رامي القادري ناشط ثوري سوري، والرواية أقرب لسيرة ذاتية تتابع تطورات الربيع السوري من بداياته ٢٠١١م وحتى أواسط ٢٠١٣م، في منطقة الغوطة، وأكثر تحديدا في منطقة حي جوبر المتاخم لدمشق من جهة ساحة العباسيين، وما حصل في جامع حرملة بن الوليد وحوله، وكيف استقرت به قوات النظام الاستبدادي المجرم السوري، وكيف حرره الثوار شباب جوبر والغوطة عموما.
تبدأ الرواية أو اليوميات من دون مقدمات تبرر نشاط الأخوين هاني وحامد، أبناء منطقة جوبر والمستقرين مع اسرتهم في حي ركن الدين، ومعهم ابن عمهم غيث وكثير من الناشطين في العمل الإعلامي وكتابة اللافتات وتجهيز ظروف التظاهر خاصة بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع، في ريف دمشق ودمشق جوبر والميدان والقابون وبرزة وداريا …الخ، كان الربيع العربي قد بدأ بالحراك الشعبي في تونس أوائل عام ٢٠١١م وانتقل إلى مصر وليبيا واليمن ثم سورية، الكل يطالب بحقوق العيش الكريم ورفع المظلومية، المطالبة بالحرية والعدالة والديمقراطية، ينخرط الشباب السوري وفي ذاكرته معلومات تفيد انهم انما يلعبون بأعمارهم، لم يكونوا يخافون شيء، كانوا يخفون نشاطهم عن اهلهم، والأهل كانوا يحذرون أولادهم لكن لا فائدة، لقد خرج مارد الثورة والحرية من القمقم. الاخوة هاني وغيث وابن عمهم حامد، كانوا يهتمون بالنشاط الإعلامي، تصوير التظاهر وتحميله على اليوتيوب وإرساله إلى القنوات الفضائية، كل ذلك بوقت قياسي قبل حضور قوات الأمن والشبيحة والانقضاض على المظاهرة واعتقال كل من تصل إليهم أيديهم. طارد الشبيحة حامد وغيث في الأزقة في حي جوبر بعد تصويرهم لجنازة شهيد تحولت لمظاهرة، وقبض عليهم ، استطاعوا التخلص من الصور والفيديوهات، لكن حولوا إلى احد الفروع الأمنية، وهناك بدأت رحلة العذاب والتحقيق، لم يستطع المحقق أن يحصل منهم على أي معلومة، لكنهم تعرضوا لتعذيب شديد، ووضعوا في زنزانات سيئة وتركوا حتى يُبت بأمرهم، مثلهم المئات يعتقلون بشكل يومي وعلى مدى الخارطة السورية، وكان النظام المستبد المجرم قد اتخذ قراره بإنهاء الحراك الثوري وعبر العنف العاري وباستعمال السلاح، وبدأ يسقط الشهداء الذين سيزيدون جذوة الثورة وعمقها ومشروعيتها وامتدادها. علم والديْ حامد وغيث باعتقال أولادهم، جمعوا حوالي المليون ليرة سورية، وبدأوا يطرقون أبواب الأجهزة الامنية، أو من يعرفهم، انهم يدركون بحكم تجربتهم وسنين عيشهم المديدة في ظل القمع السوري، ان اولادهم في خطر ويجب إنقاذهم والمال هو الوسيلة الوحيدة، المال أخذه اصحاب النفوذ الأجهزة الأمنية، ووعدوا بأن يدرسوا حالة الأولاد ويفرجون عنهم لاحقا. التظاهر يتوسع والقتل يزداد والاعتقال طال الكثير الكثير، بدأ بعض الشباب يفكرون باقتناء السلاح الفردي لحماية المتظاهرين وعائلاتهم، بدأ الانشقاق من الجيش وبدأت تظهر بعض المجموعات التي تحمي المتظاهرين أو تقوم ببعض الهجمات على المخافر أو المراكز الامنية الصغيرة. يحيى شاب يعيش بحاله موظف في معمل الألمنيوم في الصبورة غربي دمشق، تخرج من الجامعة، قدم على الدبلوم ليؤمن له تأجيلا من الجيش، الجيش يعني ان يكون عسكريا يواجه الشعب ويقتله، لذلك كثيرا من العساكر والضباط انشقوا وخربوا من الجيش، أخاه غيث وابن عمه حامد اعتقلا وهو بعيد عن التظاهر وتبعاته، العائلة تعتمد على هدوئه وذكائه وانه لن يتورط بعمل يؤدي لاعتقاله أو الضرر به. لكن الاوضاع لن تبقى على حالها، لقد قسم النظام البلدات عبر الحواجز الامنية، وهذه تعتدي على المارين وتذلهم وتسلبهم ما معهم وتعتقلهم، وكان الأمن والجيش قد احتل جامع حرملة بن الوليد في جوبر وحوله لنقطة أمنية، وعلم الناس أن الجامع قد دنّسه هؤلاء الجنود، انتهكت فيه الحرمات، الضابط قائدهم وجنوده من الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد وهم من الطائفة العلوية، اغلبهم يتصرفون بحقد ووحشية مع الشعب، أفعالهم سيئة على الناس وظالمة وقاتلة، علم الأهالي هناك أن عناصر الجيش في الجامع يخطفون النساء ويغتصبهنّ ويحتفظون بهنّ لأجل ذلك دوما، كان ذلك فوق احتمال أهل جوبر، وأضيف له ان أهل الغوطة واغلب سورية اكتشفوا أن معركتهم مع النظام أصبحت معركة حياة أو موت، لذلك قرر أهل جوبر والغوطة عموما، ان يشكلوا كتائب عسكرية مسلحة لحماية أعراضهم وبيوتهم، وتمنع النظام من الوصول اليهم. تم العمل على تشكيل كتيبة شهداء جوبر، وربطها بكتائب الثوار في الغوطة كلها، كان هناك تكامل بين الخبرات العسكرية للضباط والجنود المنشقين، مع إمكانيات أهل الغوطة فقيرهم وغنيهم، تشكل منهم مجلس مدني لكل منطقة وكذلك مجالس عسكرية من ابنائهم تنسق مع بعضها، الكل تبرع بما يملك مع أولاده ليكونوا فداء لهم. يحيى الوحيد المتبقي عند عائلته، لم يكن يفكر إلا بعمله وتتمة علمه وزواجه لاحقا بحبيبته ابنة حيّه هديل، لكن الأمن اعتقله عند حاجز الصبورة على أنه متخلّف عن الجيش، ووصل الخبر لأهله، دفعوا له ما يصل لنصف المليون ليرة سورية ليتركوه، وقرر أهله إخراجه إلى لبنان، لكن يحيى كان قد تابع ما يحصل في البلد وفي جوبر وراكم المظالم في نفسه، لقد أصبح الحال أسوأ من ان يهرب حفاظا على نفسه، أنه مسؤول عن عائلته وأخوه وابن عمه المعتقل، ووالده الذي استشهد اثناء زيارته لبيتهم المهجور والمهدم، وحبيبته هديل كيف يتركها ويهرب، حبيبته التي لم يعد يسمع أخبارها، المظالم وصلت لمستوى أصبح الهروب من مواجهتها خيانة لله والنفس والأهل والكرامة الانسانية. التحق يحيى بكتيبة شهداء جوبر التي كانت حديثة التشكيل، وسرعان ما ظهرت مواهبه القيادية وعقله الراجح وعين قائدا للكتيبة، التي كان أحد أهم أهدافها مهاجمة حاجز جامع حرملة لما سبب من ضرر وإساءة وقتل واعتقال واغتصاب للنساء فيه، أصبح جرحا نازفا لكل أهل جوبر والغوطة من ورائهم، وسرعان ما بدأ التخطيط للهجوم عليه وتحريره وقتل العساكر والشبيحة فيه، وتحرير المعتقلين وخاصة النساء. وسرعان ما يعرف يحيى أن هناك حوالي العشر فتيات ومنهم هديل حبيبته، مما زاد تصميمه على إنقاذها والاخريات. كان واقع الثورة السورية في عامها الثاني وبداية عامها الثالث، قد أخذت طابعها العسكري في أغلب سورية، وأصبح النظام في حالة ضعف نسبي، وانتقل في درجة عنقه لاستعمال جميع أنواع الأسلحة ضد الشعب والثوار، استعمل الدبابات والمدافع والصواريخ والطائرات، وتحولت أغلب المناطق الثائرة إلى مدن خراب، وكان أغلب اهلها قد نزحوا منها إلى عمق مناطق الثوار أو خارجها، حيث مناطق النظام الأكثر امنا. كانت الثورة قد ولدت ثوارا مقاتلين هم شبابها السلميين الذين حملوا السلاح دفاعا عن اهلهم وثورتهم، كان هدفهم محددا إسقاط النظام