ليس بعد رفع العلم الصهيوني ذنب!

خالد بريش

لم يكن أحد يفكر أنه سيأتي يومٌ على أمتنا العربية، يهتف فيه بعض أبنائها لرئيس وزراء الكيان الصهيوني، الذي يُمْعنُ قتلًا وذبحا بأهلنا في غزة والضفة، ولا أن يرتفع علم الكيان الصهيوني الغاصب على تراب بلادنا، بأيدٍ عربيةٍ، وأن يُصْبح وضع الكوفية، ورفع العلم الفلسطيني في بعض بلداننا من الممنوعات، التي يحاسب فاعلها. إلى أن كان السابع من أكتوبر، وانطلاق « طوفان الأقصى» المبارك، الذي أوضح توجهات بعض شعوبنا وأنظمتنا كنا نجهلها، أو بالأحرى كنا مخطئين وسذج إلى أبعد الحدود لحسن ظننا فيهم.
ما حدث ويحدث اليوم في السويداء، لا يمكن التغاضي أو السكوت عنه، خصوصا من قبل النخب على اختلاف أطيافها، والتي لكل منها حجَجَها الجاهزة لتبرير وقوفها متفرجةٍ، إن لم نقل شامتةٍ بما يحدث، محملة نظام دمشق المسؤولية كاملةً، لا لسبب إلا لأنها اعتبرت أنه أهملها، ولم يترك لرهطها مكانا في المقدمة، وبالتالي فهم في مكان ما، ومن دون أن يعلنوا، يدعمون تلك الخيانة التي لا تغتفر، وهم في ذلك يكررون الخطأ الفادح الذي ارتكبوه في بداية الثورة، وموقفهم من النظام البائد حينها.
كلنا اليوم معنيون بما يحدث وبلا استثناء، لأنه باختصارٍ شديدٍ، هذه الشآم وما تُمثله: تاريخا، وماضيا وحاضرا ومستقبلا، هي أم العُرُوبة وحُضْنها، وعاصمة أول دولة خلافة عربية.. ولو استطاع الكيان المارق تحقيق مشروعه، فلينتظر بقية العرب من المحيط إلى الخليج المصير نفسه، ولن يكون أي بلد من بلداننا وأوطاننا، بمنأى عن تلك النيران.. لأن هذا الكيان المارق والمُتغطرس، لن يتوانى عن التلاعب في مجتمعاتنا لحظة واحدة، وإياكم أن تظنوا أن معاهداتكم واتفاقياتكم معه تحميكم، فالصهاينة لا يحترمون عهدا ولا اتفاقا، وأعيدوا قراءة التاريخ لتدركوا ما أقول. اليوم يدعي الكيان المارق حماية الأقليات في سوريا، وغدا من يدري، فقد تتمدد عنايته وحمايته ورعايته إلى مصر، والعراق، والسعودية، وغيرها من الدول العربية. وقد يصل به الحال يوما، لحماية العمال الأجانب في دول الخليج العربي فمن يدري! وإياكم أن تظنوا أن أمريكا ستحميكم، أو أن المجتمع الدولي سيتحرك، لأن سياسات هذه الدول واستراتيجياتها الاستعمارية، هي دائما إلى جانب الكيان الفاشي، الذي بنوه حَجَرا على حجرٍ، وكما يحبون، وهو بالتالي يمثلهم، ويعبر عنهم أفضل تعبير. بدأ الكيان يلعب لعبته الجهنمية لتدمير وتفتيت أوطاننا على المكشوف، محققًا من خلال ذلك أحلامه، وأحلام رعاته الاستعماريين الجدد والقدامى، ويسير في ذلك في أربعة اتجاهاتٍ، ستؤدي إلى نجاح مشروعه، إن لم نتنبه ونستيقظ قبل فوات الأوان:

المشكلة لم تعد محصورة في غزة، وبعض المستوطنات في الضفة الغربية، بل إن كل أمننا القومي هو اليوم في خطرٍ حقيقي

