“حزب الله” يعوض قلق جمهوره وضعف عون بالتشدد والتهديد نصرالله ربط الموقف في لبنان بالانتخابات الرئاسية الأميركية مثل إيران

 وليد شقير

دأب الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله خلال الأشهر الماضية على مخاطبة جمهوره وتطمينه إلى أنهم “لا مأزومين ولا مربكين ولا محتارين… ونحن وحلفاؤنا في لبنان وحلفاؤنا الإقليميون، الأقوى في المنطقة”، كما فعل في خطابه الأخير مساء الجمعة 14 أغسطس (آب) الحالي، بمناسبة ذكرى انتهاء “حرب تموز” 2006، مطلقاً في الوقت ذاته تهديدات مبطنة لخصومه اللبنانيين، بإمكان استخدام “غضب” جمهوره إزاء الحملات على “الحزب”، ضدهم.

ورأى نصر الله في المطالبة بإجراء انتخابات نيابية مبكرة، وفي رفع بعض قوى المجتمع المدني شعار استقالة رئيس الجمهورية ميشال عون كرد فعل على ما آلت إليه أوضاع لبنان، وإعلانه أنه غير مسؤول عن تخزين نيترات الأمونيوم التي تسببت بكارثة انفجار مرفأ بيروت، “مؤامرة على الدولة”.

الأوساط السياسية المعارضة لـ “الحزب” التي تواصل انتقاد ما تراه هيمنة يمارسها الأخير على الدولة، والتي اتسعت دائرتها بانضمام البطريرك الماروني بشارة الراعي إلى الحديث عن تلك الهيمنة على الحكومة، ودعوته إلى حياد لبنان، رأت أن تطمين نصرالله المتواصل لمناصريه بأن “حزب الله” غير مربَك، لا ينفي أن التطورات في البلاد لم تعد مريحة لموقعه المتفوق في المعادلة السياسية، بالرغم من أن قوته العسكرية والتنظيمية، واستناده إلى دعم إيران اللامتناهي لم يتغيرا، وكذلك استناده إلى أن تقدم موقع طهران الإقليمي لاسيما في سوريا، زاد من حجم تأثيره داخل لبنان وفي المعادلة الإقليمية، قياساً إلى خصومه.

أسباب قلق الحزب من “المؤامرة”

يشير المتابعون إلى ردود فعل “الحزب” منذ انتفاضة 17 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 ضد الطبقة السياسية والحكم في لبنان، إلى عاملين وضعاه تدريجاً في موقع دفاعي، الأول داخلي نتيجة تراجع شعبية الفريق المسيحي الرئاسي الذي استند إليه في تحالفه مع الرئيس عون و”التيار الوطني الحر”، بعد تصاعد النقمة على إدارة هذا الفريق لدفة الحكم، وخيبة الأمل على الصعيد المسيحي من وعوده إزاء مكافحة الفساد، وميله نحو الهيمنة على مقدرات الدولة والاستئثار بالقرار المسيحي الذي أعاد الانقسام مع حزب “القوات اللبنانية”، ولعب تأييده خيار انتخاب عون رئيساً في عام 2016 دوراً رئيساً في إيصاله إلى الحكم. كما أن انفجار الأزمة المالية الاقتصادية الصيف الماضي ضاعف هذه الخيبة التي تعاظمت مع كارثة 4 أغسطس، حين تحولت بيروت إلى مدينة منكوبة جراء انفجار المرفأ الذي تركزت أضراره الهائلة ومآسيه الإنسانية في المناطق السكنية القريبة من المرفأ. وفي موازاة الحديث عن إهمال عدد كبير من المسؤولين لخطر تخزين المواد المتفجرة في المرفأ، تسببت شبهة وفرضية وجود مواد متفجرة أو أسلحة مخزّنة في المرفأ لمصلحة “الحزب” قد تكون إسرائيل استهدفتها، بالرغم من عدم إثباتها في شكل واضح، بكثير من التحليلات وردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي. وأخذ الناقمون على سياسة “الحزب” يستخدمونها ضده، ما أثار ردوداً من مناصريه ومن نصرالله الذي كذّب هذه الفرضية. لكن الحملات في هذا السياق صعّدت النقمة على العهد الرئاسي و”التيار الوطني الحر” كحليف للحزب.

أما العامل الثاني، فهو التطورات الإقليمية الدولية التي ينظر “حزب الله” من خلالها إلى الوضع اللبناني، فتصاعد العقوبات الأميركية عليه وعلى إيران منذ أكثر من سنة، واستمرار التهديد الأميركي بفرض عقوبات على حلفائه في لبنان، ومضاعفة العقوبات على النظام السوري عبر قانون “قيصر”، وبالتالي إضعاف حليفه بشار الأسد مع ما تعانيه الساحة السورية من تنافس إقليمي ودولي، نغصت ما وصفه نصرالله عشرات المرات بانتصار النظام وسيطرته بمساعدة “الحزب” وإيران. كما تزامنت الانتفاضة الشعبية في العراق مع انتفاضة لبنان، إذ برز الاعتراض الشعبي لا سيما الشيعي على هيمنة إيران فيه، ما فرض قبول الأخيرة برئاسة مصطفى الكاظمي لحكومة مستقلة عنها، إضافة إلى استمرار المشروع الإيراني بالمراوحة في اليمن من دون تمكن الحوثيين من تكريس سيطرتهم على سائر البلد… إلى آخره من ديناميكية لخريطة الأحداث الإقليمية.

“الحزب” تجنب الاحتكاك بجمهور “تعليق المشانق”

ولاحظ أحد السياسيين المتابعين لسلوك “الحزب” في لبنان في الأشهر الأخيرة أن النقمة الشعبية على الطبقة الحاكمة التي تشمله في شكل سبق للحراك الشعبي، أن تناوله تحت شعار “كلن يعني كلن”، قوبلت من قبله بغزوات قمعية وتظاهرات لأنصاره ضد تحركات الثوار أكثر من مرة في وسط بيروت، ما أدى إلى سقوط جرحى، بينما اضطره هول المأساة التي أصابت بيروت جراء انفجار 4 أغسطس، للسكوت على شمول التدبير الرمزي الذي نفذه الحراك المدني في وسط العاصمة في 9 أغسطس، بتعليق المشانق لصور تمثل قادة الطبقة السياسية بمن فيهم عون ونصرالله. فمن عادة “الحزب” وأنصاره أن يغضبوا إزاء المس برمزية نصرالله الدينية والسياسية ويمارس العنف ضد الفاعلين، لكنه امتنع عن إرسال أنصاره إلى ساحات التظاهر لقمع حاملي المشانق الرمزية، تجنباً لارتفاع الحساسية لا سيما المسيحية ضده، بعد خسارة عون الكثير من قاعدته نتيجة تحالفه معه، وذلك بسبب غلبة الاعتقاد بأن تغطية عون للحزب تسببت بالحصار الدولي على لبنان، وحجب المساعدات المالية عنه في مواجهة الانهيار الاقتصادي. وأكدت معلومات موثوقة أن “الحزب” طلب من أنصاره في المناطق المحيطة بالتظاهرات عدم النزول ضد الشارع الآخر، واتخذ احتياطات لمنعهم من ذلك. وتجلت النقمة المسيحية بوضوح عند زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المناطق المنكوبة، إذ هاجم الجمهور الساخط الحكام داعياً إلى تغييرهم، بما فيهم عون، وطالبوا بعدم صرف المساعدات المالية عبرهم بسبب فسادهم.

تزامن التشدد مع زيارة ظريف

ولفت أحد السياسيين المعارضين لـ “حزب الله” إلى أن نصرالله عاد إلى التمسك بمواقفه السابقة في موازاة زيارة وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف إلى بيروت، الذي اجتمع إليه قبل بضع ساعاته من إطلالته لمخاطبة الجمهور عبر شاشة التلفزيون، وهي الزيارة التي جاءت لإحداث توازن مع زيارة مساعد وزارة الخارجية الأميركية السفير ديفد هيل، الذي أطلق مواقف تدعم الثوار ومطالبهم بالتغيير، فيما ركّز في محادثاته مع من التقاهم على ضرورة تشكيل حكومة جديدة من الحياديين ترضي الشعب الغاضب وليس الخارج. فزيارة ظريف وموقف نصرالله هدفا إلى إحداث توازن إزاء الهجمة الغربية من زيارة ماكرون، إلى زيارة هيل ومسؤول “وكالة التنمية الأميركية” لتقديم المساعدات، وزيارة وزيرة الدفاع الفرنسية ورسو حاملة المروحيات العسكرية في المرفأ، وما سبقهما من زيارات لوزراء خارجية ومسؤولين عرب. فظريف اعتبر أن البوارج في البحر ضد لبنان و”المقاومة”.

واتهم نصرالله بعض الحراك الشعبي مجدداً بتلقي الأموال من بعض السفارات، ملوحاً بأنه سيكشف أسماء هذه السفارات لاحقاً، ما دفع النائب المستقيل اعتراضاً على التركيبة الحاكمة والمعارض للحزب، مروان حمادة إلى التساؤل “كيف لنصرالله أن يهدد الانتفاضة بأنه سيكشف عن مموليها من السفارات، وهو اعترف بنفسه أن أموال الحزب وثروته وطعامه من إيران ومن الحرس الثوري الإيراني؟”.

دعم لعون وتمسك بالأكثرية النيابية

بعد سقوط الحكومة التي كان “الحزب” يفضل بقاءها لأن تركيبتها تلائم إدارته للوضع الداخلي، وتسليمه بالتضحية بها بعد إصرار حليفه رئيس البرلمان نبيه بري لتنفيس احتقان الشارع، اقتضى تسطير الرسائل إلى الخارج والداخل بوجوب عدم الاستهانة بقوة “الحزب”، واستمرار إحكام قبضته على البلد، فدافع عن حليفه عون، مؤكداً أنه “ليس الشخص الذي تستطيعون إسقاطه بالاتهام وبالشتائم وبالكذب وبالتزوير”، مشيراً إلى أن “اللبنانيين يعرفون عنه صموده، صلابته، وعن ثباته، في الأيام الصعبة”، لافتاً إلى أن العمل على إسقاط عون “وهم”.

ورأى نصرالله “أنهم (خصومه السياسيين) فشلوا في إسقاط مؤسسة المجلس النيابي” عبر الاستقالات النيابية، لكنه قال إن “هناك كتلاً نيابية موافقة على انتخابات نيابية مبكرة، ولكن غير موافقة على الاستقالة لحسابات سياسية… والهدف كان إسقاط الدولة”، لكنه أكد أنهم “حتى لو استقالوا كلهم. الأغلبية النيابية موجودة ولا يسقط المجلس النيابي”، موحياً بذلك إلى رفض المطلب الشعبي وأحزاب المعارضة إجراء الانتخابات النيابية المبكرة للإبقاء على الأكثرية لمصلحته وحلفائه، خشية تغييرها في حال إجراء الانتخابات لتقليص نفوذه في المؤسسات.

رد على تمني ماكرون لروحاني

ورفض نصرالله الحديث عن تأليف حكومة حياديين “لأنها مضيعة للوقت”، محدداً سلفاً شكل الحكومة الجديدة بأنها “حكومة وحدة وطنية، وإن لم يمكن، فحكومة ذات أوسع تمثيل سياسي وشعبي ممكن، مؤلفة من سياسيين واختصاصيين”، وذلك رداً على النصح الأميركي والفرنسي بحكومة المستقلين والحياديين. واعتبر الحكومة الحيادية “خداعاً لتجاوز التمثيل الحقيقي الذي أفرزه أي شعب من خلال الانتخابات النيابية”. وفي وقت رأت مصادر مواكبة للمواقف الدولية أن نصرالله يرد بذلك على تمني ماكرون على الرئيس الإيراني حسن روحاني حين اتصل به الأسبوع الماضي، بعدم إفشال مسعى تشكيل حكومة من المستقلين، ذكرت مصادر أخرى أن الجانب الإيراني لن يقدم تنازلات إلى الجانب الفرنسي، ويفضّل أن يكون ذلك في سياق اتفاق مع الأميركيين، بدليل ربط نصرالله اتضاح الموقف في لبنان في نهاية خطابه بانتظار الانتخابات الرئاسية الأميركية كما تفعل إيران.

تهديد الحريري وجنبلاط؟

إلا أن نصرالله استخدم لغة التهديد مرتين. الأولى وجد المراقبون أنها موجهة إلى زعيم تيار “المستقبل” سعد الحريري الذي يفيد المقربون منه أنه غير متحمس على الإطلاق لتولي رئاسة الحكومة المقبلة إلا إذا كانت من المستقلين، إزاء مطالبة “الحزب” بتوليه المهمة. وقال نصرالله “من لا يستطيع أن يتحمل مسؤولية في ظروف صعبة في البلد فليخرج من الحياة السياسية ويدع الناس تذهب إلى خيارات سياسية جديدة”.

أما الثانية فبالتهديد المباشر بما يشبه “7 أيار” آخر، يوم اجتاح الحزب بيروت عسكرياً في عام 2008 لإسقاط الحكومة التي كان يرأسها آنذاك فؤاد السنيورة، والمشكّلة بأكثريتها من “قوى 14 آذار” تحت عنوان “السلاح لحماية السلاح”. وخاطب جمهوره ومحازبيه الذين دعاهم إلى الصبر إزاء الحملات، بالقول “حافظوا على غضبكم قد يأتي يوم نحتاج فيه هذا الغضب، لننهي كل محاولات جر لبنان إلى حرب أهلية”.

وفي وقت أكد مراقبون أن هذا التهديد موجّه إلى الحريري ورئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط، نظراً إلى انتقاداته المبطنة لمحور الممانعة، فإن هناك من يرى ألا مفعول لهذا التهديد، لأن اجتياح بيروت في عام 2008 كان له مفعول ضاغط بحجة إنقاذ المدينة، أما اليوم فإن بيروت منكوبة وشبه ميتة.

المصدر: اندبندنت عربية

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى