
لعلّ ما قيل وكُتب من معلومات واستقراءات سياسية عن احتمالات لقاء بين الرئيس السوري أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في الرياض أو غيرها، كثيرٌ ومتعدّد، لكنّ الأهم أن هناك ضرورات عدّة، وأيضاً أهمية كبيرة للقاء كهذا، كان الشرع (ومعه العهد الجديد في سورية) وما يزال يعمل عليها حثيثاً، وضمن سياساتٍ حكوميةٍ سورية تريد الانطلاق خارجاً وداخلاً، وتخطّي جملة الصعوبات الجمّة التي تتمظهر بين الفينة والأخرى في طريق عملية بناء الدولة السورية الجديدة. إن استمرارية ذلك وإلحاحيّته، ومن ثمّ دوافعها السياسية، تنبع من عدّة مسائل، وجملة محدّدات، كما تتكئ على عديدٍ من ضرورات باتت حاضرةً وماثلةً أمام الجميع في سورية، وهي ملحّة بالفعل، لا بالقول، وقد تساهم إن حصل اللقاء جدّياً في الخروج من حالة اللاستقرار، وعبثية التعاطي مع المتغيّرات.
لا تزال العقوبات الأميركية جاثمةً على صدور السوريين، تعوق أيّ اشتغال حقيقي في طريق معافاة واقعية ومأمولة للاقتصاد السوري المتهالك
ولعلّ أهم هذه المحدّدات التعاطي العملياتي العقلاني مع حجم الخطر الإسرائيلي الداهم، إذ لا يمرّ ضمن ذلك أيّ يوم على العهد الجديد إلا وتتعرّض فيه سورية إلى قضمٍ للأراضي السورية، أو اعتداء على الأجواء والجغرافية السوريّة، أو إلى محاولة إسرائيلية للتدخّل في ماهية الوضع الداخلي السوري، حتى باتت الأوضاع السورية في الجنوب والشمال الشرقي، وكذلك ضمن الساحل السوري مقلقةً، بعد ما حصل من أحداثٍ دمويةٍ صعبة، وانتهاكات لحقوق الإنسان السوري، مهما اختلفت طوائفه، وجميعها باتت مرتبطةً مباشرةً بما يمكن أن تفعله السياسات الإسرائيلية في سورية والمنطقة برمّتها، إذ تدرك الحكومة السورية الجديدة أنه لا إمكانية مطلقاً للدخول في أتون حرب كبرى مع إسرائيل ستكون نهاياتها دماراً أكيداً وكلّياً لسورية، وهذا ما لا يريده أيّ وطني سوري، بل ولا يستطيعه أهل الحكم جميعاً في دمشق، بعد أن ترك نظام بشّار الأسد الفارّ سورية مدمّرةً بلا بنية تحتية، وبلا اقتصادٍ يقف على رجليْه، وصولاً إلى حالة الدولة السورية الفاشلة على المستويات كافّة، وذلك قبل أن يرحل النظام المخلوع بقليل، لكن هل يمكن أن يكون التدخّل الأميركي في ذلك، وفيما لو جرى اللقاء المحتمل بين ترامب والشرع لصالح السوريين؟ أم أن ترامب سوف يدعم اتفاقاتٍ ما مع إسرائيل، لا يبدو أن نتائجها ستكون إيجابيةً لصالح السوريين، ضمن حالة الضعف السورية الواضحة المعالم، أو لمصلحة نهوض وتنمية سورية دولة المواطنة الديمقراطية المستقرّة والمبتغاة؟
إضافة إلى مسألة الإرهاب ومكافحته أو التصدّي له، وقلع جذوره، الذي هو في أولويات الطلبات الأميركية من الحكم السوري الجديد، واستمرار وجود حالةٍ من التوجّس الأميركي وعدم الثقة، والتشكيك بالحكم السوري الجديد، وهو ما زاد أواره مع تحرّك أحداث الساحل السوري، وأيضاً ما جرى من أحداث عنيفة ودموية في الجنوب مع الطائفة الدرزية، أو بعض منها في جرمانا وأشرفية صحنايا، ومن وجود عناصر جهادية غير سورية داخل بنية بعض الفصائل السورية، التي يفترض أن تندمج داخل المؤسّسة العسكرية السورية الجديدة ووزارة الدفاع، التي يعاد بناؤها وتشكيلها. وهو ما سوف يعقّد المسألة ويصعّب إنهاءها كما تريد المطالب الأميركية المرسلة إلى الرئيس الشرع منذ أيام وأسابيع، وضمن كثير من معطيات الواقع السوري المتغيّر والمنسحب إلى بعض المحافظات والمدن السورية.