الأول: تفتيت سوريا من خلال دعمه للدروز في الجنوب السوري، والأكراد في شماله، والعلويين على الساحل، المنتظرين لإشارته، وإشارة حليفه غير المنظور روسيا، لكي يتحركوا. وعلى العرب ألا يُحْسنوا الظن في الأمريكيين، وغيرهم من دول الغرب المنافق، والركون إليهم، وإن كانوا اليوم يترددون، فلأنهم خائفون على مصالحهم من تجدد الإرهاب، ولكن في حال أقنعهم رأس الكيان المارق بأنه يُمْسك بالأوراق جيدا، فسيسلمون له الدفة، ويتركونه يمارس لعبة الصهيونية التاريخية، في القتل والتدمير، وتخريب مجتمعاتنا وتفتيتها من الداخل كما يريد.
الثاني: من خلال طرحه لمشروعه الصهيوني وخرائطه، وهي بالنسبة لساسته لم تعد مجرد نصوص وأحلام توراتية منسية في طيات الكتب، إذ بعد الصمت العربي والإسلامي على المذابح التي ارتكبوها ويرتكبونها بحق الفلسطينيين في غزة منذ قرابة السنتين، تشجعوا وقاموا بأول اختبار لمشاعر العرب والمسلمين ولردات فعلهم، عندما وقف نتنياهو على سدة أهم مؤسسة أممية «الجمعية العامة للأمم المتحدة»، وعرض خرائطه التوراتية، من دون أن يعترض عليه أحد حينها، وقد وهبه ترامب قبلها إشارة البدء في ذلك، ومهد له الطريق، عندما أعلن على الملأ أن «مساحة إسرائيل صغيرة»! وبالتالي، غدا تحقيق مشروعهم الصهيوني التوراتي على الأبواب، خصوصا أن نتنياهو لم يسمع من العرب بعد حديثه المُتلفز الأخير ما يزعجه، بل كان كل ما صدر مجرد بيانات إنشائية مُهَلْهلة واهية، ولم يطرد عقبها أي سفير صهيوني في الوطن العربي، أو على الأقل يُسْتدعى من قبل الخارجية! والمؤسف أن العرب يعتقدون أن أي موقف قوي من قبلهم بهذا الخصوص، سيصب في مصلحة المقاومة في غزة، وهم لا يريدونها أن تنتصر أصلا.
الثالث: العمل على الأرض، بالاستيلاء على بقية الأراضي الفلسطينية في الضفة وغزة، خصوصا أن وجود السلطة الفلسطينية يمنحهم غطاءً في كل ما يقومون به، وهذا لا يجعل بعض الدول الغربية تتحمس وتعترض، أو تبدي رأيا.
الرابع: إرسال الإشارات لكل الأقليات في المنطقة، من المحيط إلى الخليج، أنه سيحميهم، وينتزع لهم من أنظمتهم القمعية، المُهْملة لكياناتهم حقوقهم المشروعة… ومعلوم أن بلادنا مليئة بالمشاكل الإثنية، التي لم تستطع الأنظمة حلها، لأنها لا تريد ذلك أساسا. وحتى تلك الدول التي تظن نفسها بعيدة عن مثل هذه المشاكل، فإن لديها جاليات تدعي أن لها حقوقا يتم هضمها، كالهندوس العاملين فيها مثلا، خصوصا أنهم قدموا أوراق اعتمادهم لدى الكيان الغاصب، فشارك آلافٌ منهم في الحرب الهمجية على غزة، وإذا كان الإعلام الصهيوني لا يُسلط الأضواء على دورهم حاليا، لأنهم القنبلة التي تستريح في ثلاجات أجهزة مخابراته، ولم يحن بعد موعد تفجيرها.
هذه المقالة ليست من باب التهويل، بل هي استشعار الأخطار، فكل الأمور التي كانت أنظمتنا تستهين بها، وتضعها وراء ظهرها، ها هي اليوم أمامنا، والمسؤولون في بلادنا حيالها يتحسسون رؤوسهم، وقد أسقط في أياديهم… وفيما يخص سوريا، فعلى الجميع أن يدركوا قبل فوات الأوان، أن المشكلة ليست في كلمات تضمنها الإعلان الدستوري الجديد كما يدعي الدروز والعلمانيون، أو أنها حول اسم سوريا « الجمهورية العربية السورية»، كما يدعي الأكراد، ولابسوا أثواب الديمقراطية، فكل هذه مجرد ترهات، يتلهى بها هواة التحليل السياسي على الفضائيات، وبعض المثقفين على كراسي المقاهي، أو وراء شاشات هواتفهم، وأغلبهم شامتون بما يحدث من إجرام صهيوني، واعتداء على سوريا الجديدة حكومة وشعبا. الموضوع خطير جدا، ولا يحتاج إلى فلكيين لنتبين خطورته، إنه المشروع الاستعماري الصهيوني الحقيقي، يريدون تنفيذه على تراب أوطاننا، إن كان على رأس الحكم في سوريا الرئيس أحمد الشرع، أو غيره.
ومن واجبنا اليوم شعوبًا وأنظمةً، سوريين وغير سوريين، الوقوف في وجه هذه الهجمة الشرسة للكيان الغاصب، والتصدي لها بكل الوسائل لأننا جميعا مسؤولون، ولن يرحمنا عدونا مطلقا، ولا التاريخ يوما. ويا ويلنا إن لم نتنبه لخطورة الأحداث الجسام، التي ما زال كثيرون يستهينون بها، ويركنون للوعود والتطمينات الأمريكية.. يا ويلنا إن تركنا سوريا لوحدها، كما تركنا الفلسطينيين منذ عام 1948، وتركنا من بعدها غزة تذبح من الوريد إلى الوريد، وجلسنا نتفرج عليها وهي تحترق أمام أعيننا! يا ويلنا إن لم نبادر إلى تحرك فوري، يكون في مستوى ما يحدث، خصوصا أن المشكلة لم تعد محصورة في غزة، وبعض المستوطنات في الضفة الغربية، بل إن كل أمننا القومي هو اليوم في خطرٍ حقيقي… والتصريحات الباهتة التي صدرت وتصدر من بعض المسؤولين العرب، يترجمها ساسة الكيان ضوءا أخضر، لكي يكملوا طريقهم… إن لم تستيقظوا اليوم، وأنتم ترون هذا الكيان المارق يستبيح لبنان وسوريا، ويفعل ما يفعل بالفلسطينيين في غزة والضفة، ويُعْلن مشروعه التوسعي بصفاقة، فمتى تستيقظون؟
كاتب لبناني

المصدر: القدس العربي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى