أولويات أنقرة بعد أسبوع على اشتعال الجبهات.. مخطط توريط تركيا؟

سمير صالحة

يرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن “من حق إيران الطبيعي والمشروع والقانوني الدفاع عن نفسها ضد إرهاب الدولة الإسرائيلي، فنتنياهو هو أكبر تهديد لأمن المنطقة”. ويُعلن أردوغان أن أنقرة مستعدة لمواجهة أي سيناريوهات أو حالات سلبية قد تنجم عن الصراع الإسرائيلي الإيراني. “أنقرة ستواصل اتصالاتها الدبلوماسية، وستبذل قصارى جهدها لمنع وقوع كارثة قد تطول الجميع جراء العدوان الإسرائيلي”.

نحتاج إلى جهد إضافي لفهم وتفسير ما يقصده الرئيس التركي:

أردوغان يؤكد أن تركيا ضد الحرب الإسرائيلية على إيران، ويعارض ممارسات نتنياهو في الإقليم، ويحمّل من يدعمه ويقف بجانبه مسؤولية المشاركة في استهداف الشعب الإيراني.

التنديد بإسرائيل وممارساتها واضح، لكنه ليس موقف حلفاء تركيا في الغرب أو في صفوف العديد من الدول العربية التي عانت من سلوك إيران في المنطقة.

كل الساحات المحلية في لبنان والعراق وسوريا واليمن همِّشت قبل قرار إسرائيل إعلان الحرب على إيران الأسبوع المنصرم.

عواصم إقليمية عديدة أعلنت حيادها، ملتزمة بمبدأ “لا نوم في القبور ولا منامات وحشة”.

باستثناء تركيا وبعض الدول الخليجية الفاعلة، لا أحد يبدي قلقًا حيال مخاطر ارتدادات ما يجري.

سيناريو التفاهمات الإيرانية–الإسرائيلية بقرار أميركي، وما بعده، لا يعنيهم.

فلماذا تبالغ أنقرة والرياض والدوحة وأبوظبي؟

يلتقي وزير خارجية إيران، عراقجي، الفاعلين الأوروبيين في جنيف. فهل توازن القمة الإسلامية في إسطنبول السياسات والدور، وتحمي المصالح؟

يرى الإعلامي عصمت أوزشليك أن نجاح إيران في مواجهة إسرائيل هو ضمانة لأمن تركيا في المنطقة. “علينا الاستفادة من أخطاء سياستنا في سوريا والوقوف إلى جانب إيران”.

لكن تجارب وممارسات إيران في سوريا ولبنان والعراق واليمن تقول عكس ذلك تمامًا.

هي ربما معركة إيران مع إسرائيل اليوم، لكن ما الذي يمنع أن تصبح معركة تركيا أو غيرها من الدول مع إحدى الدولتين بعد حين؟

صمود طهران أو تمكنها من توجيه ضربات موجعة لإسرائيل هو ما سيحدد موقف حلفاء نتنياهو في الغرب، وليس احتمال اتساع رقعة المعارك وانتقالها إلى جبهات جديدة، وتعريض أمن دول أخرى في الإقليم للخطر.

سباق التصعيد البطيء والمتدرج، القابل للتحول إلى انفجار سريع وواسع، هو ما يتقدم على جهود التهدئة التي يبذلها بعضهم.

يكرر الرئيس الأميركي أن بلاده لا تسعى إلى الحرب، لكنه يقود جسر المساعدات العسكرية لإسرائيل على أمل أن تُحسم الحرب لصالحها مبكرًا.

السؤال: متى ستتدخل واشنطن لصالح تل أبيب؟

لم نحصل على إجابة لسؤال: من الذي فوض تل أبيب مهاجمة إيران؟

لكننا لم نحصل أيضًا على إجابة لسؤال: هل تتحمل طهران اليوم وزر ما بنته من سياسات في المنطقة؟ وهل تنفذ تهديداتها بنقل المعركة إلى المضائق والمعابر الاستراتيجية؟

تسعى تل أبيب إلى سحب ورقة الملف النووي من يد إيران، لكنها تفعل ذلك لتتفرد بلعب هذه الورقة ضد دول المنطقة بدعم غربي. فكيف، ولماذا، ستظل تركيا تراهن على علاقاتها التي بنتها مع الغرب الأميركي والأوروبي؟

الدروس الأولية والسريعة التي استخلصتها تركيا من الحرب الإسرائيلية–الإيرانية حتى الآن:

  • لا ثقة بإسرائيل في المنطقة، فهدفها هو الصعود العسكري وفرض ما تريده على الجميع، على حساب استقرار وسلام الإقليم.
  • لا يمكن بناء السلام مع إيران الحالية، فسياسات العقدين الأخيرين تُظهر أن طهران لن تتراجع عن أهداف التوغل العقائدي والأمني في الدول المجاورة.
  • التقاء المواقف التركية والعربية تجاه الحرب فرصة إقليمية جديدة لبناء تعاون استراتيجي وتأسيس ثقل ثالث يفرض توازنات ضرورية لاحقًا.
  • سقطت نظرية الرهان على العواصم الغربية لدعم التوازنات الإقليمية عبر بناء سلام عربي–تركي–إيراني – إسرائيلي .فمصالح إسرائيل فوق كل اعتبار، ومن يطلق يد نتنياهو اليوم لن يتردد في تشجيع آخرين غدًا على تكرار ما يجري، ضد تركيا أو العواصم العربية.

كشفت المواجهات العسكرية عن أهمية النجاحات التي حققتها تركيا في مجالات التصنيع الحربي الجوي والبحري والبري. لكنها أظهرت أيضًا حاجة تركيا لسد النقص العسكري في سلاحين مهمين: منظومة صواريخ بعيدة المدى، وسلاح جو فعّال ومؤثر.