المستبد الظالم، وبناء دولة العدالة والحرية والديمقراطية لكل الشعب السوري، من غير اي خلفية عقائدية سياسية أو طائفية، وكانت قد بدأت تنشط جبهة النصرة في جوبر وغيرها، التقى يحيى بقائد النصرة في جوبر كان شيخه في وقت مضى، حصل بينهم حوار مهم، فرز الموقف الثوري العام للشعب السوري عن موقف النصرة والقاعدة وما يرون، حدد يحيى أن ثورة الناس لأجل حقهم بالعيش الكريم وحريتهم ودفاعهم عن أرضهم وأعراضهم وهذا جوهر الاسلام، وأن دعوة القاعدة والنصرة قائمة على دعوة دينية لبناء دولة إسلامية وفق مواصفات خاصة عندهم، المختلف يستباح ماله وحياته، وأن ادعاء الجهاد في سبيل الله عندهم يخبئ خلفه عمل إجرامي يحتمي بتصورهم إنهم يعملون بما يريد الله. اختلف الثوار مع النصرة واتفقوا على التنسيق ميدانيا عندما يتطلب الأمر. استمر عمل كتيبة شهداء جوبر وتنسيقها مع كتائب ثوار الغوطة، للهجوم على موقع جامع حرملة المحصن، إسقاطه وتحرير النساء منه، كان يحيى قد وصل لأهل حبيبته هديل وطلب منهم عقد قرانه عليها وتمكن من ذلك، رغم كونها موجودة بين نساء المعتقلات في حاجز جامع حرملة، سيتم الهجوم على الحاجز من أماكن مختلفة، أولها عبر نفق حفره الثوار هاجم عبره يحيى مع عشرين من الثوار، وآخرين من جهات مختلفة، وساعد ثوار الغوطة كلهم في منع إمداد الحاجز من قبل قوات النظام لمساندته ومنع تحريره، استمر الهجوم وقتا طويلا، تمكن الثوار من تحرير الحاجز، صد الثوار كل إمداد الحاجز من النظام، الشهداء بالعشرات، وقتلى النظام كذلك، كان هناك مجازر لدبابات النظام، تم تحرير مديرية المركبات المجاورة، وتدمير حاجز البرلمان بمن فيه، أنقذت الفتيات، ووصل يحيى لهديل وأخبرها بزواجهم، وأمّن خروجها مع النساء، استمر في القتال حتى تحرير الجامع والقضاء على الحاجز، أصيب إصابات بالغة استشهد بعدها في بيت عمه اب هديل، بعدما اطمأن على هديل حبيبته وزوجته، وأن الجامع حرر وأن جوبر وامتدادها الغوطة قد توحدت وردت عدوان النظام. لم تنتهي الحكاية هنا هديل ستصبح معلمة تستمر بتعليم أبناء الثوار والمهاجرين على الحدود مع تركيا في عام ٢٠١٧، استمرت تحمل رسالة يحيى، جبهة النصرة تظهر حقيقتها وتتنازع مع الكتائب الثورية وتقتل منهم الكثير، أصبحت مثل النظام خنجرا في ظهر الثورة والشعب السوري.
تنتهي الرواية عند توقيت محدد من عام ٢٠١٣م حيث يلقي النظام غازاته السامة على الغوطة الشرقية والغربية…
فصول الثورة لم تنتهي وكذلك للرواية تتمة وأجزاء أخرى
في التعليق على الرواية نقول: نحن أمام عمل توثيقي للثورة السورية في جوبر وما حولها لفترة زمنية محددة بكل تفاصيلها، وما وضع القالب الروائي لها الا لمزيد من زرع الروح والربط الإنساني العميق لحقيقة الثورة السورية المنتصرة، للحب والخير والعدل والحرية والكرامة الانسانية، ليست حسابات قتلى وجرحى ومشردين، وبيوت مهدمة ومدن مدمرة، الظالمين سقطت عنهم إنسانيتهم وعملوا في الأرض فسادا وفي الشعب قتلا وتنكيلا واغتصابا، ليس ذلك فقط، إنها حكاية الإنسان المنتصر للحق يتحول لنور يضيئ مستقبل الأجيال القادمة، ويمهد الدرب إلى مجتمع تتحقق فيه إنسانية الإنسان.
نعم انتصرت إنسانية ثوارنا رغم استشهاد بعضهم، وشعبنا رغم كل التضحيات التي قدمها، انتصر على كل صنوف الظلم والطغيان. لو كنتم تعلمون.