
في زحمة التطورات الدراماتيكية التي تعيشها سورية هذه الأيام، وضمن مفاعيل وطنية سورية غاية في الأهمية، يجدر بنا كسوريين وفي سياقات الحرص على وحدة وتماسك النسيج الوطني السوري، والإمساك بتلابيب الوحدة الوطنية السورية، وإعلاء سور الوطن الواحد الموحد، أن نُعمل العقل السياسي الوطني الجامع، ونمسك جديًا بكل ما يجمع ولايفرق، ونعيد بناء أسوار الوطنية السورية المعبرة عن الجميع على أسس جديدة، تنهل من معين عقد وطني سوري جامع، لايستثني أحدًا من مكونات سورية، ويبني دولة المواطنة الحقة التي يحلم بها كل السوريين، بعيدًا عن كل المعوقات التفتيتية، التي تريد الاشتغال حثيثًا، فيما لو استطاعت إلى ذلك سبيلًا، نحو مزيد من التشظي والتذرر، الذي تريده هي، ضد إرادة السوريين بكليتهم.
ولا يمكن اليوم أن يغيب عن مخيالنا أبدًا، أن هناك من يعمل ليلًا نهارًا، من أجل بعثرة الواقع السوري، وإهالة التراب على ما كل أنجزته ثورة الحرية والكرامة، صبيحة يوم 8 كانون أول/ ديسمبر 2024. لأن ماتم إنجازه، هو شيء كبير وعظيم، إذ إن كنس إيران ومشروعها من سوريا والمنطقة، هو فعل ثوري مهم وتاريخي، يطول كل المشروع الإيراني، بجميع مساراته ومآلاته، وينهي أطماعه الخطرة في المنطقة العربية برمتها، ويعيد تأسيس المنطقة من جديد على أساسات متجددة، حيث لا وجود فيها للنفوذ والهيمنة الإيرانية، كما أن إزالة دولة الاستبداد المشرقي، وإحالة حقبة نظام آل الأسد بجميع تجلياته، هذه الحقبة التي خطفت الوطن بكليته، فسيطر حافظ الأسد وعصابته على مجموع مقدرات سوريا، فنهبوا ثرواته وألحقوه بالخارج، وفسدوا وأفسدوا كل شيء، لن تكون ارتدادات كل ذاك سهلة، ولن تقبل إسرائيل والدول الخارجية الأخرى ذات المصلحة، بأن يبني السوريون وطنهم، بغير ما بنى عليه وقام به نظام آل الأسد، وخارج إطار التابعية، وحماية أمن إسرائيل، منذ أن وقع نظام حافظ الأسد اتفاق فض الاشتباك عام 1974، إبان حرب تشرين الأول التي كادت أن تكون حربًا تحريرية، لولا ما أراد لها حافظ الأسد وأنور السادات، فكانت حربًا تحريكية ليس إلا ، فتحت الطريق واسعًا وممهدًا أمام النظام السوري في حينه ، التحاقًا بمصالح الأميركان والإسرائيليين على حد سواء.
لا حل في سوريا إلا بالحوار الوطني الجامع، وعبر مزيد من مسارات منفتحة على الحوار الوطني السوري، وكذلك عبر القيام بكثير من اللقاءات الجامعة، وإفساح المجال من أجل إعطاء بعض التنازلات.
لذلك فهم اليوم يحاولون ومنذ خمسة أشهر تقويض السلم الأهلي في سوريا، و(بكل أسف) إنهم يجدون من يساعدهم في ذلك، ويقومون باختراع المشكلات ويعوقون كل خطوات الاستقرار وبناء جدران السلم الأهلي، عبر تحريك تلك الطائفية المقيتة، هذه الظاهرة الموجودة لكنها كانت نائمة فيأتي اليوم من يقوم بإيقاظها، في حين الصحيح أبدًا، هو إعمال صوت الحق والعقل، ومنع أي جهة أو مجموعة أفراد من السماح لهم بانبعاثات مَرَضية قد تكون فتحت بابًا واسعًا لتدخلات خارجية، ليس أولها العامل الإسرائيلي، وهو ماشهدناه عبر القصف الإسرائيلي في أشرفية صحنايا، ثم بالقرب من القصر الجمهوري بدمشق، وليس آخرها كل من يريد شرًا في الواقع السوري.
ولعل ماتقوم به وتتابعه كثير من العقول الوطنية النيرة، وعبر وأد الفتنة في أشرفية صحنايا وجرمانا والسويداء، يؤشر إلى أهمية وضرورة إعلاء صوت العقل، فوق أي صوت، ومنعًا لأي إمكانية خطرة، لتحريك الطائفية النائمة، إذ إن العقلانية السياسية هي مايجب إعماله وإفساح المجال له، ومنع كل مظاهر اللاعقلانية السياسية، من الوصول إلى مواقع أي مواقع، يسمح لها بها وعبرها من تخريب ما أنجزه شعبنا السوري العظيم، بعد أربعة عشر عامًا من الكفاح المتواصل وعلى كل الصعد، وضد الطغاة، حيث وصل إلى حالة واقعية وممارسة من إزالة أدوات القمع والاستبداد، وإنهاء حالة سرقة الوطن وخطفه بكليته.
واقعيًا وضروريًا لا يجب أن يكون هناك اليوم، ولا يمكن السماح لأي صوت أن يعلو على صوت العقل الوطني الجامع، فجبل العرب جزء مهم من أهلنا السوريين، وهم جزء لا يتجزأ من الحالة الوطنية السورية الجامعة، وتاريخهم الوطني يشهد على ذلك، وأي خلل غير وحدوي وغير جامع يجب منعه من الظهور، ومن ثم منع إسرائيل من استثمار ذلك، أو الاشتغال به وعليه، ولعل صوت العقل في السويداء أولاً، وكذلك في الإدارة الجديدة أيضًا مايجب أن يكون بالمرصاد، في مواجهة وحصار أية تدخلات خارجية، وصونًا لوحدة السوريين والتفافهم حول وطنيتهم السورية، منعًا أكيدًا لكل التدخلات الخارجية، لأن الوطنية السورية تقتضي منا جميعًا أن نستنجد بإمكانياتنا الوطنية، وبعقلنا الوطني السياسي، ورشدنا، ومحبتنا لوطننا، وليس عبر الاستنجاد بالخارج أي خارج.
لا حل في سوريا إلا بالحوار الوطني الجامع، وعبر مزيد من مسارات منفتحة على الحوار الوطني السوري، وكذلك عبر القيام بكثير من اللقاءات الجامعة، وإفساح المجال من أجل إعطاء بعض التنازلات، وصولًا لوحدة الوطن السوري، وإعادة قيامة سوريا، على أسس جديدة من المواطنة السورية الجامعة.
المزيد من الحوار والعقلنة ستنتج وطنًا حقيقيًا متماسكًا موحدًا منتميًا إلى وطنيته أولًا، وجاد في إعلاء بناءات الدولة الوطني.
نعم لا حل أبدًا إلا بمنع الأصوات الطائفية من التمظهر، ومحاسبتها، وقوننة وتجريم كل من يدعو إلى الطائفية أو يلعب على الوتر الطائفي أو الإثني، الذي يفرق ولايجمع يفتت ولا يبني، يعيدنا للخلف، ولا يستثمر إيجابًا بوحدة وانتصارات السوريين.
إن اللاعقلانية السياسية وحدها، مايمكن أن تفتح الباب على مصراعيه للمتدخلين خارجيًا وأصحاب المصالح، الذين يريدون تفتيت وتقسيم سوريا، في حين الحل العقلاني وصولًا إلى تطبيق وإنفاذ القوانين، والإسراع بإنتاج هيئات مطلوبة للعدالة الانتقالية في سوريا، سيكون ملاذًا ضروريًا لأي مستقبل سوري واقعي وعقلاني.
ومن يعتقد واهمًا أنه بغير صوت العقل يمكن أن نقيم دولة الحرية والمواطنة، فإنه يكون قد أدخل الوطن السوري في أتون أنفاق طويلة لاخروج منها، وتفتيت وطني مجتمعي وسياسي لا ينتج إلا كل ماهو خطر على وحدة السوريين.
فالمزيد من الحوار والعقلنة ستنتج وطنًا حقيقيًا متماسكًا موحدًا منتميَا إلى وطنيته أولًا، وجاد في إعلاء بناءات الدولة الوطنية، ومنعًا لأية تدخلات خارجية، وغير ذلك، وخارج هذا السياق، سنكون قد أدخلنا أنفسنا في نفق مظلم وظلامي، لاخروج منه أبدًا، وهذا ما لايريده أي وطني سوري لبلده ومستقبل وطنه.
المصدر: تلفزيون سوريا