لم يعد يكفي أنقرة رهانها على تحالفاتها مع الغرب تحت مظلة حلف الأطلسي.

فبعض الأطراف هناك تستغل هذا التكتل لتحييد دول أعضاء أو تجاهل بنود الاتفاقيات لصالح فرض توازنات جديدة، على حساب الشراكات والتعهدات.

حلفاء إسرائيل في الغرب يقفون ضد إيران في هذه المعركة.

لكن تركيا تؤكد أنها لن تنخرط في مخطط توريطها بالحرب ضد طهران، ولن تدافع عن إسرائيل بقرار أميركي–أطلسي.

توضحت الخطة أكثر بعد أسبوع من اندلاع المعارك:

  • فتح المجال أمام إيران لتقوى وتتمدد، ثم إصدار قرار الحرب عليها بأيدٍ إسرائيلية.

سيناريوهات معروفة تتكرر، والأداة فقط هي التي تتغير في “الميزان”.

  • واضح تمامًا أنها مواجهة إسرائيلية–إيرانية في العلن، لكنها معركة إقليمية–دولية مفتوحة لا أحد يعرف حدودها أو مآلاتها.
  • قد تكون مسألة تحمّل أعباء الحرب وتكاليفها الاقتصادية والسياسية أحد أبرز العوامل التي ستحدد عمر المعارك . لكن الدعم الذي سيقدمه حلفاء طرفي الصراع لا يقل أهمية،.فصورة “اليوم التالي” في الإقليم بعد انقشاع غبار المعارك هي ما يقلق كثيرين.

تركيا تستعد لسيناريوهات كثيرة:

  • هل ستطول الحرب؟
  • هل ستتدخل أميركا لحسمها؟
  • هل تبقى روسيا والصين في موقع المتفرج؟

لكن أكثر ما يقلق أنقرة هو سيناريو “اليوم التالي”.

فخروج أحد الطرفين منتصرًا في الحرب سيحدده تحالف البلدين إقليميًا ودوليًا. لكن النتيجة سترسم أيضًا خارطة تحالفات وتوازنات جديدة في المنطقة.

مصالح أنقرة مع طرفي النزاع ستتأثر حتمًا، لكن القلق الأكبر هو شكل التوازنات الجديدة التي ستظهر إلى العلن.

تركيا تحت مظلة “الناتو” في مواجهة أي اعتداء تتعرض له، لكن ما يقلقها هو شيء آخر :

دخول واشنطن الحرب إلى جانب إسرائيل، مما يعني مطالبة أنقرة بفتح قواعد الحلف أمامها.

فهذا التدخل سيجعل من القواعد الأطلسية في تركيا أهدافًا مشروعة للصواريخ الإيرانية.

دروس الهجمات المتبادلة بالنسبة لتركيا بعد أسبوع من اندلاعها:

– لا تثق أنقرة بإسرائيل ومخططاتها الإقليمية، لكنها لن تحزن كثيرًا إذا تراجع مشروع تحويل إيران إلى جار نووي.

– أنقرة تدرك أن واشنطن لن تقدم لها هدية إضعاف الطرفين لإخراجها أقوى مما هي عليه.

    • الضوء الأخضر الأميركي لإسرائيل لمهاجمة إيران اليوم، قد يتحول غدًا إلى تغاضٍ عن أي استهداف إسرائيلي لتركيا بسبب الخلافات حول سوريا، والقضية الكردية، وغزة، واصطفافات شرق المتوسط.
    • التصعيد يخدم واشنطن، كما يمنح تل أبيب مزيدًا من الثقل الإقليمي، وهذه من بين المسائل التي تقلق أنقرة.
    • تركيا على الحياد اليوم، وهذا قد يُبعد الحرب عن أبوابها،لكن لا أحد يضمن لها الغد في ظل ممارسات تل أبيب، التي كانت تبحث قبل قرن عن قطعة أرض، لكنها اليوم تسعى لإدارة شؤون المنطقة بأكملها.
    • إيران أيضًا قد تلعب ورقة إشعال المواجهات في الخليج وقطع الطرق التجارية، لجرّ تركيا إلى الدفاع عن مصالحها هناك.
    • أميركا تستقوي بإسرائيل، وإسرائيل تستقوي بأميركا، بحسب المتطلبات. تفاهمات من هذا النوع تُعرض مصالح تركيا السياسية والأمنية للخطر.
    • حرب قصيرة تنتهي خلال أيام قد تُخرج طرفي النزاع أقوى في الإقليم.لكن إطالة أمد الحرب، وتحولها إلى مواجهات كلاسيكية على غرار ما يجري في أوكرانيا، قد تفقد أنقرة كثيراً من الفرص، خاصة في ما يتعلق بالتقاطعات التجارية والاقتصادية. فـ90% من النفط، و50% من احتياجات الطاقة في تركيا، تأتي من الخارج. هذا إلى جانب المصالح الأمنية، والاقتصادية، والسياحية التي تعتمد عليها أنقرة.

انتقال المعارك إلى جبهات جديدة قد يعرض تركيا لخسارة عدد كبير من الفرص الإقليمية التي تمتلكها اليوم. لكن أنقرة، رغم قلقها، تمتلك أدوات ردع سياسي واقتصادي متزايدة في الإقليم. تبدأ بالدبلوماسية وتنتهي بخيارات أمنية مدروسة ضمن أكثر من مظلة وبالتنسيق مع أكثر من لاعب.

المصدر: تلفزيون سوريا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى