كشف تحقيق صحفي هولندي أن العشرات من شبيحة نظام بشار الأسد يعيشون في هولندا بصفة لاجئين ومن بينهم على الأقل ثلاثة متهمين بارتكاب جرائم حرب.
وبحسب تقرير صحيفة NCR الهولندي التي نقلت إفادات من الشهود فإن هؤلاء الشبيحة متورطون بتعذيب معتقلين وتجنيد الأطفال للقتال ضد المعارضة.
وتحدثت الصحيفة إلى عدد من السوريين الذين تعرضوا لضغوط في هولندا من قبل هؤلاء الشبيحة، مع تهديدات لأفراد عائلاتهم في سوريا، حيث تم إرسال مقطع فيديو للضحية التي انتقدت النظام يظهر أحد أفراد أسرتها يتعرض للضرب.
ووفقا للتقرير فإن دائرة الهجرة “IND” تكافح لتحديد مجرمي الحرب المشتبه بهم خلال الفترة من كانون الثاني (يناير) 2011 إلى كانون الثاني (يناير) 2016، تم البحث مؤخراً في جميع ملفات الرجال السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 17 و35 عاماً والذين تقدموا بطلبات لجوء من بين 12570 ملفاً ووجد لاجئ سوري واحد فقط لديه مؤشرات كافية لإلغاء تصريح الإقامة.
يقول موظف سابق في “IND” لم يكشف عن اسمه: “أحياناً يتم إغلاق بعض قضايا اللجوء دون استجواب”. يقول موظف سابق آخر: “كان الإعداد للمقابلات مع اللاجئين ضعيفاً في الغالب”.
حتى الآن، وفقاً للمصدر، يتم جمع القليل من المعلومات الاستباقية.. في كل عام، يتم رفض طلبات لجوئهم بمعدل “أقل من عشرة” سوريين يشتبه بارتكابهم جرائم حرب، حسب ما تقوله دائرة الهجرة الهولندية.
وتعقبت الصحيفة ثلاثة من المشتبه بهم من المتواطئين السابقين مع النظام، وصنف عدة أشخاص أحدهم على أنه من أفراد قوات الأمن التابعة للنظام. وبحسب ما ورد قام آخر بتجنيد الأطفال.
ونشرت الصحيفة صوراً للشبيحة على موقعها الإلكتروني لكنها أخفت وجوههم لأسباب أمنية حسب قولها.
وانتشرت صور المشتبه بهم على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد كشفهم اللاجئون السوريون بأنهم شبيحة موالون لنظام بشار الأسد وتداولوا صورهم على مواقع التواصل الاجتماعي.
كل شيء يذكرني بسوريا
وقال رائد صادق، 37 عاماً وهو يقيم في منطقة “درنته”، لصحيفة NRC: “هؤلاء هم الأشخاص الذين فررنا منهم”. “في سوريا يمكنهم صنع أي شيء، لكن في هولندا هناك قوانين وأنظمة. إذا لم تتم معاقبتهم هناك، فيجب القيام بذلك هنا”.
موقع “تلفزيون سوريا” تواصل مع رائد صادق الذي روى تفاصيل ما حصل معه، وقال رائد “كنت معارضا للنظام وبسبب مشاركتي بأغلب المظاهرات والاحتجاجات ضد هذا النظام الطاغية منذ اندلاع الثورة السورية تم اعتقالي أكثر من مرة”.
وأضاف “وبعد أن تم تهديدي بالتصفية من قبل النظام على يد الشبيحة قررت في الشهر العاشر من عام 2015 أن أهاجر إلى بلد آمن لأحفظ سلامتي وأحمي أطفالي من غدر النظام وشبيحته وقررت القدوم إلى هولندا لأنها بلد تحترم حقوق الإنسان”، مضيفا “وبعد قدومي تقدمت بطلب لم شمل لعائلتي التي التحقت بي لاحقا إلى هولندا وبعدها شعرنا بالأمان والاطمئنان”.
لكن رائد يشير إلى أن “التفكير بأهلي وأصدقائي في الداخل السوري لم يفارقني وكوابيس التعذيب الذي تعرضت له في سجون النظام أيضاً لم تفارقني”، لافتا إلى أن “كل هذا يحدث حين اتصل مع أهلي وأصدقائي أو حين أتصفح موقع الفيسبوك الذي أرى فيه بشاعة ما يحصل في سوريا التي حولها النظام وشبيحته إلى كابوس يخافه كل سوري كان ضد النظام”.
“ومع مرور الوقت في هولندا حاولت أن لا فكر بشيء يخص سوريا لكن فشلت” بحسب رائد الذي كان كل شيء يذكره بسوريا.
خوف وارتباك
يضيف رائد “وفي أحد الأيام كنت أتصفح الفيسبوك تعرفت على صور لشخص يدعى بشار ويسكن في المنطقة التي أعيش فيها وهو يحمل السلاح ويرتدي لباس الأمن العسكري.. حينها شعرت بالخوف والارتباك”.
“صرت أصرخ بأعلى صوتي.. نحن هربنا من إرهاب هؤلاء المجرمين والآن هم يلحقون بنا إلى هنا”، يضيف رائد الذي صار يفكر بعدها بطريقة لمحاسبة هذا الرجل قانونياً وبدأ يسأل أصدقاءه الهولنديين ماذا عليه فعله.
والمتهم “بشار” بحسب رائد كان يعمل لدى فرع المخابرات العسكرية المعروف بتعذيب المعتقلين.
وشارك بشار وهو بيد واحدة، بالاعتداء على المتظاهرين منذ بداية الثورة السورية وشارك في عمليات تفتيش والاعتقالات، بحسب ما صرحت مصادر متعددة في سوريا بذلك.
كما أن بشار دهم منزل رجل وضربه حتى غطت الدماء وجهه، واقتيد الرجل وتوفي في وقت لاحق تحت التعذيب في الفرع 215 بجهاز المخابرات العسكرية.
ويتباهى بشار الذي يمتلك سيارة “ب م” فضية، بماضيه وبعمله مع ضابط كبير في النظام بحسب ما تذكر عدة مصادر.
أصدقاء رائد نصحوه بإبلاغ الشرطة وهو ما تم فعلاً، وتواصل مع الصحافة الهولندية و”جمع أدلة كثيرة عن هذا المجرم”، بحسب ما قال.
وعن تعاون الشرطة الهولندية معه، قال رائد لموقع تلفزيون سوريا: “كانوا متعاونين جداً معي”، مشيراً إلى أنهم أمنوا له الحماية بعد أن علموا أن أجرى مقابلة مع الصحيفة الهولندية.
مطالبة بقانون ضد “الشبيحة”
وأشار إلى أن “القضية لا زالت مفتوحة لجمع الأدلة لتحويلها إلى المحكمة” مطالباً السلطات الهولندية بـ”اصدار قانون أو ماشابه لمتابعة الشبيحة وفتح ملفاتهم من جديد للتحقيق فيها.. لأن هولندا للأسف حتى الآن لم تقم بهذه الخطوة وتستقبل فقط الشكاوى الفردية”.
وعن الأدلة التي جمعها قال إن لديه “شهودا وبعضهم مخفيين لأنهم يخافون على أهلهم وذويهم في الداخل”.
وأشار رائد إلى أن “كثيرا من الشخصيات والسياسيين والمحامين يعملون على هذا الأمر”، ولفت إلى أنه على الصعيد الشخصي تم التواصل معه من قبل شخصيات سياسية في البرلمان”، قائلاً إنه “يتأمل خيراً.. وسوف ننتظر لنرى ماذا سوف يحدث”.
كما أعرب عن اعتقاده بحصول “إجراءات كبيرة لمحاسبة الشبيحة لأن الصحيفة التي نشرت التحقيق صحيفة مهمة في هولندا وتم نشر التحقيق على الصفحة الأولى”.
وطالب رائد بـ”محاسبة هؤلاء المجرمين لأنهم كثر في هولندا وفي جميع الدول الأوروبية”، لافتا إلى أنهم “يتباهون بما فعلوه بنا في سورية ويبتزوننا في أهلنا الذين مازالوا في الداخل”، مؤكدا أنه “حتى الآن تم جمع أدلة ضد الشبيحة الثلاثة بشكل شبه قطعي”.
تخويف اللاجئين!
وفي مدينة بشمال هولندا يعيش فلسطيني – سوري معروف للسلطات بأنه مثير للمشكلات، قام بتخويف اللاجئين الآخرين مع ابنه، وتم رفض طلبه إلى “بنك الطعام” (الذي يقدم للفقراء مساعدات غذائية مجانية) عندما أظهر كشف حسابه المصرفي أن لديه آلاف اليوروهات وأنه قام بسحب مبالغ كبيرة من بطاقة الخصم ونفقاته. يقول أحد المصادر للصحيفة: “أثار ذلك بعض التساؤلات حول أصوله”.
اسم الرجل ياسين ولد عام 1966 في مدينة حمص السورية، ودرس الهندسة الميكانيكية في ألمانيا وعاش وعمل في روسيا لبضع سنوات. في أواخر التسعينيات عاد إلى حمص، حيث أسس شركة إنشاءات تضم في النهاية 400 موظف وأوامر بناء في جميع أنحاء البلاد.
وفي مخيم العائدين للاجئين الفلسطينيين في حمص، حيث كان يعيش كان ياسين منخرطا في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة، وتعمل بشكل وثيق مع النظام. بعد ذلك انضم إلى ميليشيا لواء القدس الموالية للأسد.
تجنيد أطفال
في الصور، يقف مع كبار متزعمي اللواء محمد السعيد وعدنان السيد، على الصفحة ميليشيا لديه صور ياسين يرتدون الزي العسكري. في إحداها كان يرتدي شعار الميليشيا على ذراعه.
كان لدى ياسين العديد من الوظائف، بحسب مصادر. ومن الجدير بالذكر أنه توسط بين النظام وأهالي المخيم. في بعض الأحيان لإطلاق سراح السجناء، وأحياناً إلقاء القبض على معارضي النظام.
من المحتمل أن الرجل في الخمسينيات من عمره يشارك في تجنيد المقاتلين القصر، وتؤكد المنظمة غير الحكومية أن الميليشيا تجند الأطفال. ونشرت الميليشيا صورا عديدة لمقاتلين شبان على مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي مقال نشرته وسائل إعلام معارضة لصور عن حملة الميليشيا لتجنيد “شباب من المخيم”، يظهر ياسين في مقدمة الصورة.
وفي عام 2015 تغير موقفه، كانت الجبهة الشعبية تفقد نفوذها وخاف على سلامة أطفاله وأرسلهم إلى هولندا.
وفي صيف 2017، سافر ياسين خلف أبنائه، وعاد إلى سوريا مرة أخرى في عام 2019 ليرى عائلته وللحفاظ على علاقات جيدة مع النظام.
شبيح “الكباس”
أما المتهم الثالث، بحسب شاهد هو عامر الذي يعرفه الشاهد منذ الطفولة ونشأ معه في حي دويلعة شرقي دمشق أيضاً. ينحدر عامر من عائلة مسيحية فقيرة وانضم إلى الشبيحة في بداية الانتفاضة، وفقاً لمصادر متعددة. كانت دويلعة مليئة بالشبيحة بحسب تقرير الصحيفة وكانوا يتسكعون في النوادي الليلية ويتاجرون بالمخدرات ويروعون الحي، كما يقول الشاهد في هولندا الذي رأى عامر نفسه عدة مرات عند حاجز تفتيش في نفس الحي بالقرب من جسر “الكباس”.
وروى الشاهد أنه كان قد رأى عامر على أحد الحواجز العسكرية التي كان موجود قربها سبعة جثث لمواطنين سوريين يصفهم النظام بـ “الإرهابيين”.
في عام 2015 علم الشاهد أن عامر وصل إلى هولندا وبعد فترة قصيرة عثر على حساب عامر على الفيسبوك وشاهد صوره وهو يرتدي البزة العسكرية على حاجز الكباس المعروف بأنه من أخطر الحواجز في سوريا.
نفي وتحذيرات من خطر قادم
وينفي المشتبه بهم الثلاثة للصحافيين ارتكابهم جرائم، وقدمت الصحيفة الملفات الثلاثة إلى فريق محامي حقوق الإنسان في باريس.
ووفقا لأوجور أنجور، أستاذ دراسات الإبادة الجماعية التابع لمعهد أبحاث NIOD فإن “هؤلاء الأشخاص يشكلون خطراً على المجتمع الهولندي”، لافتا إلى أن “لديهم اتصالات متبادلة وينشطون أحياناً في الجريمة المنظمة”. محذرا من “حصولهم على جواز السفر الهولندي”.
وأشار إلى أنها “مسألة وقت قبل أن يعيدوا استرجاع مهاراتهم القديمة ويبدؤوا بتشكيل عصابات مسلحة هنا أيضاً”.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا