واحة الراهب فنّانة وروائية سورية متميزة، هذه روايتها الثالثة التي أقرأها لها. واحة تنتمي للثورة السورية ومطالب الشعب السوري بإسقاط الاستبداد وتحقيق أهداف الثورة بالحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والحياة الأفضل لكل السوريين.
حاجز لكفن الرواية الأحدث لواحة الراهب وتم نشرها عبر دار أنطوان هاشيت – نوفل، والتي تنهل من أحداث الثورة السورية وتسلط الضوء على فعل النظام بحق الشعب السوري من خلال رصد واقع حاجز للنظام على طريق دمشق درعا، وتوقيفه لفتاة عائدة الى بلدتها في درعا، الحاجز يفتش امتعة المسافرين في الحافلة. على الحاجز تبدأ أحداث الرواية وتتوسع الدائرة لتصل الى وطن وناس هم سورية وشعبها.
يوقف الحاجز الحافلة ويُنزل الركاب مذعورين خائفين يقفون جانبا ينتظرون أن يحصل إذلال التفتيش ويمرون بسلام الى درعا. سورية كانت قد التحقت بالربيع العربي وخرج ناسها مطالبين باسقاط النظام وبناء الحياة الأفضل، تحرك جموع المظلومين وطليعتهم الشباب في كل سورية تقريبا، درعا لها السبق؛ أطفالها من كتبوا على حيطانها تحديا للنظام، تم التنكيل بهم، ومنها انطلقت شرارة الحرية والثورة. النظام لم يسكت قرر إنهاء التظاهر والثورة باستعمال كل انواع الاسلحة. قتل الناس واعتقل الناشطين حاصر المدن عندما لم يتمكن من السيطرة عليها ومنها درعا. في الحافلة جميع ركابها بانتظار انتهاء التفتيش مع رعب من أن ينكّل بهم جنود الحاجز وامنه، كثيرين اعتقلوا هنا والبعض تم تصفيته قتلا أمام الآخرين، صبا تنظر الى حقيبة يفتشوها باستهتار على أنها لشابة اخرى، مستبيحين خصوصية الفتاة مشرعين ملابسها الداخلية، مطلقين العبارات النابية واللااخلاقية. سرعان ما يندفع الضابط المسؤول سائلا عن الإرهابية صاحبة الحقيبة، لقد تم العثور على علاجات وادوات طبية وبعض المواد الغذائية، مع كثير من التعابير النابية والسوقية، موجها الكلام إلى صبا، صبا تنكر ملكيتها للحقيبة وتقول انها قد تكون للفتاة الاخرى، لكن لا وجود لتلك الفتاة. أصّر الضابط على ملكية صبا للحقيبة، ومع استمرارها على إنكار ملكيتها، في هذه اللحظة فُتحت أبواب الجحيم على صبا، سحبها العسكر بأمر الضابط مصحوبة بالتنكيل والضرب والإساءة اللفظية من الحاجز ليتم اعتقالها.. استدعاها الضابط بعد فترة ليحقق معها في المعتقل الملقب بالمسلخ البشري. بدأ معها الضابط بالشتائم وكيل التهم، وحاول التحرش بها، نزع عنها حجابها، حاول مداعبتها جنسيا واغتصابها، لكنها واجهته بتحدي وممانعة وصلت الى حد الانهيار النفسي، أنكرت ملكيتها للحقيبة وأنها من درعا ومتزوجة وتسكن في دمشق مع زوجها وأنها عائدة الى بيت اهلها، ولا علاقة لها بالسياسة وما يحصل في البلاد لا من قريب ولا من بعيد. استدعى الضابط عناصره بعد أن صدّته صبا. أمرهم بالتحقيق معها ودفعها للاعتراف واغتصابها ايضا. لم تستوعب صبا ما يحصل معها الا عندما اخذها العناصر وضربوها بشدة وشبحوها وبدأوا يتناوبون على اغتصابها. في أثناء الاغتصاب وبعده استعادت صبا تاريخ حياتها كاملا. نشأتها في بيت متواضع ينظر الى عالم الرجال كونهم المتفوقين والمهيمنين على نسائهم، أمها التي تتقبل هيمنة والدها، وتزرع فيها قبول الخنوع والدونية في حياتها مع أسرتها، لها أخوين يعاملان بتميز قياسا بها، بينما ثالثهم المتمرد كان الأقرب إلى روحها وقد شرخ استشهاده حياتها وروحها. حياتها التي أصبحت أقرب للجحيم بعد بلوغها، لذلك رضيت ان تتزوج وهي صغيرة بعمر الخامسة عشر، رجل يكبرها كثيرا، متزوج ومطلق ليس لديه اولاد، تبين أن زوجها عقيم، اصيبت بوسواس الموت، عاشت حياتها ضحية جديدة في منزل زوجها الذي يعاملها بدونية، يضربها احيانا، يعينه على اذلالها امه واخته العانسة. تفاقم جحيم حياة صبا لذلك قررت أن تعود إلى أهلها. لكن أشكالاً متعددة من الموت ستتعاقب عليها. هي الآن عالقة في الحاجز ضحية تعذيب واغتصاب، أمام تهمة قد تودي بحياتها، يعاود الضابط التحقيق معها مجددا تحت التعذيب مطالبا لها بالاعتراف، وبما انها لم تعد تحتمل التعذيب قررت الاعتراف انها تعمل لصالح الثوار في درعا وأنها تأخذ لهم في حصارهم المواد الغذائية والعلاجات والمواد الطبية. عند ذلك طالبها الضابط ان تكتب اسماء من تعمل معهم، كتبت أسماء كل من تعرفهم من قريب او بعيد، همها الاكبر ان ترفع الجحيم الذي تعيشه عنها. كان اخاها الاصغر قد شارك في التظاهر واغتيل من قناص واستشهد، واخاها الاخر هرب الى تركيا خوفا من استدعائه للجيش وزجه بحرب يكون فيها قاتلا أو مقتولا وبأبخس الأثمان ولمصلحة نظام استباح البلاد والعباد. كان الضابط وعناصره قد وجدوا كمبيوتر داخل الحقيبة وحاولوا فتحه، صعب الامر عليهم، واستمروا بالمحاولة. تُركت صبا بعد ما حصل معها من تحقيق وتعذيب واعترافات لتعود إلى أهلها. اهلها وزوجها افتقدوا لها كثيرا وبحثوا كثيرا عنها، وهاهي تعود لهم بحالة لا تسمح لهم بفهم ما حصل معها. اجابت عن أسئلتهم المستفسرة وخاصة هل اغتصبوها في الاعتقال ام لا؟. نفت ذلك، تعرف أن قيم الشرف عند اهلها والمجتمع تعني أن تقتل ان اغتصبت، مع أنها هي الضحية ولا ذنب لها، ما بالك انها اغتصبت في مركز أمني، مع ذلك بقيت محافظة على سرها لنفسها، لكن بوادر حملها من الاغتصاب بدأت تظهر عليها، وهذا سيفضحها وسيكون مصيرها القتل ولو بعد حين. كانت صبا قد كرهت حياتها بعد ما حصل معها وتمنت الموت الذي هو مصدر رعبها الأول ورهابها، لكن تشكل الجنين في احشائها، اعاد اليها جذوة الأمل بالأمومة التي حرمت منها، وتمنت ان تعيش مشاعر صناعة الحياة حتى ولو من بذرة الشر التي استباحتها روحاً وجسدا. في مستوى آخر تم فتح الكمبيوتر الذي وجد في الحقيبة وتبين أنه يعود لفتاة اخرى، تم البحث عنها ووجدت متخفية في الحرش المجاور للحاجز، وتم استدعاء صبا مجددا للتحقيق معها ومع الصبية الأخرى شذى التي اعتبرت شريكتها.. الوجه الآخر لصبا المجسد لحياتها المشتهاة. رغم أنها معاكسة لها في الشكل والمضمون، لكنهما تلتقيان بانتمائهما لمجتمع ذكوري واحد قامع ومقموع في الآن ذاته. أخبرها الضابط انها الان مطلوب منها أن تعيش مخبرة لتقدم للنظام معلومات عن الثورة والثوار، وأنها هي وأهلها وبلدها ملكا للنظام وهو الوحيد من يقرر متى يكون موتها وكيف.
أما حقيبة صبا التي استعادها الأمن من حوزة شذى. يتضح أنها لا تحمل سوى الغرضين الوحيدين اللذين كانت تنوي بهما تجسيد الفعل الإرادي اليتيم الذي رغبت بتحقيقه، هرباً من ظروف فشل حياتها ومن الحرب، ومن ضغط خوفها المستعصي من الموت ذاته. فتكتشف أن حرمانها حتى من خيار الموت، لم يعد هو نهاية المطاف مع جلاديها وحوش هذا العصر.. فالخيار بات بين أمرين لا ثالث لهما.. أن تكون.. أو يكونون.
هنا تنتهي الرواية وفي تحليلها نقول:
الرواية تنتمي لروايات الثورة السورية، التي تشكل مجموعها ذاكرة أدبية ووجدانية عن كل ما حصل ويحصل في سورية.
الرواية تسلط الضوء على استباحة النظام لحياة الناس قبل الثورة وبعدها، وأن الناس كلهم مجرد أدوات لخدمة النظام ومصالحه، بحياتهم وموتهم وكل شؤون حياتهم.
الرواية تعتمد لغة سرد سلسلة بصيغة المتكلم. ممتلئة بالتفاصيل، كتبت بنفس واحد، اشبعت موضوعها واوصلت رسالتها. ربطت ببراعة بين الظلم السياسي للنظام، والظلم الاجتماعي، المعاملة الدونية للمرأة في اغلب مجتمعنا. وان الثورة يجب ان تطال اسقاط الاستبداد والفساد والاستغلال والتخلف والتفاوت الاجتماعي والنظرة الدونية للمرأة واسترداد الحق الإنساني لكل الناس في مجتمع عدل وحرية وديمقراطية وحياة أفضل.
1٬147 4 دقائق