إبراهيم كوكي روائي سوري متميز، زخ رصاص، باكورة أعماله الروائية، وهي سفر طويل ممتلئ معلومات وموضوعات، يصل الى ١١٠٠ص. (زخ رصاص) تتعامل بصيغة روائية مع وقائع وأحداث حصلت، هي ليست توثيقا تاريخيا، لكنها اضاءة على مرحلة تاريخية مهمة، في سورية المجتمع والنظام والقوى الاسلامية عموما، دور النظام السوري في لبنان ومع دول اقليمية وعالمية، في العقد الأول من الألفية الجديدة، إنها سنوات التغيرات الأكثر تأثيرا في سوريا ولبنان والعراق واغلب دول المنطقة. احتلال الامريكان للعراق عام ٢٠٠٣م، اغتيال رئيس وزراء لبنان رفيق الحريري عام ٢٠٠٥م، من الفاعل والتحقيقات اللبنانية والدولية؟. الإسلاميين ودورهم الجهادي في العراق، دور النظام السوري بذلك، اعتقال العائدين من هناك، سجن صيدنايا واستعصاء سجنائه الاول والثاني وكيفية تعاطي النظام مع ذلك. كيفية ولادة ونمو وتبلور التيارات الإسلامية الجهادية في السجون والمعتقلات السورية، الاختراق الأمني لهذه القوى من النظام السوري وغيره، ارتباط النظام السوري مع القوى الدولية حول الجهاديين وغير ذلك. تركيبة النظام السوري الطائفية، والصراعات داخل الطائفة العلوية… كل ذلك يحضر في هذه الرواية الوثيقة. تسير الرواية على شكل فصول منفصلة تتابع موضوعات مختلفة تتكامل مع بعضها لتصل أخيرا إلى صورة شبه كاملة عن تلك المرحلة من تاريخ سورية والمنطقة عموما.
تبدأ الرواية من حيدر ابن الساحل السوري (علوي) الذي يعمل في سجن صيدنايا المخصص للمساجين السياسيين مع غيره من السجون – طبعا – في سورية، حيدر يغازل نهلة ابنة قريته الساحلية ويحاول الوصول إليها. حيدر يعمل سجانا في سجن صيدنايا معه ايضا ابو غدير وهو مثله علوي، يعود من قريته الى السجن ليباشر عمله وهو سجانا يتميز بعداء شديد للسجناء وخاصة الإسلاميين منهم، مفوض هو وابو غدير من رئيس السجن، بتعذيب السجناء واذلالهم واهانتهم دوما، وهما يتمتعان بذلك كثيرا، ويمارسانه بأشكال مختلفة إلى درجة الإدمان، طبعا يحصل ذلك مع فريق السجانين الكثيرين الذي يقوده حيدر وابو غدير. على مستوى آخر كانت الأحداث العالمية تتسارع وتنعكس على النظام السوري. أمريكا تقرر الرد على ضربات ١١ أيلول/سبتمبر ٢٠٠١م التي قام بها تنظيم القاعدة، تحتل افغانستان بعد ان دمرتها. ثم تحتل العراق وتسقط نظام صدام عام ٢٠٠٣م، وتتوعد النظام السوري أن مصيره مصير نظام صدام إن لم ينصاع لأمريكا ويلتزم سياستها. النظام السوري يقرر الأخذ بسياسة مواجهة غير علنية مع الامريكان، المقصد منها اقناعهم ان الخسائر الامريكية من احتلال العراق اكثر من المنافع، وانهم مازالوا بحاجة للنظام السوري وخدماته، لذلك قرر النظام أن يدعم حملة التجييش الشعبي السوري ضد احتلال الأمريكان للعراق، احتضن التيار الاسلامي المشيخي التقليدي الذي كان سائدا في سورية، بعد أن جفف النظام القوى السياسية الإسلامية مثل الاخوان وحزب التحرير وغيرهم من المجموعات الصغيرة، حيث أنهاها بالاعتقال أو القتل أو التشريد أو الاختفاء تحت الأرض، كان التيار المشيخي برموزه مثل كفتارو والبوطي وغيرهم، قد قرروا أن يبتعدوا عن السياسة مطلقا في دروسهم الدينية الى مريديهم، وان اضطروا فهم يدعمون مواقف النظام السياسية من اي حدث محلي أو دولي، حيث يصلهم التوجيه من الأمن أو وزارة الأوقاف المرتبطة بالأمن مباشرة. كان جميع خطباء المساجد يرتبطون مباشرة بوزارة الأوقاف وتوجيهات النظام في كل أمر. قرر النظام أن يفعّل دور التيار المشيخي لخدمة موقفه المجيّش للتوجه الى العراق للجهاد ضد الامريكان، فوضع واحدا منهم وزيرا للأوقاف، والتقى بشار الاسد برموز التيار المشيخي وحثّهم على تجييش الناس وخاصة فئة الشباب للتوجه الى العراق للجهاد ضد الأمريكان. اصطنع شيخا من المرتبطين معه امنيا في حلب هو محمود غول أغاسي، حيث أعلنها دعوة علنية الى التطوع للذهاب الى العراق وقتال الأمريكان. تقبل التيار المشيخي الموقف المطلوب منه، أراد ان يدعم وجوده وإمكاناته خاصة أن وزير الأوقاف أصبح منهم. صحيح أن التيار يتجنب السياسة عموما، لكنه لم يستطع أن يواجه توجهات النظام ولا اندفاع الشباب لذلك سكت عن الموجة والبعض دعمها ضمنا. أصبح الشباب السوري من مريدي التيار وغيرهم يلتحق بالجهاد في العراق. فتح النظام الحدود للذهاب الى العراق، وطد اعماله مع المهربين، وأكد لهم على الانتقال الى العراق فقط، اما القادمين الى سورية، فكلهم يساقون الى فروع الأمن السوري وسجونه. حيث سيعاد تأهيلهم، بعضهم يصبح مخبرا للنظام، والأغلب يتجذر انتمائهم الإسلامي السلفي أو الجهادي ومن كل التيارات الإسلامية الراديكالية، كل ذلك يحصل في السجون والفروع الامنية، ويتركون ليكونوا وقودا لمعارك قادمة سيستخدمهم فيها النظام بوعي منهم أو دون وعي. تطور إرسال الشباب السوري والاسلامي والعربي الذي يريد الذهاب للعراق للجهاد. أدركت امريكا ذلك واكتشفت ان احتواء النظام السوري أفضل من الحديث عن إسقاطه. بدأت تنسق معه بعد مضي سنين من اجل محاربة الارهاب الاسلامي القاعدة وغيرها. لكن النظام السوري لم يكن يقبل بمحاولة تقليم أظافره الممتدة إقليميا خاصة في لبنان على خلفية احتلال العراق من قبل الامريكان، ومطالبة قوى وطنية لبنانية بخروج سورية من لبنان واستصدارهم قرار دولي بذلك. كان رفيق الحريري رأس حربة مواجهة النفوذ السوري في لبنان. لذلك قرر النظام السوري أن يغتال الحريري وينهي مشكلته. خطط على أكثر من صعيد؛ فقد أطلق جماعة شاكر العبسي الاسلامية المحسوبة على القاعدة من السجون السورية، ودفعهم للمخيمات الفلسطينية اللبنانية، وبدأوا يفتعلون في لبنان مشاكل أمنية احتلوا مقرات الفصائل الفلسطينية في لبنان زاد عدد المنتسبين لهم من خمسين إلى خمسمائة عنصر، هدفهم المعلن بناء الخلافة الاسلامية وتحرير فلسطين. بدأوا بسرقة البنوك، والاعتداء على المصالح اللبنانية خارج المخيمات، لقد أصبحوا مشكلة امنية يجب حلها. اقترن ذلك مع اغتيال رفيق الحريري رئيس وزراء لبنان، اغتيل بعملية امنية كبيرة عبر سيارة مفخخة. قتل الحريري واصبحت الدنيا كلها تبحث عمّن قتله؟ من له مصلحة بذلك؟ النظام السوري وحزب الله اتهموا اسرائيل وأنها ارادت بذلك ان تحرج النظام السوري ومحور المقاومة، وتتهمهم باغتيال الحريري. بادر النظام السوري إلى إعلان انصياعه للقرار الدولي للخروج من لبنان، خرج فعلا، لكنه ترك وراءه حزب الله وجيشا من المؤيدين، المدعومين بعمليات امنية كبيرة، لقد توسعت دائرة الاغتيالات لكل من يعلن موقفه المجاهر بعدائه للنظام السوري او اتهاما له بقتل الحريري، اغتيل سمير قصير وغيره من رموز معاداة النظام السوري، تشكل محورين مرتبطين بشهر آذار أحدهم مع النظام السوري يتزعمه حزب الله، والآخر ضد النظام السوري يتزعمه تيار الحريري وجنبلاط. استلم الأمن اللبناني قضية مقتل الحريري، كان النقيب وسام عيد متميزا في متابعة الادلة التي حامت حول النظام السوري وحزب الله، وكان قد تم إذاعة بيان عبر وسائل الإعلام يعلن به أحمد أبو عدس مسؤوليته عن قتل الحريري، باسم فتح الإسلام التابع للقاعدة، تابع وسام عيد موضوع احمد ابو عدس واكتشف انه مجرد مسرحية لصرف الأنظار عن الفاعل الحقيقي، تم تشكيل لجنة تحقيق دولية تعاونت مع الأمن اللبناني، وفي كل مرة يحصل تقدم بالأدلة يظهر متطوعين جددا ليعترفوا عن تورطهم بقتل الحريري، ظهر حسام حسام واعترف بالتخطيط والتنفيذ، وبعد ذلك تراجع عن اعترافاته، ظهر بعد ذلك غيره واعترفوا ثم تراجعوا أيضا عن اعترافاتهم، كان الهدف تشتيت لجان التحقيق الدولية وبعدها المحكمة الدولية المشكلة لأجل متابعة اغتيال الحريري ومن معه. كانت متاهات الاعترافات والتراجعات تعيد التحقيق في كل مرة الى نقطة الصفر. لكن وسام عيد ومن معه يصلون عبر متابعة اتصالات شبكة تنفيذ الاغتيال إلى معرفة شبكة أمنية تابعة لحزب الله هي من خططت وراقبت ونفذت اغتيال الحريري. عندها أصبح وسام عيد ومن معه تحت التهديد الجدي، حيث تم اغتياله، وطويت صفحة التحقيق اللبنانية بمقتل رفيق الحريري، وكذلك اللجنة الدولية ودخلت المحكمة الدولية في متاهة النسيان. في نفس الاثناء كانت قضية فتح الاسلام تتفاعل وتتفاقم. وقررت الدولة اللبنانية أن تواجههم بالقوة العسكرية، حاصرت مخيم نهر البارد واستمرت تقصفه، حتى دمرته كله، وقتل بعض أنصار شاكر العبسي وهرب هو وبعض قادته، وشرد اهل المخيم الفلسطيني الفقير مجددا، وخرج المخيم عن الخدمة نهائيا. وقتل بعد ذلك شاكر العبسي، وانتهى دوره في موضوع مقتل الحريري، حيث طوي ملفهم مع ملف اغتيال الحريري. في محور آخر سيتغير مسؤول سجن صيدنايا حيث يخدم حيدر وابو غدير، بدأوا التعامل مع السجناء بعنف اقل، واعطوا فسحة من الحرية والتنقل فيما بينهم في الاجنحة، خفت العقوبات عنهم واصبحوا اكثر راحة في التعامل فيما بينهم، وبدأت تظهر و تنمو بينهم الاختلافات العقدية والفقهية، وتزداد بينهم الحساسيات والصراعات والسجالات والنقاشات، كل يعتقد أنه الصحيح، يكفرون المختلف، يعيشون في عوالمهم الفكرية الذاتية، اغلب القدامى منهم كانوا في أفغانستان والعراق، بعضهم سوريون وعربا، يتصرفون بعقلية المخلّص المرسل من الله، لهم يقين مطلق بصحة ما يحملون، يتجادلون حول كل شيء ولا يتفقون على شيء، ومع الوقت تزداد الفرقة والاستقطاب، هناك القاعدة والسلفيين الجهاديين والمرجئة وغيرهم، يستقطبون كل الشباب المحيطين بهم، وكان النظام قد افتعل عدة تفجيرات في دمشق ليقول للنظام العالمي أنه مستهدف بالإرهاب أيضا، منها الهجوم على الاذاعة والقزاز وعلى أحد الفروع الامنية، كلها كانت خلبية، ودون خسائر تذكر، لكن اعتقل الكثير من الشباب الأبرياء من الاجواء الاسلامية المشيخية ليحملوا تهم هذه العمليات، كان هؤلاء الشباب وغيرهم وقودا لهذه المجموعات الدينية الموغلة في التطرف والتعنت، وكوادر ستكون فاعلة