الاقليات في المنطقة ، ضد العرب والعروبة والاسلام السني ، يضم العلويين والشيعة والمسيحيين واليهود . ومن يراجع سير الأحداث في سورية سيجد أن الغزو الروسي لسورية حدث بطلب من إدارة أوباما ، وأن التدخل الايراني في العراق ثم في سورية حدث بالاتفاق الرسمي مع إدارتي بوش وأوباما . وحزب الله دخل سورية عام 2012 وارتكب مجازره بموافقة اسرائيل بعد وساطة ألمانية بينهما ، كما قالت صجيفة زود دويتشي تسايتونج ، والعمليات الاسرائيلية في سورية كلها بتغطية أميركية وروسية طبعا .. وهكذا دواليك .
*هل تعتقد بأن المشكلة في سوريا تجاوزت قضية صراع بين نظام شمولي وشعب ثائر؟
نحن في الثورة والمعارضة السورية نرى أن الصراع في سورية لم يعد يدور منذ سنوات بين شعب ثائر ونظام شمولي طغياني لا مثيل له في العالم ، بل إن سورية أصبحت فرنا كبيرا يجري فيه إعداد وتجهيز مخططات تغيير المنطقة تغييرا جيو – بوليتيكيا عميقا ، ومنها تنطلق سيناريوهات مستقبل المنطقة الممتدة بين الجزيرة العربية ومصر وسورية والخليج . ولن يتوقف الصراع في بلدنا المنكوب قبل أن تنضج المخططات الاقليمية المرسومة للجميع.
المصدر: المسار/ المواطن أولا