تشير تركيبة الحكومة الكويتية الجديدة إلى أن الأوضاع مستمرة على حالها، فيما حل المشاكل التي تعانيها البلاد يتطلّب جملةً من التغييرات الجذرية.
تتهيّأ الحكومة الجديدة في الكويت إلى خوض معارك عاتية مع السلطة التشريعية. في غضون ذلك، استمر المسؤولَين نفسيهما في رئاسة كلٍّ من مجلس الأمة والحكومة، وحملت السلطتان التشريعية والتنفيذية تغييرًا مشابهًا في تركيبة الأعضاء تخطّت نسبته 60 في المئة. لكنهما غالبًا ما تميلان إلى استنساخ نفسيهما، على الرغم من ملامح التغيير الظاهري.
شكّل رئيس الوزراء الكويتي صباح الخالد الصباح حكومته الثانية – الأولى في عهد الأمير الجديد – في خضم الكثير من التحديات. أثّرت عوامل عدة في عملية اختيار الوزراء، أبرزها السياق الراهن المشحون، ونتائج انتخابات مجلس الأمة، والآلية المتّبعة في تعيينات السلطة التنفيذية. من جانب آخر، مهّدت جائحة فيروس كوفيد-19 الطريق أمام إعادة تعيين وزير الصحة نفسه، تجنّبًا لإحداث تغيير في هذا المنصب وسط أزمة صحية عامة، ولا سيما أن الكويت تترقّب وصول أولى شحنات اللقاح قريبًا.
بالنظر إلى مشاركة الأسرة الحاكمة في الحكومة، سهّل انتقال السلطة الذي شهدته البلاد مؤخّرًا عودة فرع السالم إلى الحكومة، وهو أحد فروع الأسرة الحاكمة التي جرى استبعادها بسبب خلافات داخلية. وللمرة الأولى منذ العام 1998، عُيِّن وزيران من فرع السالم في الحكومة، وتحديدًا لتولّي حقيبتَي الدفاع والداخلية، وحصلا بالتالي على تمثيل أكبر من فرع الجابر، الذي عُيِّن أحد أعضائه وزيرًا للخارجية. ظهر التنوع على مستوى التمثيل الحكومي أيضًا من خلال رئيس الوزراء الذي يتحدّر من فرع الحمد، ووزير الصحة الذي ينتمي إلى فرع المالك. ويُشار إلى أن هذا الأخير، على عكس الآخرين، لا يتحدّر من فرع المبارك الحاكم.
تعزيز مشاركة الأسرة الحاكمة في الحكومة الجديدة وتوزيع المناصب بشكل منصف بين مختلف فروع الأسرة يشير إلى بوادر مصالحة داخل الأسرة. فقد أُعيد تكليف عضو من الصباح بوزارة الداخلية بعد عام من الغياب، ما شكّل خير دليل على أن تولّي شخص من خارج الأسرة الحاكمة لهذا المنصب كان مجرّد إجراء مؤقّت ريثما تُعيد الأسرة ترتيب شؤونها الداخلية. ستتّضح معالم هذه المصالحة أكثر عند إتمام تعيينات المناصب الرفيعة المستوى في الديوان الأميري وديوان ولي العهد وديوان رئيس مجلس الوزراء. والأدوار التي سيضطلع بها مستقبلًا أعضاء بارزون آخرون في الأسرة الحاكمة اختاروا البقاء خارج دائرة الضوء، ستوضح المسار العام للجيل المقبل من قادة الصباح.
كان ملفتًا غياب منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء من الحكومة، والذي شغله سابقًا الراحل ناصر صباح الأحمد، نجل الأمير الراحل. وربما أُبقي هذا المنصب شاغرًا لمتابعة أداء الشيوخ الوزراء الأصغر سنًا وترك المجال مفتوحًا أمام دخول بعض الأفراد البارزون من الأسرة الحاكمة إلى المشهد لاحقًا كجزء من المصالحة.
أثبت نظام المحاصصة غير الرسمي الذي يحكم منذ فترة طويلة عملية تشكيل الحكومة قدرته على الصمود من خلال تعيينات عدة. فقد حافظت الحكومة على عرف تعيين وزير من الطائفة الشيعية، وكذلك تعيين شخص من خارج الأسرة الحاكمة كنائب رئيس الوزراء. وبقي مبارك الحريص الذي يتحدّر من قبيلة العوازم البارزة، في منصب وزير الدولة لشؤون مجلس الأمة، وسيكون مفيدًا في التعامل مع النواب القبليين، ولا سيما مع النواب السبعة الذين ينتمون إلى قبيلته، فضلًا عن أن أحدهم انتُخب نائبًا لرئيس مجلس الأمة. يُضاف إلى ذلك أن تعيين مسؤول رفيع سابق في وزارة المالية على رأس هذه الحقيبة بعث رسالة مطمئنة مفادها أن البلاد تعتزم معالجة أزمتها المالية، ناهيك عن أن ميوله الإسلامي سيلقى ترحيبًا في أوساط النواب الإسلاميين السنّة وعددهم تسعة.
وقد انخفض عدد النساء في الحكومة من وزيرتين إلى وزيرة واحدة، فيما أصبح البرلمان الكويتي خاليًا تمامًا من التمثيل النسائي بعد أن كان يضم امرأة واحدة. إذًا، يبدو أن الحكومة ردّت على غياب التمثيل النسائي في البرلمان من خلال خفض عدد الوزراء النساء. إضافةً إلى ذلك، تراجع تمثيل الوزراء القبليين إلى وزيرين، في تباين مقصود مع التمثيل القبلي الواسع في البرلمان والبالغ 29 نائباً.
ومع أن الحكومة تحدّثت مرارًا عن تمكين الشباب، ارتفع، متوسط عمر الوزراء في الحكومة الحالية مقارنةً مع متوسط عمرهم في الحكومة السابقة البالغ 48 عاماً. ويتناقض ذلك مع واقع أن 30 نائبًا من أصل 50 لا تتعدّى أعمارهم الـ45 سنة. ومن شأن هذا التباين في متوسط عمر كلٍّ من الحكومة والبرلمان أن يصعّب آفاق التفاهم بينهما، ويعرقل عملية اتّخاذ إجراءات ضرورية لمعالجة التحديات العديدة التي تواجهها الكويت. وسينجم عن هذا الوضع المزيد من التوترات ما لم يتم التوصل إلى آلية تخلق بينهما قدر من التعاون لا المواجهات المستمرة.
يبدو أن القضايا التي شغلت الحكومة والبرلمان السابقين ستبقى تطارد الحكومة والبرلمان الحاليين، ناهيك عن الأعضاء الذين عادوا لتولّي مناصبهم. يبلغ عدد الوزراء الذين عادوا إلى مناصبهم من الحكومة السابقة وأولئك الذين شغلوا سابقًا مناصب وزارية، تسعة وزراء من أصل خمسة عشر وزيرًا، فيما يشكّل عدد النواب الذين أُعيد انتخابهم وأولئك الذين كانوا سابقًا أعضاء في مجلس الأمة 28 من أصل 50 نائبًا منتخبًا. إذًا، على الرغم من أن السلطتين التشريعية والتنفيذية تتحدّثان عن التغيير، تبدوان مستمرتين على النهج السابق نفسه. فعودة غالبية الوزراء والبرلمانيين الذين كانوا جزءًا من المشكلة سيصعب أن يكونوا جزءًا من الحل.
في غضون ذلك، لا تزال الآلية المتّبعة في تشكيل الحكومة غير واضحة المعالم، لكن النتائج النهائية تشير إلى اعتماد تكتيك حكومي ما. فقبل انعقاده، رفع هذا البرلمان سقف مطالبه، مطالبًا بالعفو عن أعضاء في المعارضة وتغيير القانون الانتخابي. وعزز موقف البرلمان من توجه الحكومة نحو المواجهة، ورفع من احتمالية رفضها لهذه المطالب. ما يدلل على ذلك، تعيين وزير العدل الذي يعتبره الكثير من النواب مثيرًا للجدل لمعارضته مشروع قانون يتعلّق بـ”البدون”، أو سكان الكويت عديمي الجنسية، بعد أن حظي هذا الطرح بتأييد غالبية أعضاء مجلس الأمة. والمؤشّر الآخر هو قرار الحكومة التصويت لصالح مرزوق الغانم لرئاسة مجلس الأمة، مع أن أكثر من نصف أعضاء البرلمان لم يصوّتوا له. وتشي بوادر الخلاف هذه بأن التوتّر سيبقى طاغيًا على العلاقة بين الحكومة والبرلمان.
باتت البرلمانات والحكومات القصيرة الأمد بمثابة حالة اعتيادية في الكويت. وستظل الأزمات الجديدة المتتالية حجر عثرة أمام تطبيق إصلاحات تشتد الحاجة إليها. لكن في الواقع، ثمة سُبُل عدة لتجنّب مثل هذه الأزمات، أبرزها تطوير المحرّك الحقيقي للحكومة، أي الإدارة الوسطى المستمرة في أعمالها ، والتي اعتادت على التغييرات الحكومية المستمرة.
ولا بدّ أيضًا من الاستثمار في فئة الشباب، الذين أبدى الكثير منهم نضجًا كبيرًا في بحثهم الدؤوب عن حلول دائمة لمشاكل البلاد، فيما انهمك آخرون في الحراك السياسي والانخراط في حملات توعية حول القضايا المرتبطة بالشباب والمرأة.
يدلّ كلّ ما سبق على أن النظام السياسي في الكويت يعاني من أزمة ويحتاج إلى عملية إعادة ضبط شاملة. وما لم تشرع الدولة في تنفيذ ذلك، ستقف عاجلًا أم آجلًا في مواجهة شعب يطالب بالتغيير الجذري لا الشكلي. وحتى ذلك الحين، سيستمر النظام في إعادة تدوير نفسه، ما يؤدي إلى إدامة التحديات التي يواجهها.
المصدر: مركز كارنيغي للشرق الأوسط