مستقبلا في القاعدة وغيرها. كانت فترة التسهيلات من ادارة السجن هذه مقترنة مع حوارات وسجالات بين اليساريين وبعض ناشطي المجتمع المدني الذين اعتقلهم النظام على خلفية نشاطات ربيع دمشق التي حصلت بعد استلام بشار الأسد السلطة خلفا لوالده حافظ الأسد، حيث وعد ببعض انفراج وبالحريات، التي لم تدم وانتهت بإسكات صوت المعارضة والمجتمع المدني، واعتقال بعض الناشطين منهم. هؤلاء سيختلفون مع تيار السلفية الجهادية. وهؤلاء سيكفرونهم، ويفكر المغالين منهم بحملة تطهير داخل السجن من الكفرة والمنافقين، وتبدأ عملية استعصاء وحملة قتل لبعض الناشطين، ويستمر الاستعصاء ويتدخل النظام ويغير رئيس السجن ويعود الى مرحلة القسوة والتعذيب ونقص الماء والغذاء. يستمر ذلك لفترة اخرى حيث يقرر السجناء الاكثر تطرفا مرة اخرى ان يقوموا بتمرد جديد، يتعامل معهم النظام بلين وعلى النفس الطويل، يتركهم يخربوا السجن، ويختلفوا و يتصارعوا فيما بينهم، يجوعهم و يعطشهم احيانا، يعيشون بوهم أنهم يجاهدون وهم خلف القضبان، ووهم اقامة امارة اسلامية في السجن، يشكل لهم النظام لجان امنية تحاورهم، تشدد عليهم أحيانا، وتمدهم بما يحتاجوا أحيانا أخرى، وعندما يقرر النظام إنهاء الاستعصاء والتمرد، يواجههم بالقوة الباطشة، فيستسلموا بعد أن اخذوا فرصة انضاجهم في مدرسة السجن ليكونوا كوادر مؤهلة فكريا وعقائديا وليكونوا نواة أي عمل جهادي قادم، لقد صنع منهم قنابل موقوته تنفجر عند الحاجة وقادة ميدانيين وفكريين عندما يطلق سراحهم يوما ما، يخدمون اجندة النظام بوعي وغير وعي، انهم خارج التاريخ والوعي والعلم يسكنون أوهامهم ويقعون ضحيتها. وهذا ما سيحصل بعد الثورة السورية، سيخربون حراكها العسكري ويشكلون القاعدة وداعش والنصرة، ويعينون النظام على وئد الثورة السورية برضى دولي.
في مسار آخر سيتابع حيدر البحث عن حبيبته نهلة التي اختفت في ظروف غامضة في دمشق، والحقيقة أن نهلة تواصلت مع غازي كنعان الذي عُيّن وزيرا للداخلية في النظام السوري، بعد أن كان رئيسا لجهاز الاستخبارات في لبنان لأعوام مديدة، كان الحاكم الفعلي هناك. انتهى دوره هناك وأعيد الى دمشق ودفن في وزارة الداخلية، اراد مع قريبته نهلة ان يؤرخ لتجربته يحكي اصل الصراع بين عشيرته وعشيرة عائلة الاسد، وانهم اكفأ واحق بالسلطة، ولم يكن يعلم انه مرصود أمنيا وتصل المعلومات عما يفعل للنظام اول بأول، كان الملف الامني السوري بيد آصف شوكت زوج بشرى بنت حافظ الأسد وأخت الرئيس بشار الأسد، وفي لحظة ما قُتل غازي كنعان واشيع انه انتحر وأخبر والد نهلة انها ماتت في حادث سير في دمشق. لقد طوي ملف الصراع العلوي العلوي، حيث تفرد بشار الاسد وعصبته بالسلطة السورية مطلقا. حزن حيدر على موت حبيبته، لكنه بقي مرتابا لعدم تسليم جثتها لأهلها، صحيح ان لها قبر في دمشق لكنه بقي متعلقا بحبها ويرفض أن يتزوج من اي فتاة اخرى رغم الحاح والدته عليه. لكن صدفة تجعل حيدر يرى نهلة تعالج من تعذيب شديد في احدى المشافي تحت حراسة امنية مشددة، وسيعرف انها موقوفة هناك بسبب تعاونها مع غازي كنعان، يخاف ويرتبك، وتدور الايام وتخرج نهلة وتصبح من ناشطات ثورة ٢٠١١م وتسلم دفترها لكاتب الرواية ليقول للناس ما حصل في سورية في فترة كالحة من تاريخها.
تتوسع الرواية من خلال حديث الراوي عن نفسه بأنه واحد من التيار المشيخي حيث كان إماما في أحد المساجد وكذلك والده، إذ كانوا كجزء من شبكة المشايخ المرتبطين عضويا بشيوخ كبار مثل البوطي وكفتاروا لهم علاقاتهم مع الأجهزة الأمنية ووزارة الاوقاف يأخذون توجيهاتها اولا بأول. أثناء حملة النظام لمواجهة التواجد الأمريكي في العراق اعطى لهذا التيار وزارة الاوقاف وسمح لهم، بل دفعهم للتجييش في أوساط الشباب المتدين للذهاب للجهاد ضد الامريكان في العراق كما ذكرنا سابقا، والتحق الكثير من الشباب بقوافل الذهاب للجهاد في العراق، منهم سامر الذي سيصبح بعد ذلك أحد قادة الجهاديين بعد اعتقاله في سجن صيدنايا. كما انفتح النظام وقتها على النشاط المشيخي الدعوي للقبيسيات اللواتي خرجن من اقامة دروسهم في البيوت الى المساجد، وحصل التوسع الكبير في الدعوة الدينية المشيخية والقبيسيات في تلك المرحلة، لقد خدع النظام هؤلاء بأن النظام قد قرر أن يعطي للإسلاميين حقوقهم وحضورهم المجتمعي والسياسي، لكن ما ان انتهى من الاستفادة منهم في السنوات الأولى لاحتلال العراق، وتجاوز مشكلة اغتيال الحريري، واعادة قبول النظام في النادي الدولي كحليف في مواجهة الإرهاب الإسلامي، الذي صنعه هو، حتى سحب كل مكتسبات الإسلاميين المشيخيين من ايديهم، وجعلهم مجددا تابعين للجهات الامنية ويعملون وفق توجهات النظام، كما شدد على القبيسيات ودفعهم اكثر للسير في فلك النظام بحيث أصبحوا لسان حاله في الوسط النسوي المتدين، ستظهر تبعيتهم المطلقة للنظام بعد الثورة ٢٠١١م حيث سيمجدون النظام ورئيسه قاتل الشعب السوري.
يظهر في الرواية أن هناك طرف ما داخل النظام السوري يقدم المعلومات عن كل ما يفعله الى اطراف دولية، إيحاءً بأنه يعمل وفق توجيهات دولية معينة، وينتظر مباركتها، يظهر التداخل الدولي عندما يعاد تعويم حزب الله اللبناني بعد اتهامه بقتل الحريري بدفع من النظام السوري، حيث تحصل حرب تموز ٢٠١٦م، ويعاد تتويج حزب الله بطلا يقاتل العدو الصهيوني، هو ومحور المقاومة التي تتزعمه سورية، أليس ذلك تعويم اسرائيلي امريكي للنظام وحزب الله أيضا؟ الذي يحمي حدود اسرائيل مع لبنان منذ عام ٢٠٠٦م. والنظام السوري يحميها منذ عام ١٩٧٤م على حدود الجولان، وذلك منذ اتفاق فض الاشتباك واعادة القنيطرة للنظام السوري وتتويج حافظ الأسد بطلا للتحرير بعد أن كان بطلا للتصحيح.
تنتهي الرواية عندما تسلّم نهلة مخطوطها لكاتب الرواية ليستفيد منه في فضح النظام السوري، ويكشفه عبر روايته للعالم.
في تحليل الرواية نقول:
نحن أمام سرد معلوماتي شبه موثق لمرحلة تاريخية مهمة لسورية والقضية الفلسطينية ولبنان والعراق بالارتباط مع القوى الدولية الفاعلة، وكيفية إدارة كل الملفات الساخنة منذ ما قبل احتلال العراق عام ٢٠٠٣م إلى ما قبل الثورة السورية عام ٢.١١م. صحيح انه بشكل روائي وهذا جعل المادة أقرب للنفس والفهم والمتابعة.
أهمية الرواية أنها تغطي قضايا بقيت طي التغييب عند الكثير من الناس وحتى عند أغلب المثقفين والسياسيين. مثل التيار الإسلامي المشيخي السوري، واقعه ودوره في تلك الفترة. لبنان وسيطرة النظام السوري عليه، تمديد ولاية الرئيس اميل لحود التابع للنظام السوري، والانصياع شكلا للخروج السوري من لبنان لكن استمرار النفوذ السوري عبر حزب الله واعوان النظام السوري الآخرين. قتل الحريري عبر اغتياله، وادارة التهرب من التهم الموجهة للنظام وحزب الله، واغتيال كل الخصوم جميعا، تضييع الحقيقة وإغلاق ملف الاغتيال عبر لجنة تحقيق فشلت في التوصل للحقيقة ومحكمة لم تفعّل، وأصبحت قضية اغتيال الحريري مهملة ومنسية. النظام وادارة الإسلاميين في الدخول للعراق، واعتقالهم عند العودة وتحويلهم لأدوات له في تحقيق أهدافه، نموذجهم فتح الإسلام، التي حملها النظام جريمة اغتيال الحريري. مغطيا على قتله هو له. وسوف يستفيد من هؤلاء الاسلاميين المتطرفين الذين احتضنهم في سجونه وأطلقهم في اول الثورة السورية ليصنعوا جماعات جهادية اسلامية تشوه الثورة السورية وتحرفها عن أهدافها، وتتوالد داعش والنصرة وتسرق الثورة والانتصارات من الشعب وثواره.
الرواية مع كبر حجمها ١١٠٠ صفحة مكتوبة بطريقة سلسة وعلى شكل فصول تتابع الموضوعات بدقة ودراية، الاسلوب جاذب، السرد الروائي خفف من جفاف المعلومات وجعل انجاز القراءة ممتعا ومريحا.
أسلوب الرواية بجعل المعلومات تقال على لسان أبطال الحالة المعاشة جعلتنا كقراء جزء من الحدث وتفاعلاته. نتوق لنجاح حب الراوي مع ابنة استاذه وشيخه. نتمنى لوسام الحسن التوفيق في تحقيقاته بجريمة مقتل الحريري، نحقد على حيدر وابو غدير وتعذيبهم للسجناء في سجن صيدنايا. نعيش صراع الإسلاميين الجهاديين ونتأكد انهم خارج التاريخ والعلم والواقع، وبالتالي نكتشف انهم كوادر جاهزة لأن يكونوا ارهابيين كقنابل موقوتة تنفجر في أي وقت. وأنهم عناصر تخريب فكري ومجتمعي، يؤثرون سلبا حيث يكونون. سنتابع عمل النظام السوري المجرم، لا يوجد له ضوابط اخلاقية او انسانية، يستبيح كل شيء لأجل استمراره بالسلطة فحياة الناس ومستقبلهم كل شيء مباح ومستباح. تمرس النظام في اللعب السياسي لمصلحته، قدرته على صناعة المواقف التي يريدها، اختراقه الأمني لكل القوى السياسية التي يحاربها، سطوته في لبنان ومع الفلسطينيين، وارتباطاته الدولية الملتبسة.
أخيرا ومهما توسعت لن أفي الرواية حقها من الحديث عن غزارة المعلومات والوعي والمعرفة التي تقدمه. وأفضل شيء تفعله الرواية هو ان تنشر وتعمم فائدتها على أوسع نطاق ممكن للمثقفين والسياسيين والقراء.
شكرا ابراهيم كوكي لقد اعطيتنا قطعة من نور تضيء، وكمثل عصى موسى تواجه معلومات كثيرة تم تداولها للتضليل ثم تفندها.
قدمت كتابا مهما في معركة الوعي، وهي أهم معاركنا نحن كسوريين في مسيرة نضالنا وثورتنا لإسقاط نظام الاستبداد والإجرام وبناء حياة حرة عادلة ديمقراطية تحمي الكرامة الانسانية في سورية المستقبل التي نعمل جميعا لأجلها.