حزب الله لا تعنيه “المثالثة”: السيطرة الكاملة على الدولة

منير الربيع

مذ طرح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ضرورة الذهاب إلى ميثاق سياسي جديد، بدأت التساؤلات والتحليلات حول الصيغة التي يمكن اجتراحها للبنان، بعد ثبوت عقم النظام والتركيبة اللبنانيين. وسرعان ما توجهت الأنظار كلها نحو حزب الله، لقراءة ردّ فعله وجوابه على المبادرة الفرنسية.
ردّا نصر الله
وردّ أمين عام الحزب السيد حسن نصر الله بموقفين مختلفين: في الأول قال: “لقد عُرضت علينا أموال ومكاسب سياسية مقابل تغيير وجهة سلاحنا وقضيتنا، لكننا رفضنا”. وقال في رده الثاني: “نحن منفتحون على أي مناقشة أو مبادرة للذهاب إلى عقد سياسي جديد، شرط التوافق عليه بين القوى السياسية”.
وهكذا فتح حزب الله الباب أمام مسعى التغيير. لكن لا أحد يمتلك صيغة أو تصوراً واضحاً لما يفترض أن يكون عليه هذا التغيير.
وسارع كثيرون إلى استنتاج صيغة المثالثة ضمانة لحزب الله، في مقابل موقف ماكرون حول وجوب انسحاب الحزب من سوريا والعراق واليمن، والدخول في هدنة طويلة مع إسرائيل لتعزيز وضعه الداخلي.
حزب الله طالبان لبنان؟
لا شك في أن موافقة حزب الله على مثل هذا الطرح، تعني إحراجه حيال تاريخه وجمهوره، وتقوّض جذرياً خطابه وأيديولوجيته. وهي تضع قتاله المديد في خانة السعي إلى مكاسب سياسية، مستخدماً شعارات دينية وطائفية لتعزيز مكانته في لبنان. وهذا ينسحب أيضاً على قتاله في سوريا لحماية نظام الأسد، متوسلاً مسوغات دينية تارة، كحماية المراقد الشيعية، وطوراً مسوغات لبنانية كاستباقه محاربة الإرهاب، الذي يطمئن مخاوف المسيحيين من التكفيريين السنّة.
غير أن المعروف عن حزب الله، هو استحالة ذهابه إلى مثل هذه الخيارات التي تسقط عنه تاريخه وصورته وادعاءاته كلها. إذ لا يمكن لحزب مثله أن يرتضي الظهور – ولو لمرة واحدة – على صورة يتراءى فيها منكسراً أو متنازلاً.
لكن المستجد أيضاً أن استمراره على هذه الصورة التي كان عليها طوال سنوات، في واقع لبنان السياسي وخارجه، لم يعد ممكناً. فليست بسيطة موجات مواجهته وتصنيفه إرهابياً بشقيه السياسي والعسكري في الدول الأوروبية، بفعل الضغط الأميركي.
فقبل سنوات كان تنظيم حزب الله العسكري فقط هو المصنف إرهابياً. لكن إدراج الحزب كله اليوم على لوائح الإرهاب، يغيّر الكثير من المعطيات السياسية، التي قد تؤدي إلى احتمالات تسوية أو تفاهم بينه وبين أميركا، على غرار الاتفاق الذي عقده الأميركيون مع طالبان في أفغانستان.
العونية في دور الحريرية
عندما تحمّس التيار العوني للتحالف مع حزب الله، طمح عون إلى المعادلة التي كانت قائمة بين الحزب وسوريا الأسد من جهة، وبين ورفيق الحريري من جهة أخرى: حزب الله مقاومة عسكرية ضد إسرائيل ويتحكم بالسياسة الخارجية اللبنانية بديلاً عن الأسد، في مقابل إطلاق يد التيار العوني في السيطرة على مقدرات ومفاصل المرافق العامة في الدولة.
وتنامى الطموح العوني وجشعه إبان انخراط حزب الله في الصراع السوري واليمني والعراقي. وارتاح العونيون معتبرين أن عمل الحزب وحجمه وثقله منصبة كلها على الخارج. أما الداخل اللبناني، أي شؤون الدولة الداخلية وتفاصيلها، ففي يد العونيين الذين يؤمنون الغطاء المسيحي لحزب الله.
وفي كل محطة خلافية أو مفترق طرق رئيسي، لجأ التيار العوني إلى التهديد بالذهاب إلى الفيدرالية أو الصيغة الجديدة، والانتهاء من اتفاق الطائف. وفي تهديده هذا، اعتبر التيار أن حزب الله يصطف خلفه ويناصره. لكن الحزب كان فعلياً في مكان آخر مختلف كلياً.
وفي طرحه الفيدرالية، ظن التيار العوني أنه يكسب المناطق المسيحية، مسقطاً من حساباته أن هدف حزب الله هو السيطرة على لبنان كله. وفي هذا السياق حرص حزب الله على إدارة علاقات متناقضة مع القوى اللبنانية المتضاربة. فركز على الاهتمام بالبيئات الاجتماعية والطائفية والمذهبية والديمغرافية المختلفة، حتى سجل اختراقات كبيرة فيها.
الحزب الواحد في لبنان
ووصل الحزب أخيراً إلى وضع يمكّنه من رفض المثالثة، في حال عرضها عليه. فما هو قائم حالياً في لبنان، هو أكثر ما يناسبه. فغاية حزب الله ليست تغيير اتفاق الطائف ولا تغيير الدستور والذهاب إلى المثالثة. بل إن معركته الأساسية انتخابية، والذهاب إلى قانون انتخابي نسبي خارج القيد الطائفي، وبقاء الصيغة على حالها. وهذا يوفر له القدرة على سحق القوى اللبنانية التي تناهضه، ويمكّنه من انتصار كبير يجعله الأقوى في المجلس النيابي، والمتحكم في الانتخابات الرئاسية وعمليات تشكيل الحكومات. وهذا ما يجعله في موقع الحزب الواحد والقائد للدولة والمجتمع.
وفي حال عُرض على حزب الله مقايضة سلاحه بتغيير صيغة النظام اللبناني، سيكون مستعداً للنقاش والمراوغة في مسألة السلاح، ليقفل الباب على تغيير النظام بشكل قاطع. ذلك لأن السلاح ووهجه والخوف منه ومحاباته تظل كلها تشغل البيئات الأخرى وتخترقها.
وهكذا تظل القوى اللبنانية كلها ضائعة ما بين خوفها من الحزب وسلاحه، وبين رغبتها في الاستناد إليهما والاستقواء بهما على الآخرين.
ألم تكن هذه المعادلة إياها قائمة في لبنان أيام وصاية سوريا الأسد عليه؟

المصدر: المدن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى