في رصد مثير يشبه مناسبات انطلاق سباق المسافات الطويلة، وفي محاولة للإحاطة بآراء ومواقف وقراءات وتحليلات حول من سيضع الخطوة الأولى في درب العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني: أميركا أم ايران! كان لا بد من إجراء تقييم لأبرز الاستنتاجات التي خلصت إليها سيناريوات رسمتها ملامح المرحلة الحالية وما يدور في فلك سياسات الخارجية الأميركية سعياً منها لمكابدة الوقت قبل فوات الأوان.
1- السيناريو الأول يفيد بأن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يريد تكوين فريق تفاوضي متعدد الآراء حول الملف النووي الإيراني، وتكشف المعلومات، نقلاً عن مسؤولين أميركيين، أن بلينكن طلب من مبعوث إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن لإيران روبرت مالي أن يكوّن فريقاً مفاوضاً من الدبلوماسيين والخبراء المتعددي الآراء بشأن الاتفاق النووي والمسار الذي يجب أن يأخذه هذه المرة في ظلّ محاولات الإدارة الجديدة العودة إلى الإتفاق.
ذهب بلينكن إلى حدّ مطالبة مالي بأن يضمّ الفريق أشخاصاً متشددين تجاه إيران، في سعي من إدارة بايدن لتفادي التفكير الأحادي بشأن إدارة المفاوضات مع إيران وكذلك بعث إشارة إلى منتقديها بأن تباين وجهات النظر بخصوص الاتفاق النووي سيتمّ أخذه بعين الاعتبار.
2- السيناريو الثاني يوضح أنه لم يعد أمام بايدن الكثير من الوقت لإنقاذ الاتفاق النووي، اذ تظهر جليّاً حالة من عدم الثقة بين الإيرانيين والأميركيين تعوّق إقدام الطرفين على الخطوة الأولى باتجاه إحياء الاتفاق. كما تبرز أولوية اليوم للعودة لأن طهران باتت أقرب إلى السلاح النووي. وتستنجد إلى حدٍّ بعيد بالاتحاد الأوروبي لاتخاذ المبادرة في ما يتعلّق بمعالجة المسائل العالقة بسلوك إيران، خصوصاً إذا ما استمر الجمود بشأن من عليه أن يبادر إلى تحريك الملف اوّلاً، واشنطن أو طهران. كما أن لعبة الانتظار هذه لا يمكن أن تطول في ظل قيام إيران بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المئة بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية التي تقوي موقف المتشددين المعارضين للاتفاق النووي برمّته.
3- السيناريو الثالث يرى في خطاب إسرائيل بشأن إيران معضلة قد تؤدي إلى منعرجات وردود أفعال محفوفة بالمخاطر. كما تحمل تصريحات المسؤولين الإسرائيليين الأخيرة ضد طهران في طيّاتها رسائل موجّهة إلى واشنطن بعدم الدخول بأي اتفاق لا توافق عليه إسرائيل. كما أن أي ضربة عسكرية لن تقضي على برنامج إيران النووي، وقد تضع إسرائيل في عزلة دولية وتعرّضها لخطر هجمات صواريخ “حزب الله” وحلفاء إيران في سوريا والعراق. ولن تنال موافقة إدارة بايدن. إلا أن احتمال ضربة عسكرية إسرائيلية يظل قائماً في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق يحدّ من قدرات إيران النووية ووصول المتشددين للسلطة في الجمهورية الإسلامية في خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة.
4- السيناريو الرابع يفيد بأن لقاءات فريق بايدن مع إيران لا تخدم أي مصلحة. وينتقد إعلان إدارة بايدن نيّتها التفاوض من جديد مع إيران بخصوص برنامجها النووي، لا سيما بعد نشر تقارير صحافية إسرائيلية عن قيام مسؤولين يُرتقب تعيينهم في فريق بايدن بعقد لقاءات سرية مع قادة إيرانيين بشأن العودة إلى الاتفاق. كما يجد في تخوّف الإسرائيليين حقّاً مشروعاً لأن عدداً من مسؤولي الإدارة الحالية أشرفوا على المفاوضات التي قادت إلى الاتفاق النووي عام 2015.
ويختم أن أي مفاوضات جديدة يجب أن تحول دون استمرار إيران في تركيب أجهزة طرد مركزية متطورة، أو تخصيب اليورانيوم، أو الاقتراب من إنتاج رؤوس نووية. كما يجب أن تضمن الإفراج عن سجناء أميركيين في إيران.
خلاصة القول، قد يكون هناك أكثر من سيناريو ومخطط للعودة للاتفاق التي تكاد تكون مستحيلة في ظل الركائز الإقليمية والدولية المختلّة والمأزومة منها ما هو جديد وآخر قديم.
إذ نجد العالم بأسره معنيّاً مباشرة بالملف النووي الإيراني والعودة إليه بصيغته القديمة او المنقّحة سيفتح باباً للدبلوماسية السياسية الجديدة التي ستكون ذات مفاهيم جديدة ومبتكرة تزيل الضبابية التي تعتري النظام العالمي. أما في حال، باءت المسارات، التي ستكون طويلة من دون أدنى شك، بالفشل لذرائع عدة ولعل أوّلها إرهاصات صافرة العد التنازلي ولمن ستكون ركلة البداية، الأمر الذي ينذر بتعاظم المخاوف الدولية من الإطاحة بمكانة الولايات المتحدة الأميركية عن عرشها المهيمن على النظام العالمي وتسرّع بتنصيب التنين الصيني بديلاً لها.
المصدر: النهار العربي