الأحكام المبنية على نظرية حزب الله، الكلي القدرة، والفائض القوة، المطلق السيطرة، صارت بحاجة الى أدلة واضحة، لم يعد يسهل العثور عليها، كما من قبل، ولم يعد يمكن إنكار البراهين التي تثبت العكس، وتؤكد أن الحزب يواجه أكثر من تحدٍ سياسي، يبدد شعوره بالارتياح للتخفف من ضغط أميركي هائل، مارسته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب طوال السنوات الاربع الماضية.
في السياسة، كان الجنرال ميشال عون، ولا يزال يحتل موقع الصدارة على لائحة التحديات، التي تدخل من الآن فصاعداً في مرحلة حرجة تضع الحزب أمام مسؤولية الاختيار، بين حلفائه الكثر، الذين يخوضون في ما بينهم حرباً ضارية، ليس بمقدور الحزب أن يتدخل بها او أن يؤثر في مجراها، لا سيما وأنها مبنية على حسابات خاصة جدا، لا يمكن إسقاطها لا على نفوذ طهران القديم، ولا على حضور فرنسا المستجد، ولا طبعا على الدور الاميركي الذي لم تتضح معالمه بعد.
ليس من الصعب الاستنتاج أن الحزب، الذي أخرج نفسه الى حد بعيد، من قائمة المعطلين لتشكيل حكومة جديدة، يقف اليوم عاجزاً بالفعل عن اجتراح حلول لتلك الازمة المستعصية، هو يكتفي بين الحين والآخر بالتلميح الى المسؤولين عنها، والإيحاء بأنه لا يتحدث بلغة واحدة مع الجنرال عون وتياره، والاستخفاف بما يتردد بين الحين والآخر عن أنه ما زال قادراً على تغيير موقف الجنرال. في الحزب شعور عام أن العونيين هم الذين أحرقوا جسورهم مع الجميع، وتنقلوا من معركة الى أخرى، من دون أن يأخذوا في الحسبان مواقف بقية الحلفاء وإعتباراتهم، حتى بلغ بهم الأمر حد التشكيك بالتفاهم الثنائي نفسه.
وعليه، يبدو التسرع العوني في الحسابات الانتخابية والوراثية دليلاً على عدم الكفاءة السياسية، وعلى سباق مبكر مع الوقت، الذي لم يبق سوى 16 شهراً على فتح مراكز الاقتراع، وهي فترة طويلة بالمعايير اللبنانية، يمكن أن تنقلب فيها الأمور رأساً على عقب.. ويمكن أن يتبدل جو الإرتياح العام لخطاب إدارة بايدن ونواياها المطمئنة تجاه جميع الذين حاربتهم إدارة ترامب السابقة، بما يعيد الامور الى نقطة الصفر.
صحيح أن القراءة العونية لا تعترف بهذا المنطق، لأنها مبنية على طبائع شخصية، ومعايير سياسية ضيقة، لكن الاصرار مثلا على منع سعد الحريري من ترؤس الحكومة المقبلة، على ما فيه من منطق، يدخل الرئيس والتيار في مواجهة مباشرة مع فرنسا، آخر الوسطاء الخارجيين، ومع الفاتيكان آخر غطاء للمسيحيين، لن تكون نتيجتها في صالح العهد في أواخر أيامه ولا في صالح أحد من اللبنانيين.
الحزب أمام حائط مسدود، وهو ما يتعارض مع طبيعته السابقة، وصورته المغرية، عندما كان إعتماده الجنرال رئيسا ذروة التعبير عن “قوته الفائضة”، التي لم تكن حاسمة أصلاً في الانتخابات الرئاسية، أكثر مما كان دليلاً على ضعف خصومه وتشتتهم. وهي حصيلة ما كان يجب أن تخدع العونيين بالذات، أو أن تدفعهم للخوض في معارك معظمها وهمية، او على الاقل هامشية.
لهذه الاسباب، كان الفراق بين الحزب والتيار مؤجلاً، صار وشيكاً، لأنه في الأصل يختبر قوة الحزب، الفعلية، وليس الفائضة، على ما يقول خصومه. ليس أوان هذا الإختبار، وليس لأحد مصلحة به، لاسيما إذا كان كلفته عالية جدا، ويمكن أن تجر البلد كله الى ما لا تحمد عقباه، لا في السياسة ولا في الأمن، ولا طبعا في الاقتصاد.
لم يعد بإمكان الحزب أن يقنع، أو حتى أن يبلغ عون وتياره بأنه لا يتمتع بالمرونة اللازمة لتمرير ما تبقى من عمر العهد بأقل قدر ممكن من الخسائر.. التي تحفظ للحزب ما تبقى من فائض قوته السياسية، الاسطورية، الزائفة، وتمنع وقوفه مستقبلاً في صفوف المنهزمين.
المصدر: المدن