علاوة على أن مسألة العقوبات الأميركية، التي ما تزال جاثمةً على صدور السوريين، وتعوق أيّ عملية نهوض، أو تنمية، أو اشتغال حقيقي في طريق معافاة واقعية ومأمولة للاقتصاد السوري المتهالك، إذ ما انفكّت الولايات المتحدة تتريّث وتتردّد كثيراً في أيّ خطوة جدّية لرفع هذه العقوبات، التي يفترض أن ترفع بمجرّد زوال النظام الأسدي، المتسبّب فيها، خلا تلك الموافقة الأميركية على المنحة القَطرية المالية لمساعدة الحكومة في دفع الرواتب للعاملين في القطاع العام أو بعض منها، فضلاً عن إشكالية قوات سوريا الديمقراطية (قسد) والوجود الاحتلالي الأميركي شمال شرقي سورية، وإعاقة تنفيذ معظم بنود اتفاق “قسد” مع الحكومة السورية، ومن ثمّ فهي تعوق واقعياً وعملياً حالة وحدة الجغرافيا السورية، وبالتالي استمرار ترك الباب الأميركي موارباً مع الحكومة السورية في هذه المسألة وسواها، سياسةً عامّةً للأميركيين، لا يبدو أنها سوف تتغيّر في القريب العاجل.
تدرك الحكومة السورية الجديدة أنه لا إمكانية مطلقاً للدخول في أتون حرب كبرى مع إسرائيل ستكون نهاياتها دماراً أكيداً وكلّياً لسورية الجديدة
وإذا كانت تهمة الإرهاب ما زالت ملصقةً أميركياً ببعض رجالات الحكم الجديد في سورية، فإن تجاوز ذلك قد لا يكون ممكناً، حتى لو فتحت باريس (كما حصل أخيراً) أبوابها للحكم السوري الجديد، ولوجاً في بوابة أوروبا، فللأميركيين سياساتهم المختلفة، التي لا تتوافق بالضرورة مع السياسات الأوربية أولا تتقاطع معها أبداً. مع ذلك، فإن لقاء الشرع – ترامب المرتقب أو المحتمل، أمامه عروض سورية مغرية، تُقدَّم سلفاً للتاجر الأميركي (دونالد ترامب)، ومنها مشروع إعادة إعمار سورية على شاكلة ما حصل في سياقات مشروع مارشال في أوربا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ما يمكن أن يجعل من الرئيس الأميركي يفكّر طويلاً قبل أن يعطي أمراً رئاسياً برفض اللقاء مع الرئيس السوري أحمد الشرع، من منطلق أنها مصلحة أميركية استثمارية واستثنائية كبرى، وفرصة لا يمكن أن تفوّت، خاصّة أن الممولين سيكونون في معظمهم من الدول العربية الخليجية، وليس من الأميركيين، وبعد أن قدّرتْ تكاليف إعادة إعمار سورية بما يزيد على 600 مليار دولار.
فهل يمكن على هذا الأساس، وبناءً على هذه المعطيات، أن يكون اللقاء ناجزاً وممكناً بدعم خليجي من قطر والسعودية، ويتنج وضعاً سورياً جديداً ينعش الوضع السوري الاقتصادي والسياسي والأمني والخدماتي والاجتماعي، بعيداً من كلّ حالات التذرّر والتشظّي، التي ظهرت أخيراً في بعض مناطق سورية، ويساهم في إعادة الاستقرار إلى الوضع السوري الجديد؟
المصدر: العربي الجديد