وضع جو بايدن نصب عينه هدفين رئيسيين صعبين إذا انتخبه الأميركيون اليوم رئيساً: السيطرة على تفشي فيروس «كوفيد-19»، وإعادة الولايات المتحدة إلى «موقعها الطبيعي»؛ لم يطلق هذين الوعدين عبثاً أو من عدم، بل من تجربة سياسية في قلب المؤسسة السياسية الأميركية وشخصية حافلة بالتغلب على الصعاب والمآسي.
فخلال الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي التي شارك فيها عدد قياسي من المرشحين، لم يكترث الرئيس الجمهوري دونالد ترمب كثيراً لأكثرية المرشحين، بل صوب بصورة خاصة على «التهديد الأكبر» الذي يمكن أن يواجهه خلال الانتخابات: جو بايدن الذي تمكن بالفعل ليس فقط من نيل بطاقة الحزب الديمقراطي، بل من الوقوف بصلابة أمام منافسه أمام ملايين الأميركيين في الحملات الانتخابية، وفي المناظرتين الرئاسيتين، وفي المعركة الشرسة للوصول إلى البيت الأبيض.
اسم بايدن وسجلّه السياسي ليسا غريبين عن الناخب الأميركي والمراقب الدولي، فمسيرته السياسية الطويلة وشغله منصب نائب الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، فضلاً عن سلسلة مآسٍ وأحزان عاناها، رسّخت صورته في ذاكرة الملايين.
فقد سبق للأميركيين أن انتخبوا السيناتور السابق عن ولاية ديلاوير نائباً للرئيس (رقم 47 بين نواب الرئيس في تاريخ الولايات المتحدة) مع الرئيس أوباما عام 2008، ثم أعيد انتخابه عام 2012. وهو الآن يسعى لانتزاع رئاسة الولايات المتحدة من منافسه الجمهوري ترمب.
نشأ بايدن البالغ من العمر 78 عاماً في ولاية بنسلفانيا. وقد عمل والده جوزف في تنظيف الأفران وبيع السيارات المستعملة. وينسب جو بايدن فضل نجاحه إلى والده ووالدته كاثرين يوجينيا فينيغان لأنهما غرسا فيه «الصلابة والعمل الجاد والمثابرة». فعندما كان يعود إلى المنزل متجهماً بسبب التنمر من طفل أكبر سناً في الحي، كانت والدته تقول له: «أدم أنوفهم حتى تتمكن من السير في الشارع في اليوم التالي!».
– كينيدي ملهمه
عندما انتقلت عائلة بايدن إلى ولاية ديلاوير عام 1955، كان أولاد الحي يسخرون من جو بسبب التلعثم. لكن ابن الـ13 عاماً تغلب على هذه المشكلة بحفظ فقرات طويلة من الشعر وتلاوتها بصوت عالٍ أمام المرآة، ثم التحق بأكاديمية أرشمير المرموقة. وعلى الرغم من اضطراره إلى العمل في غسل نوافذ المدرسة وإزالة الأعشاب الضارة من الحدائق لمساعدة أسرته، بقي بايدن يحلم لفترة طويلة بالالتحاق بالجامعة. وبعد تخرجه من أرشمير عام 1961، التحق مجدداً بجامعة ديلاوير القريبة، حيث درس التاريخ والعلوم السياسية، ولعب كرة القدم. واعترف لاحقاً أنه أمضى العامين الأولين في الكلية مهتماً بكرة القدم وبالفتيات والحفلات أكثر من الصفوف الأكاديمية، غير أنه طور اهتماماً خاصاً بالسياسة، مدفوعاً جزئياً بالتنصيب الملهم للرئيس جون إف. كينيدي عام 1961.
وخلال رحلة عطلة الربيع إلى جزر الباهاماس، ارتبط بايدن بطالبة في جامعة سيراكيوز تدعى نيليا هانتر. وتفرغ لدراسته بشكل كامل، وتلقى قبولاً في كلية الحقوق بجامعة سيراكيوز بعد تخرجه من ديلاوير عام 1965. ثم تزوج بايدن وهانتر في العام التالي. وبعد تخرجه من كلية الحقوق، انتقل بايدن إلى مدينة ويلمنغتون بولاية ديلاوير، ليبدأ العمل في مكتب محاماة. وهناك صار عضواً ناشطاً في الحزب الديمقراطي، وانتخب عام 1970 لمجلس مقاطعة نيو كاسل. وبالإضافة إلى حياته المهنية الحافلة، أنجب بايدن ثلاثة أطفال، هم: جوزيف الثالث، وهانتر الذي أصبح محور فضيحة سياسية واتهامات جمهورية بالفساد، ونعومي.
وعام 1972، عندما بلغ 29 عاماً، شجعه الحزب الديمقراطي على خوض الانتخابات ضد السيناتور الجمهوري كاليب بوغز. وعلى الرغم من شعبية الأخير، أدار بايدن حملة دؤوبة ساعده فيها كل أفراد أسرته. وفي نهاية المطاف، حقق بايدن فوزاً مفاجئاً، ليصير خامس أصغر عضو في مجلس الشيوخ الأميركي.
وفي الوقت التي كانت فيه أحلام جو بايدن تتحقق، صدمته مأساة مدمرة. ففي حين كانت زوجة بايدن وأطفاله الثلاثة يتسوقون لشراء شجرة عيد الميلاد عام 1972، تعرضوا لحادث سيارة مروع أدى إلى مقتل زوجته وابنته، وإصابة ابنيه بو وهانتر بجروح بالغة. وعلى الرغم من كل شيء، قرر بايدن احترام التزامه بتمثيل ديلاوير في مجلس الشيوخ.
تزوج بايدن للمرة ثانية من جيل بايدن عام 1977، وأنجب منها آشلي. وعام 2015، عانى بايدن مأساة ثانية عندما توفي ابنه بو عن عمر يناهز 46 عاماً، بعد صراع مع مرض السرطان.
وبين عامي 1973 و2009، سجل بايدن مسيرة مهنية متميزة في مجلس الشيوخ، وحظي بالاحترام حين عمل رئيساً للجنة العلاقات الخارجية.
– سعي متجدد إلى المكتب البيضاوي
وبعدما أثبت نفسه واحداً من أبرز المشرعين الديمقراطيين في واشنطن، قرر بايدن الترشح لرئاسة الولايات المتحدة عام 1987، واضطر إلى الانسحاب من الانتخابات التمهيدية للحزب الديمقراطي، بعد ظهور تقارير تفيد بأنه سرق جزءاً من خطاب. وبعد 20 عاماً من محاولته الرئاسية الأولى الفاشلة، قرر بايدن الترشح مجدداً عام 2007، ولكنه فشل أمام الزخم الذي أتت به هيلاري كلينتون وباراك أوباما. وعلى الرغم من ذلك، اختاره أوباما نائباً له، وهزما معاً المرشحين الجمهوريين جون ماكين وسارة بالين. وأعيد انتخاب أوباما وبايدن عام 2012، في مواجهة الجمهوريين ميت رومني وبول راين.
وفي مسعاه للفوز بالرئاسة، أكد بايدن أن تمسكه بإعادة نهج الولايات المتحدة إلى معايير ما قبل ترمب الذي وقع على نحو 200 أمر تنفيذي منذ عام 2017، واتخذت إدارته أكثر من 400 إجراء تنفيذي بشأن الهجرة وحدها، كما عيّن مئات القضاة في محاكم عبر البلاد. وتعهد بالتراجع عن انسحاب ترمب من منظمة الصحة العالمية، واتفاقية باريس للمناخ، والتخفيضات الضريبية، وقرار حظر السفر لمواطني عدد من الدول.
المصدر : الشرق الاوسط
